المصدر: الاخبار
السؤال – النكتة الذي يتداوله ركّاب الباصات والسيارات العمومية هو: متى يحدّد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة سعراً لـ«الدولار الرُّكّابي» ليعرفوا وفق أي سعر صرفٍ سيدفعون بدل الوصول إلى أماكن عملهم اليوم! سؤال السائق العمومي عن التسعيرة أصبح واجباً، بعدما باتت تشبه الدولار في تقلّباته، إذ إن لكل يوم «سعر صرفه»، وتسعيرة الـ 10 آلاف ليرة اليوم قد لا تكون كذلك غداً.
باتت كلفة الخروج من المنزل «خربان بيوت» لكثير من الموظفين الذين صار الفارق شاسعاً بين ما يحصّلونه من رواتب وما يدفعونه على الطرقات. سارة التي تسكن في الضاحية وتعمل في هيئة إدارة السير في الدكوانة واحدة ممن وجدوا أنفسهم عاجزين عن المواءمة بين المردود والمطلوب. سابقاً، كانت سارة تستقل سيارتَي أجرة للوصول إلى عملها، أما اليوم وبعدما ضربت «أخماساً بأسداس»، عقدت «اتفاقاً» مع زميل لها على الذهاب معه إلى العمل مقابل مساهمتها في سعر صفيحة البنزين، خصوصاً أن «بدل النقل اليوم من الضاحية إلى الدكوانة يكلف في الحد الأدنى 60 ألفاً وأحياناً 80 ألفاً»، وهي كلفة باهظة جداً لأنه «لم يلحقنا بدل التنقّل الذي أقرّته الدولة بحدود 24 ألف ليرة». لذلك، تفكر بترك العمل «في الدولة»، لأنها لم تعد قادرة على تحمل مصروفٍ إضافي، رغم «تساهل الهيئة معنا كموظفين بحيث طلبت منا الحضور يومين في الأسبوع».
حال سارة من حال عشرات الآلاف من الموظفين والمياومين والمتعاقدين الذين وجدوا أنفسهم في معركة خاسرة، لذلك فضّل كثيرون الاستقالة من أعمالهم لأن ما يجنونه لم يعد يكفي بدل تنقّل «فكيف بالمتوجّبات الأخرى من فواتير الأكل والمولّد»، يقول سليم الذي ترك عمله، فعندما «استفاقت» الدولة وأقرّت رفع بدل النقل إلى 24 ألف ليرة، «كانت صفيحة البنزين بـ 133 ألف ليرة، أما اليوم بعد رفع الدعم كلياً، فقد وصل سعر الصفيحة إلى 213 ألف ليرة وعلى الأرجح سترتفع مجدداً مع تغيّر سعر صرف الدولار».
بعض المؤسسات حاولت ابتكار حلولٍ ولو مؤقتة تعفيها من خسارة موظفيها، فلجأت إلى اعتماد المداورة في العمل وتخفيض عدد أيام العمل الفعلية، ومن بينها المؤسسة العسكرية التي اتخذت سلسلة إجراءات لتخفيف كلفة النقل على العسكريين، منها التعاقد مع باصات عمومية لتأمين نقل العسكريين على أساس التسعيرة السابقة لقاء تأمين محروقات لها أو رصد بدلات شهرية للسائقين. وفي ما يخص المتنقّلين بسياراتهم الخاصة، خفّضت المؤسسة «مشاوير الخدمة» من 5 إلى 3 شهرياً.
لكنّ تلك الإجراءات تبقى عاجزة عن سد الثغر التي تتسبب بها أزمة المحروقات.
فبالنسبة إلى السيارات الخاصة حتى المشاوير الثلاثة «مكلفة كثيراً خصوصاً مع ارتفاع سعر صفيحة البنزين»،
أما «البوسطات» فلا تشمل كل «الخطوط» ولا توقيت محدداً لها، ويضطر العسكري إلى الخروج باكراً جداً
من البيت للحاق بها. أما من لا «يلحق» فعليه تحمّل «الكارثة»، على ما يقول أحد العسكريين الذي يسكن
في رياق البقاعية ويخدم في مدينة طرابلس، إذ «يكلفني المشوار بين 90 و100 ألف ليرة: 50
ألفاً من رياق إلى دوار الصياد في بيروت، و10 آلاف من الدوار إلى الكرنتينا، و30 ألفاً على الأقل من الكرنتينا إلى طرابلس
كثيرون أفقرتهم الأزمة. من «العساكر» إلى موظّفي القطاعين العام والخاص،
إلى المتعاقدين وجيش المياومين الذين يحاولون تسكيج يومياتهم «بالتي هي أحسن»،
يقول عامل التنظيفات السوداني مهدي أحمد حسن الذي يتقاضى مليون ليرة، «يطير» منها 500 ألف ليرة بدل انتقال
من الضاحية إلى الحمرا، وعلى الـ 500 ألفٍ أخرى أن تكفيه بدل مسكن ومأكل ومشرب كل الشهر.
لذلك، عمد إلى استئجار بيتٍ مع مجموعة من الشباب السودانيين «لنشيل مع بعض
وعم نتدين لنمشي حالنا». أما لؤي، العامل من الجنسية السورية، فقد ارتأى أن يعود إلى «الرياضة»،
إذ أقضي «أغلب المشاوير سيراً على الأقدام، كما حصرت عملي ضمن نطاق جغرافي معيّن».
النقل العامّ لـ«العرقانين» فقط!
قدّرت دراسة «الدولية للمعلومات» ارتفاع كلفة الخروج من المنزل بعد مرحلة رفع الدعم
بين «200 و400% عمّا كانت عليه قبل رفع الدعم». ورصدت الدراسة التعرفات الجديدة للنقل، وإن كانت لا تزال في إطار التقديرات،
ومنها مثلاً كلفة الانتقال بالسيارة العمومية التي ارتفعت من 4 آلاف إلى 25 ألفاً وفي الباص
العمومي 5 آلاف و10 آلاف وحتى 15 ألفاً بدلاً من ألفي ليرة سابقاً. أما الانتقال من بيروت
إلى طرابلس فبات يكلف 40 ألف ليرة، ومن بيروت إلى شتورة 50 ألفاً.
وبحسب الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، «فإن زيادة بدل النقل من 8 إلى 24 ألف ليرة
لا تعوض هذا الارتفاع في كلفة النقل، فعملياً ثمة من يدفع أكثر بحسب المناطق التي ينتقل
منها إلى العاصمة أو العكس وبحسب عدد أيام التنقل، بالإضافة إلى أنه حتى ضمن المدينة
قد تصل تكلفة النقل إلى أكثر من 50 ألف ليرة يومياً».
ووفقشادي فرج، مؤسس مشروع «حقوق الركاب» الذي يهدف الى تطوير النقل الشعبي،
بلغت نسبة الذين كانوا يعتمدون على السيارات الخاصة قبل الأزمة حوالى 80%،
ومن يعتمدون على سيارات الأجرة 18%، وشكّل من يستقلون الباصات والفانات 1.7% من السكان،
فيما أقل من1% هم من المشاة وراكبي الدراجة الهوائية. وتكرّس النقل المشترك على أنه
«نقل للفقراء والعمال المياومين الذين تفوح منهم رائحة العرق. وهنا تكمن المشكلة». لذلك،
من وجهة نظر فرج، تشكّل هذه الأزمة «فرصة لإعادة الاعتبار إلى نقل عام آمن بكلفة عادلة ومقبولة للعمال والطلاب والموظّفين».