المصدر: نداء الوطن
بين انهيار وتدهور وتقهقر، يواصل الواقع اللبناني تظهير انعكاساته المزرية في بورصة المؤشرات العالمية، مسجلاً مستويات قياسية متجددة بين الحين والآخر توثق بالأرقام رحلة “الهبوط الحرّ” المتسارعة إلى القعر بقيادة طاقم حاكم يفتقر إلى مقومات “الحوكمة والإدارة الرشيدة”، حسبما بيّن المسح الدولي بالاستناد إلى مجموعة مؤشرات البنك الدولي التي أظهرت نتائجها تراجع تصنيف لبنان إلى المرتبة 185 عالمياً بين 209 دول والمرتبة 15 عربياً بين 20 دولة من حيث “الفعالية الحكومية وجودة الخدمة العامة والمدنية ومدى استقلالها عن الضغط السياسي، وجودة السياسات ومدى تطبيقها وصدقية الالتزام بهذه السياسات”، ليظهر في المحصلة أنّ “88.5% من البلدان حول العالم كانت أفضل من لبنان في هذه الفئة من الحوكمة، و88% من البلدان حول العالم سجلت مجموع نقاط أعلى منه على مستوى مؤشر ضبط الفساد، مع تربع لبنان في المركز 184 عالمياً بين 209 دول، متقدماً في الفساد على كمبوديا ونيكاراغوا وزيمبابوي”.
وبينما اللبنانيون يتلمّسون سبل الصمود تحت ركام الانهيارات المعيشية والحياتية والاقتصادية والمالية، يواصل أهل الحكم الرقص فوق أنقاض البلد على إيقاع شعبوي ممجوج لم يتمخض عنه أي إنجاز إصلاحي ملموس خارج نطاق “التنظير والتطبيل والتزمير” بوعود وشعارات عقيمة تندرج ضمن إطار شروط لعبة “شد الحبال” المحتدمة بين أركان السلطة.
وتحت سقف هذه اللعبة، يتصدر ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي واجهة المشهد
من زاوية ارتفاع منسوب الحماوة على حلبة “الكباش الرئاسي”، الدائر بين رئيس الجمهورية
ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي، كما لاحظت مصادر مواكبة لتزاحم المعطيات
الدالة على أنّ الأول يعمل على “تحجيم” الثاني في هذا الملف، ويتعامل معه كـ”وزير أول” في حكومة بعبدا!
وفي هذا السياق، تفنّد المصادر جملة من المؤشرات الداعمة لهذا الانطباع “
بدءاً من مسارعة عون غداة تشكيل الحكومة إلى سحب البساط من تحت أقدام ميقاتي
عبر دعوته مع عدد من الوزراء إلى اجتماع ترأسه في
بعبدا تحت عنوان “تحضير الملفات اللازمة للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي”،
مستبقاً بذلك انعقاد أولى جلسات مجلس الوزراء ليعلن باكراً نيته بوضع اليد على هذه الملفات،
مروراً بتهميش دور مجلس الوزراء في تشكيل لجنة التفاوض اللبنانية مع الصندوق والاكتفاء بإطلاع أعضائه على
“التفويض” الممنوح من عون لهذه اللجنة بإجراء المفاوضات بعد أن ربط الموافقة على تشكيلها بمسألة
“تطعيمها” باثنين من مستشاريه، وصولاً بالأمس إلى تعميم دوائر القصر بياناً إثر لقاء رئيسي الجمهورية
والحكومة بدا فيه استدعاء عون لميقاتي أقرب لاستدعاء وزير “للاطلاع منه على شؤون وزارته”،
كما عكس مضمون البيان الذي اكتفى “بسطرين
” أعلن من خلالهما أنّ الهدف من اللقاء هو أن يطّلع عون من ميقاتي “على نتائج اجتماعاته مع اللجان الوزارية
وعلى مضمون الإتصال مع صندوق النقد الدولي تحضيراً لبدء المفاوضات”،
وأرفق هذين السطرين بصورة “مقصودة” يبدو فيها رئيس الجمهورية مستغرقاً في حديثه “
مع حركة إيمائية من يده” توحي بإعطاء التوجيهات اللازمة لرئيس الحكومة”.