المصدر: لبنان 24
لم تكُن عادية الرسائل التي وجّهتها المملكة العربيّة السعودية باتجاه لبنان، مؤخراً، إذ جاءت بشكل مباشر وصريح بعد أحداث الطيونة التي وقعت يوم الخميس الماضي.
أولى الرسائل السعودية كانت في بيانٍ صادر عن وزارة خارجية المملكة التي قالت إنها “تتابع باهتمام الأحداث الجارية في الجمهورية اللبنانية، وتعرب عن أملها في استقرار الأوضاع بأسرعِ وقت”. كذلك، أكدت الوزارة “وقوف المملكة التام وتضامنها مع الشعب اللبناني الشقيق”، موضحة أنّ “السعودية تتطلع إلى أن يعمّ لبنان الأمن والسلام بإنهاء حيازة واستخدام السلاح خارج إطار الدولة وتقوية الدولة اللبنانية لصالح جميع اللبنانيين دون استثناء”، وختمت قائلة: “الشعب اللبناني الشقيق يستحق استقراراً في وطنه ونماء في اقتصاده وأمناً يبدد الإرهاب”.
وبعد هذا البيان، جاءت رسالة ثانيّة مباشرة من وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود الذي قال في حديث لوكالة “رويترز” نشرت تفاصيله قناة “العربية”، مساء أمس، “إنّ أحداث اليومين الماضيين تظهر أن لبنان بحاجة إلى تغيير حقيقي وجاد”، معتبراً أن “المسؤولية في ذلك تقع على عاتق الزعماء”.
ad
كذلك، أكد بن فرحان أنّ “المملكة قلقة بشأن الوضعين السياسي والاقتصادي في لبنان”، مشيراً إلى أن الوضع القائم “يتطلب تحركاً الآن”.
في الشكل والمضمون، تعتبرُ الرسائل السعودية مهمّة جداً للبنان، كما أن اللغة المستخدمة فيها لها أبعادها الكبيرة. ومن دون أدنى شك، فإنّ ما يمكن قوله بشكل قاطع من الآن أنّ السعودية تواكب أحداث لبنان ولم تتركه، ما يدحض كل الروايات التي روّجت لصورةٍ مغايرة وتزعم أنّ لبنان بات خارج اهتمامات المملكة.
وفعلياً، فإن كلام بن فرحان وبيان الوزارة يدخلان في صميم الوضع اللبناني، كما أن الكلام عن أن المملكة قلقة بشأن الوضعين السياسي والاقتصادي والتأكيد على ضرورة التحرك، إنّما يكشف عن نيّة سعودية لوضع ثقلها من جديد من أجل إنقاذ لبنان ومنع انهياره.
كذلك، فإنّ الرسالة السعودية حملت توجهاً بارزاً باتجاه الشعب اللبناني، ويؤكد على أنّ الرياض ما زالت مُستمرّة في دعمه والتضامن معه، وقد يعني ذلك تقديم أي مساعدةٍ أو دعم أي مشروع أو خطة في سبيله.
وعملياً، فإن الموقف السعودي المرتبط بلبنان كان مُنتظراً طيلة الفترة الماضية لاسيما مع تشكيل الرئيس نجيب ميقاتي حكومته الجديدة. وفي الواقع، فإنّ هذه اللغة الإيجابية بشأن لبنان ليست جديدة، إلا أن ما جعلها بارزة هذه المرة هو أنها تأتي بعد علاقات سادها الفتور وبعض الإشارات السلبية.
ad
وعليه، فإنّ الرسائل الجديدة المباشرة تؤكد على إيجابية سعودية بشأن لبنان، كما تكشف على أنّ التلاقي مع الحكومة الحالية سيكون وارداً وقائماً إلى حدّ كبير، وذلك بخلاف كل ما أشيع خلال الفترة الماضية عن نفور سعودي من حكومة ميقاتي.
ومع هذا، فإن حادثة الطيونة التي كادت تودي بلبنان إلى الفتنة، دفعت بالسعودية للتأكيد من جديد على أهمية توطيد الأمن في لبنان، وذلك من خلال تقوية الدولة ودعمها عبر بوابة التعامل مع الحكومة.
ومع هذا، فإنّ مصادر سياسية تلقفت بإيجابية الكلام السعودي،
وقد اعتبرتهُ بمثابة “طاقة أمل” في ظل الأوضاع المتشنجة، كما أن الخطاب الودّي يحمل إشارات
مهمّة أساسها أنّ السعودية لن تبقى بمنأى عن لبنان،
كما أن الحديث عن حفظ الأمن خير دليل على ذلك. ووسط هذا،
فإن العامل الأبرز الذي يطغى مع هذه الرسالة هو أنّ الإقبال السعودي الإيجابي باتجاه لبنان يعني انهاءاً لعزلته العربيّة
تدخّل أميركي وفرنسي؟
ومن الممكن أن يكون الموقف السعودي الأخير هو نتيجة محادثات مع الأميركيين،
لا سيما أن بن فرحان كان التقى نظيره الأميركي أنتوني بلينكن في واشنطن
خلال اليومين الماضيين. ومع هذا، قد تكون الرسائل السعودية هي نتيجة للمساعي الفرنسية
التي قادها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان،
وذلك من أجل الدفع باتجاه اتخاذ مواقف ايجابية بشأن لبنان. ومع هذا، قد تكون المحادثات الإيرانية – السعودية
المتقدمة قد ساهمت في تحريك الملف اللبناني لدى الرياض، في حين أن الهدف الأساس
وراء ذلك هو حماية لبنان من الانزلاق بعيداً عن الحضن العربي
لغة لأكثر من طرف
وخلال قراءة موقف وزارة الخارجية السعوديّة بشأن أحداث الطيونة، تبرز نظريتان،
إذ تشيرُ الأولى إلى أنه لا يمكن سوى التوقف عند لغة “مُهادنة” تحمل في طياتها تساؤلات جوهرية وهي:
لماذا اختارت السعودية حادثة الطيونة التي يعتبرُ حزب الله نفسه مستهدفاً فيها ، للتأكيد على دعمها للبنان؟
هل بدأت الرياض بتغيير موقفها اتجاه بيروت رغم وجود حزب الله؟ هل تعتبرُ أن خطر السلاح لا يتحدد فقط عند الحزب؟
فعلياً، فإنّ خارجية المملكة لم تسمّ “حزب الله” أبداً في بيانها، كما أنّها لم تتهمه باستحضار فتنة والانزلاق بها،
ولم تركز على تحميله مسؤولية “اختطاف الدولة وإضعافها من خلال السلاح”. وبشكل أو بآخر،
فإن الرسالة السعودية عن “إنهاء حيازة واستخدام السلاح” خارج إطار الدولة، قد تكون شاملة لجميع الأطراف من دون استثناء.
في المقابل، تقول النظرية الثانية أنّ ما حصل في الطيونة سببه “حزب الله” الذي استفزّ سكان منطقة
يسودها انتماء سياسي مخالف له، كذلك، فإنّ الكلام السعودي عن إنهاء استخدام السلاح
خارج إطار الدولة يعدّ موجهاً لـ”حزب الله” بالدرجة الأولى،
باعتبار أنه يشكل قوة عسكرية كبيرة وسط دولة افتقرت إلى الاستقرار الأمني والسياسي.
وتشير النظرية هذه أيضاً إلى أنّ السعودية لا يمكنها تغيير رأيها بشأن الحزب الذي تتهمه
بالانخراط في الحرب اليمنية ضدّها. وعليه، فإن الرسالة كانت واضحة لتقوية الدولة على حساب نفوذ الحزب.
وإلى جانب هاتين النظريتين، فان الكلام السعودي بشأن إنماء الاقتصاد أساسياً، قد يشكل قاعدة مهمّة لدور سعودي
في إعادة إنماء لبنان على الصعد كافة، وهذا الأمر الذي يعتبر مطلوباً. ومع هذا،
يبرز كلام بن فرحان عن أهمية التغيير الحقيقي والجاد، واعتبار أن المسؤولية
في ذلك تقع على عاتق الزعماء. وهنا، فإنّ السعودية ستكون أوّل الداعمين للانتخابات النيابية المقبلة،
كما أنها قد تفتحُ الباب أمام احتضان لبنان من جديد وتسهيل أمورِه وتكريس وجوده على الخارطة العربيّة.
المصدر: خاص “لبنان 24”