بقلم علاء الخوري – ليبانون فايلز
عندما اتخذ لبنان قرار الدخول في مفاوضات مباشرة مع صندوق النقد الدولي لتطبيق خطة التعافي الاقتصادي، كان القيِّمون على السلطة يدركون أن هذا الامر يُعد انقلاباً كبيراً في النمط الحياتي الذي كان سائداً قبل الانهيار الكبير، وسيُرتب على الطبقة الحاكمة تقديم تنازلات كبيرة رافقتها على مدى ثلاثة عقود من الحكم، ما يعني عملياً فقدان الكثير من الاوراق الرابحة والفاعلة داخل الشارع الحزبي الذي خرجت منه هذه الطبقة السياسية، والاهم، بعيداً عن ما يُحكى في الاعلام، فإن من يضع شروطه هو الصندوق وتُفاوض الدولة على اساس ما يعرض عليها لتخفيفها أو تأجيل البدء بتنفيذها لا العكس.
شروط صندوق النقد الدولي تعني بشكل مباشر التقشف بكل ما يتصل بميزانية الدولة وموازناتها، وفي الحالة اللبنانية الكثير من الامور قد نفقدها مع شروط الصندوق، وهذا ما يعكس بلبلة وانقساماً داخل الوفد اللبناني الذي لكل فريق ضمنه وجهة نظره حول الشروط الواجب تعديلها أو تلك التي علينا التمسك بها.
في الحالة اللبنانية، تدخل الادارة العامة في جوهر المباحثات التي يوليها صندوق النقد أهمية كبيرة، ويطلب زيادة قدرة الانتاجية لديها على حساب زبائنية التوظيفات، وبرأي كبار الاقتصاديين فإن خطورة الفائض داخل الادارات العامة في لبنان لا تتوقف عند دفع الرواتب لموظفين غير ملتزمين بدوامات عملهم أو وُضعوا كفائض في الملاك كُرمَى لهذا الحزب أو الزعيم، بل تكمن الخطورة بفقدان الانتاجية الاقتصادية لفئات عمرية تمتد من الـ 25 سنة الى 64 سنة، وهذه الفئة التي تكبد الدولة خسائر سنوية بالمليارات، تعتبر غير منتجة في الإدارة، في حين أن توجهها الى قطاعات انتاجية أُخرى ان
على الصعيد الصناعي أو الزراعي قد يكون مفيداً بشكل كبير على الاقتصاد القومي للبلد، وهذا ما يريده صندوق النقد في مفاوضاته البعيدة المدى مع لبنان ضمن خطة التعافي التي تستمر سنوات.
صندوق النقد الدولي وضع أمام الدولة اللبنانية أربعة شروط للمفاوضة عليها،
وهي توحيد سعر صرف الدولار وتحريره في الأسواق، اضافة الى عرض الخسائر المالية بأرقام موحدة
بين مصرف لبنان ووزارة المالية، اضافة الى إقرار خطة إصلاح شاملة تتضمن
إعادة هيكلة للقطاع العام وترشيقه، فيما وضع الشرط الرابع لتوفير شبكات حماية اجتماعية.
في تطبيق الشرطين الثالث والرابع سيجد اللبناني نفسه أمام اجراءات مؤلمة تجبره على التنازل عن الكثير من الامور التي
كانت في السابق من الكماليات كالسفر وشراء السيارات الفاخرة لقاء قروض ميسرة أو منزل يدفع ثمنه
من صندوق الاسكان الذي يغطيه مصرف لبنان، وسيُجبر اللبناني على تغيير نمط سلوكه اليومي
جراء ارتفاع الاسعار من جهة وانخفاض الرواتب من جهة أُخرى لأسباب يحددها الصندوق وتتعلق بخفض نسبة التضخم في البلاد.
سيفقد الضابط أو العميد في السلك العسكري والامني الكثير من مخصصاته، اضافة الى امكانية الإبقاء
على راتبه التقاعدي فقط من دون تعويض نهاية خدمة، وفي حال ذهبت المفاوضات باتجاه تفصيلي أكثر، وفق ما يريده الصندوق،
فعندها سيكون التوظيف على العقد لجميع الفئات على أن يُجدّد سنوياً أساساً لكل توظيف،
هذا بالإضافة الى ترشيد الانفاق داخل الوزارات التي تبتلع موازناتها سنوياً المليارات لقاء لوازم وقرطاسية وتجهيزات
غب الطلب ومن دون أي جدوى اقتصادية، على أن يُشرف الصندوق على المناقصات داخل الادارة العامة
ويضع شروطه التي يستغلها اليوم رجال الاعمال التابعين للسياسيين
ويحصدون ارباحاً طائلة من وراء تلك المناقصات المعلبة على مقاسهم.
وفي ظل غياب الدولة وسيطرة الحزبية على المؤسسات، من الصعب أن تتلاءم شروط الصندوق مع متطلبات الطبقة السياسية
فأي اجراء سيتخذه على سبيل المثال في قطاع الكهرباء سيؤثر حكماً على شعبية أي زعيم سياسي،
فيكفي الدخول الى ملف المياومين في المؤسسة لينفجر لغم التوظيفات السياسية وتطال شظاياه الدولة،
وبالتالي فان اجراءات صندوق النقد يجب أن تتزامن مع توحيد رؤية السلطة والاحزاب التي تدير الدفة في الداخل،
اذ أن اجندات البعض لا تلائم بالمطلق عمل الصندوق، وأي خطوة ستُتخذ ستكون حكماً ضد مصالح الحاكمين في البلد.