بقلم عماد مرمل – الجمهورية
من حين الى آخر، تطفو العلاقة بين الجيش و»حزب الله» على سطح الاهتمامات، وفي غالبية المرات من زاوية طرح تساؤلات عن حقيقة مناعتها وطبيعة مستقبلها. وهذه المرة، تجدد النقاش حول الأمر بعد طرح لافت لرئيس المجلس التنفيذي في الحزب السيد هاشم صفي الدين، «التقطَته» شخصيات معارضة وجدت فيه تصويباً غير مباشر على الجيش.
«الأميركيون أقوياء في الدولة اللبنانية، ولديهم الكثير داخلها وحتى الآن لم نخض معركة إخراج الولايات المتحدة من أجهزة الدولة، ولكن إذا جاء اليوم المناسب وخضنا هذه المعركة، فسيشاهد اللبنانيون شيئاً آخر».
ما ان أطلق السيد صفي الدين هذا الموقف خلال إحدى المناسبات قبل أيام، حتى سارَع بعض خصوم الحزب إلى وضعه في خانة توجيه رسالة تهديد الى الجيش تحديداً.
وانطلق هؤلاء في تفسيرهم لكلام صفي الدين من كون المؤسسة العسكرية ترتبط تاريخياً بعلاقة وثيقة مع الولايات المتحدة وتحصل على مساعدات منها، مفترضين ان «حزب الله» يريد «تطويعها» لسياساته واجندته في سياق سعيه الى الهيمنة على كل مؤسسات الدولة، وأنه لم يعد يتحمل تَمايز الجيش وصلاته القوية مع واشنطن، في وقت يواجه هو الأميركيين بشراسة على الساحة اللبنانية.
ولكن، ما هي حقيقة الأبعاد التي ينطوي عليها موقف صفي الدين؟ وهل صحيح أنه كان يرمي من ورائه الى تهديد اليرزة على نحوٍ مبطّن؟
ينقل مطلعون عن صفي الدين تأكيده انه لم يكن يقصد بكلامه الجيش على الإطلاق
«خلافاً لما ذهب اليه البعض من أصحاب الاجتهادات المغلوطة». أكثر من ذلك، ومنعاً
لأي تأويلات في غير محلها، يجزم العارفون في الحزب بأنّ ما طرحَه رئيس مجلسه
التنفيذي لا علاقة له بتاتاً بالاستحقاقات المقبلة ولا يجوز لأحد أن يربطه بأيّ استحقاق،
وذلك في إشارة ضمنية الى الانتخابات الرئاسية المقبلة التي قد يكون قائد الجيش العماد جوزف عون احد المعنيين بها ربطاً بالعرف اللبناني.
ويلفت القريبون من الحزب الى ان علاقته بالمؤسسة العسكرية وقيادتها ممتازة،
«وهو اساساً صاحب معادلة «الجيش والشعب والمقاومة» في مواجهة العدو الاسرائيلي،
فكيف له ان يتطوّع لنسف إحدى ركائز هذه المعادلة، خصوصاً ان الجيش أثبت عبر سلوكه
في محطات مفصلية أنه يشكل جزءاً من خطوط الدفاع عن لبنان؟».
ويحرص الحزب على الاستمرار في سياسة التعاون والتفاهم مع المؤسسة العسكرية،
«لا سيما انه يعرف أهمية مردودها الاستراتيجي بالنسبة إلى المقاومة،
إضافة إلى أنه يعلم أيضاً ان هناك في الداخل والخارج من لا يستسيغ هذا التعايش المنظّم
بين الجانبين ويحاول استغلال اي فرصة لتحريض كل منهما على الآخر، بُغية دق إسفين بينهما واستدراجهما
الى نزاع عبثي من شأنه إلحاق الضرر بالمقاومة، وهذا فخ لن يقع فيه الحزب الذي أثبتَ عبر اكثر
من تجربة صعبة أنه قادر على تفاديه»، وفق المواكبين لمجريات الأمور على خط اليرزة – الضاحية.
ولا تخفي الاوساط القريبة من الحزب انه يتمايَز عن الجيش او يتباين معه أحيانا في مقاربة جزئيات ظرفية،
كما جرى على سبيل المثال حيال مسألة إقفال الطرق خلال فترة الاحتجاجات في الشارع،
«لكن هذا النوع من الاختلافات الموضعية يُعالج من خلال التواصل المباشر مع المؤسسة العسكرية»، كما تؤكد تلك الاوساط.
إذاً، من كان يستهدف صفي الدين برسالته الشديدة اللهجة؟
يوضح العارفون ان «الرشقات التحذيرية» التي أطلقها المسؤول الكبير في الحزب إنما كانت
تندرج ضمن إطار «لفت الانتباه الى خطورة النفوذ الأميركي المزمن والمتمدد داخل الادارات الرسمية
وصولا الى الدولة العميقة، متخذاً مظاهر عدة، كان من أحدثها التدخل العلني في التحقيق القضائي المتعلق بقضية انفجار المرفأ».
ويعتبر الحزب، بحسب المحيطين به، انه وخلافاً للاتهام الذي يصوّب نحوه، فإن واشنطن
هي التي بنت دولة داخل الدولة، مستندة الى امتدادات لها في معظم المجالات.
اما مناسبة فتح هذا الملف، فتعود وفق المطلعين، الى إطلاق «حزب الله» معركة كسر الحصار والعقوبات،
«واقتناعه بأن هناك ضرورة لتوسيع تلك المعركة في التوقيت المناسب حتى تشمل كل القطاعات المتأثرة بالنفوذ الأميركي،
على قاعدة ان لا نهوض كاملاً للبلد ولا تعافياً تاماً له ما لم يُرفع عنه ضغط الولايات المتحدة
الذي يتخذ تارة شكل الترغيب وطوراً شكل الترهيب»، تِبعاً للمقاربة المعتمدة من قبل الحزب.