“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
عادَ السفير السعودي وليد البخاري إلى بيروت مؤخراً بعد رحلة “استجمام” قضاها في ربوع “المملكة”. على عكس “الضجّة” التي كان يفتعلها سابقاً، فضّل اعتماد الهدوء هذه المرّة دون أن ينسحب ذلك على ما اصطحبه معه من مقاربات وتوجيهات تميل إلى رغبة في “المشاغبة” السياسية، من بعيد.
في العادة، يقضي “السفير” عطلته خارج موقعه مرّة واحدة في العام. ما ينسحب على البخاري قياساً على غيره يختلف جذرياً. السفير السعودي يقضي من 3 إلى 4 عطل في العام، ليست في الحقيقة سوى رحلات تكتسب طابع “زيارات العمل” والتزوّد بالتوجيهات من جانب مرجعيته السعودية الرسمية، التي باتت تفضل الإبتعاد عن المراسلات الإلكترونية في مخاطبة سفرائها سيّما في المناطق المصنّفة “حمراء” (أي تضجّ فيها السياسية) مخافة تسرّبها على شكل وثائق أو غيره، ويفضّل بالتالي استدعاء السفير وتزويده بما يلزم. إذاً تردّد السفير السعودي الدائم إلى الرياض هو كناية عن “زيارات عمل”، وتدلّ إلى درجة الحيطة التي توليها المملكة إلى الشأن اللبناني ودرجة مراقبة تطوراته.
أول نشاط على طاولة البخاري على إثر عودته، كان “جمع رعيته” على فنجان قهوة في منزله في اليرزة، وليس النزول إلى عند رئيس الحكومة الجديد نجيب ميقاتي وتهنئته على حكومته. صحيح أن السفير، أو سفراء السعودية على العموم، دأبوا و منذ فترة على اعتماد نهج تجاهل وجود رئيس حكومة لبنان، إلاّ أنه وفي لحظة الإنهيار اللبناني وتولّي “بديل” عن سعد الحريري رئاسة الحكومة، بديل يتموضع ضمن الحلفاء التقليديين للملكة، تصبح القضية حمّالة أوجه.
بالنسبة إلى السعودية، لا يختلف ميقاتي كثيراً عن الحريري. بالنتيجة، نجيب ميقاتي تشارك وميشال عون حليف “حزب الله” والمرفوض من جانب الرياض في الحكم “المنبوذ” من جانبها. هذه وحدها تهمة تكفي لإنزال الحرم على ميقاتي.
قبل فترة من الآن، أي حين تقدم ميقاتي إلى طرح نفسه مرشحاً طبيعاً وبشكل غير مباشر،
كان حريصاً على سماع جواب الرياض على خياره والتي فضّلت الحذر في تعاملاتها مع ميقاتي من دون أن تمنحه جواً معيناً. فهم ميقاتي أن الأجواء في الرياض غير مواتية، ففضّل التريث إلى أن فرضت عليه الأجندة السياسية أن يعلن رغبته في الموقع. كما سعد الحريري كذلك فعل ميقاتي، راهن على التدخلات الخارجية تحديداً الفرنسية والأميركية لتليين موقف القيادة السعودية والتسويق له كـ”حل أمر واقع”. أخفق في الإستنتاج. لا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، نجح في إقناع ولي العهد محمد بن سلمان، بـ”عظمة الحل اللبناني” (حاول أكثر من مرّة)، ولا تدهور العلاقات الأميركية – السعودية قد أسعفَ ميقاتي، فذهب كما يقول متابع، “فرق عملة”.
عملياً، يُحاول رئيس الحكومة التقليل من “الرسائل السلبية المتراكمة” التي ترده من المملكة
على شكل إمّا تجاهل أو “عدم اكتراث” بوجوده . آخر المحاولات كانت من بكركي التي توصف
في السياسة اللبنانية وفق التموضعات الحالية بـ”عرين المملكة” بعدما تحوّلت إلى “قبلة المملكة السياسية”
كبديل عن دار الفتوى (؟؟). من هناك توجه ميقاتي إلى الرياض برسائل اطمئنان من وحي أن السعودية
تمثّل قبلته السياسية والدينية، وجزم بأنها لم تقفل أبوابها بأي حال، وعندما أؤدي صلواتي الخمس
يومياً أتجه إلى السعودية. لكن السائد من عناصر في الواقع ، يفتقد أو يخالف التمنيات.
السعودية التي أقفلت بابها بوجه سعد الحريري تُعيد اليوم إقفاله بوجه ميقاتي، ولو تفاوتت الدرجات.
ثم أن لعنة “سعد الحريري” لا زالت دوّارة على السراي الكبير. بالنتيجة،
عودة ميقاتي إلى رئاسة الحكومة ولو أنها لم تتمّ هذه المرّة عن ظهر “حزب الله” مباشرةً، لكنها حصلت بشكل غير مباشر من خلال التنسيق مع “التيار الوطني الحرّ”، شديد التحالف مع الحزب كما يصنّفه السعوديون!
بهذا المعنى تصبح بصمات الحزب واضحة. ما زاد “قضية” ميقاتي غموضاً ،
ما صرّح به وزيرالداخلية القاضي بسّام المولوي، الذي سمّاه رئيس الحكومة بنتيجة تقاطع مع سعد الحريري.
المولوي وفي آخر إطلالة تلفزيونية ذكر بأن ميقاتي قد طلب منه “زيارة جبران” على إثر طلب مماثل تقدم به
رئيس الجمهورية ميشال عون. هذا الكلام كان له وقعه السلبي ليس على ميقاتي فقط إنما على لقاء
رؤساء الحكومات السابقين وآخرين غيرهم، وقد تسبّب الحديث بمشكلة مُضافة لميقاتي عند السعودية
كان في وسع المولوي أن يتجنبها. و نقل عن زوّار مقرّبين من السعودية قولهم بأن “التسوية الرئاسة
التي أتت بسعد الحريري إلى رئاسة مجلس الوزراء مستمرّة، قد نقّحها ميقاتي وأعاد استنهاضها
لتأتي به رئيساً، لذلك فالرياض “لم تسمع به”. بهذا المعنى، تصبح مسألة تعامل السعودية
مع ميقاتي، مشابهة تماماً لأسلوب تعاطيها الحالي والسابق مع الحريري، ولن تبدّل تبديلا ولو أجرى ميقاتي
إضافات على عبادته وضمّ إليها التراويح وصلاتي الليل و الفجر!
وليس مستهجناً أن يكون ميقاتي قد تناهى إليه هذا الكلام وفهمه من دون أن يغلق الصفحة،
وليستهلّ مشواره الخارجية عربياً بزيارة الأردن الداخلة في تزاحم سياسي مع المملكة.