بقلم عمر الراسي – أخبار اليوم
ليس جديدا ان يبحث اللبناني عن فرص عمل خارج البلد، ولطالما كانت دول الخليج “القريبة” مقصده الاساس. هذه “الظاهرة” باتت اليوم تتوسع، حيث اللبنانيون “يفرّون” من الانهيارات المتتالية في بلدهم بحثا عن الاستقرار المالي والأمان الوظيفي.
وخير دليل ما نسمعه اليوم عن هجرة الكفاءات اللبنانية التي هي نتيجة طبيعية للازمات، اذ بين عامي 2016 و2019، تجاوز عدد المهاجرين اللبنانيين إلى الخارج عتبة الـ125 ألف مهاجر، حسب أرقام “الدولية للمعلومات”، ومن المرجح ان تكون هذه الارقام قد تصاعدت اكثر فأكثر بين 2020 و2021.
وفي السياق عينه، اشارت دراسة صادرة (في آب الماضي) عن “مرصد الأزمة” في الجامعة الأميركية في بيروت، إلى ارتفاع فرص الهجرة عند الشباب اللبناني، حيث قال 77 في المئة منهم إنهم يفكرون في الهجرة ويسعون إليها، وهذه النسبة هي الأعلى بين كل البلدان العربية، وذلك نتيجة انحسار فرص العمل الكريم”، حيث يقدر البنك الدولي أن شخصا من كل 5 في البلاد فقد وظيفته منذ خريف 2019، كما أن 61 في المئة من الشركات في لبنان قلّصت موظفيها الثابتين بمعدل 43 في المئة”.
امام هذا الواقع الاليم، فان السؤال: ماذا عن الرواتب، فبعدما كانت مرتفعة ومغرية، يبدو ان الامر لم يعد كذلك، فالرواتب المعروضة على اللبنانيين في الخارج انخفضت بشكل ملحوظ في الفترة الاخيرة بعدما باتت الشركات تحسب قيمة الرواتب قياسا على سعر صرف الدولار في لبنان!
يقول ف. ا. (25 عاما – شهادة في ادارة الاعمال)، انه تخرج من الجامعة في العام 2019، وبعد اشهر قليلة، بدأ التدهور السريع، لم اجد وظيفة في اختصاصي بل ما زلت اعمل نادلا في احد المطاعم، لذا ابحث عن عمل في الخارج وتحديدا في الخليج، لكن لم اجد بعد راتبا يمكن ان يكون كافيا للعيش في هذه الدول مع القليل من الادخار… في حين ان رفاق لي غادروا منذ سنوات الى هذه الدول وكانت رواتبهم افضل حالا!
وهذا ايضا ما يعبّر عنه م. ح. (27 عاما – شهادة في الهندسة الداخلية)، قائلا: اعمل في شركة لبنانية،
لكن الراتب الذي كان مقبولا قبل انهيار العملة، اصبح لا يساوي شيئا مع الارتفاع الكبير للدولار
(لاننا ما زلنا نقبض على اللبناني) لذا ابحث عن اي فرصة في الخارج المهم ان يكون الراتب بالدولار… لا بل افضّل الهجرة.
من جهته دعا رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية الخليجية ايلي رزق،
عبر وكالة “أخبار اليوم” الى التمييز بين دول الخليج وطريقة تعاملها مع العمالة الاجنبية وتحديدا اللبنانية،
وبين تعاطي دول غربية مع هذه العمالة،
على سبيل المثال كندا واستراليا التي تشجعان وتعطيان امتيازات الى اللبنانيين من اجل الهجرة اليها.
واشار الى ان هذه الدول لا تطلب دفع اموال بل قبول الهجرة يكون من خلال كسب النقاط،
فمثلا كندا تحدد 66 نقطة لقبول طلب الهجرة،
حيث بامكان اي شاب لبناني متخرج من الجامعة ان ينال هذا المعدل كون معظم شباب لبنان
يحملون شهادة جامعية ويتكلمون 3 لغات وقد تكون وظيفتهم جاهزة في كندا.
اما في الخليج فالامر ليس مشابها، حيث قال رزق: للاسف بعد جائحة كورونا والازمات الاقتصادية
التي تمر بها دول الخليج بالذات وتراجع اسعار النفط بدأت تلك الدول تطبق مبدأ اعطاء الافضلية لابنائها على حساب الاجانب بغض النظر عن جنسيتهم.
وتابع: اما في ما يتعلق بالعمالة او الكفاءات اللبنانية، فهناك شركات بدأت تفاوض اللبناني على راتبه بـ”الفريش دولار”
حيث ان الدفع بالدولار يعتبر مفيدا جدا للبنانيين، اضف الى ذلك ان اللبناني
“محروق” ويحتاج الى العمل وبالتالي قد يقبل بالعرض.
وهنا اشار رزق الى تدني الرواتب حيث انخفضت بنسبة 50% مقارنة بما كانت عليه ما قبل الازمة في هذه الدول.
وما مردود ذلك على سمعة اللبناني في الداخل او الخارج؟ شدد رزق على
ان اكثر ما يؤذي المواطن اللبناني هو الاطراف السياسية وسمعتها ما ادى الى فقدان الثقة بالادارة السياسية في البلاد.
واضاف: على سبيل المثال، نسمع عن انجازات دولة الامارات وتحديدا انجازات
امارة دبي، ولكن نادرا ما نسمع عن انجاز الفرد الاماراتي، في المقابل يوميا نسمع عن
انجازات المواطنين اللبنانيين، لكن لا نسمع عن انجازات الدولة اللبنانية،
وهنا الفرق حيث المواطن اللبناني يعمل جاهدا على رفع سمعة لبنان اما القوى السياسية تضعها دائما “بالارض”.
وختم: لذا الملامة الكبرى تقع على الادارة السياسية للبلاد التي للاسف دائما
نعود وننتخبها في كل دورة دون ان نعي ان من كان سبب المشكلة لا يمكن ان يكون سبب الحل.