بقلم خالد ابو شقرا – نداء الوطن
لم يصمد انخفاض سعر صرف الدولار إلى أقل من 14 ألف ليرة عقب إصدار مراسيم تشكيل الحكومة في 10 أيلول الفائت سوى أيام قليلة، حيث عاود مساره التصاعدي ملامساً نهاية الأسبوع الماضي (أي بأقل من 30 يوماً) سقف 20 ألف ليرة، الذي كان قد استقر عنده قبل الإتفاق على ولادة الحكومة.
العوامل المؤثرة
مثله مثل كل الأدوات المالية من أسهم وسندات وعملات “يخضع سعر الصرف لتحليلين أساسيين”، بحسب الأمين العام السابق لاتحاد البورصات العربية، والخبير المالي د. فادي خلف، وهما:
– التحليل الأساسي، الذي يأخذ في الاعتبار أساسيات السوق، مثل ميزان المدفوعات، حجم الدين، تعاميم المركزي، المفاوضات مع صندوق النقد، التدفقات النقدية، وجود المغتربين…إلخ. وحديثاً زيادة الطلب على الدولار من السوق الموازية لتمويل استيراد المحروقات. ومن هذه الناحية لم يظهر لغاية الآن أي مؤشر إيجابي. بل على العكس فكل ما ينشر على صعيد الاصلاحات ومسار الخروج من الأزمة يقع في خانة “الآمال” التي عادة ما يكون مفعولها قصيراً وموقتاً على أرض الواقع. أما لجهة زيادة الطلب على الدولار من السوق الثانوية فهو حقيقي. فمع فراغ “وعاء” الدولار في المصرف المركزي الذي كان يمول الاستيراد بواسطة احتياطيات العملة الصعبة والتوظيفات الإلزامية، سيزيد الضغط على “وعاء” الدولار في السوق الثانوية بمقدار 10 ملايين دولار في اليوم الواحد. هذا الطلب المستجد لتمويل استيراد المازوت والبنزين والغاز سيشكل ضغطاً كبيراً على الليرة ويرفع سعر الصرف.
التحليل الفني، ويُظهر أن منحى سعر الصرف تصاعدي، ولو كان مترافقاً مع تذبذبات صاعدة وهابطة. إذ عندما يرتفع سعر الصرف بقفزات كبيرة خلال فترة قصيرة يعود من الناحية التقنية ويرتد إلى سعر أدنى، إلى حين استيعاب هذا الصعود السريع. العملية تشبه إلى حد ما “الشخص الشره الذي يتوقف عن الأكل بعد التهامه كمية من الطعام تفوق قدرته. ولكن بعد عملية الهضم يعود مرة جديدة لتناول الطعام. ومع كل عملية تتوسع المعدة أكثر وتزيد قدرته على تناول كميات أكبر”. كذلك الأمر بالنسبة إلى الدولار فان فترة “هضم” السعر تشهد تراجعاً في سعر الصرف، ليعود من بعد هذه الاستراحة ليستأنف مشواره التصاعدي. وهذه العملية أكثر من واضحة لمن يراقب تطور سعر الصرف منذ بداية الأزمة. فعندما ارتفع السعر من 1500 إلى 9500، ارتد بنسبة 40 في المئة إلى حدود 5800 ليرة. من بعدها شهد سعر الصرف تذبذبات أفقية إلى حدود 8500 ليرة.
وعندما استوعب المستهلك هذا السعر أي “هضمه” وأصبح يعتبره سعراً طبيعياً،
عاد الدولار ليرتفع إلى 15 ألف ليرة. حيث تكرر الأمر نفسه مع ارتداده إلى 11 ألف ليرة وتذبذبه بين السعرين.
وعند استيعاب السعر، ارتفع مرة جديدة إلى 20 ألف ليرة. ومثل العادة ارتد إلى 15 ألفاً ليعود
اليوم ويرتفع إلى سعر قريب من 20 ألفاً. حيث من المتوقع أن يثبت عنده لفترة.سعر الصرف والتعميم 151
لفهم دلالات مسار سعر الصرف نأخذ متوسط السعر خلال فترة الثلاثين يوماً الماضية،
(نقسم تبدلات سعر الصرف اليومية على عدد الأيام) الذي يشير إلى أن المتوسط هو بحدود 17800 ليرة. ما يعني بحسب خلف،
أن “المستهلك اعتاد على هذا السعر، وهو سيثبت عند هذه الحدود مع تذبذبات تصاعدية
إلى أن يحين موعد القفزة الكبيرة بعد فترة زمنية، ويرتد إلى السعر الأدنى”.
وبحسب المنطق أيضاً فان سعر الصرف ينخفض قبل انتهاء مهلة العمل بالتعميم 151 الذي يجيز السحب
على سقف 3900 ليرة، ويعود ويرتفع من بعد تجديد العمل بالتعميم على سقف السحوبات نفسه.
من هنا فمن المتوقع أن يبقى سعر الصرف على ارتفاع إلى ان يحين موعد البحث بالتعميم 151 في نهاية كانون الثاني المقبل.
حيث سنشهد ارتدادة إلى الحدود الدنيا مطلع العام القادم. وذلك لكي لا يتم رفع سقف السحوبات،
أو رفعها بمعدلات قليلة تلائم سعر الصرف السائد في حينه.
نيسان 2022 المجهول
الارتدادة المتوقعة مطلع العام، والتي ستستمر مفاعليها لغاية إجراء الانتخابات النيابية
في آذار ستنعكس ارتفاعات من بعد الانتخابات. واذا كان من الأكيد أن “فترة الانتخابات
والتحضير للحملات ستشهد تدفقاً للمال السياسي وتمويلاً للحملات من الداخل والخارج؛
ولو كان بوتيرة أقل من الأعوام الماضية، لخروج لبنان من دائرة الاهتمام العربي والإقليمي”،
بحسب خلف، فـ”ان اعتبار الحكومة مستقيلة حكماً بعد الانتخابات ودخول تشكيل الحكومة
حلبة الصراع على معركة رئاسة الجمهورية التي تحين في تشرين الثاني من العام القادم، ستُدخل سعر الصرف في المجهول”.
بالاضافة إلى ما يتطلبه تشكيل الحكومات من فترات طويلة،
خصوصاً إذا كانت قادمة على استحقاقات مصيرية وإمكانية دخول البلد في فراغ رئاسي،
فان الحكومة التي ستتشكل بعد الانتخابات ستكون المسؤولة عن توقيع وتنفيذ الاتفاق مع صندوق النقد الدولي
بعدما تكون هذه الحكومة أسست له بالمفاوضات. وعليه فان عدم تشكيل حكومة سريعاً ستكون نتائجه بالغة السلبية على سعر الصرف.