المصدر: ليبانون ديبايت
لم يكن ينقص المشهد اللبناني الغارق في الأزمات سوى انفجار الشارع الذي نقل الأوضاع إلى مرحلةٍ جديدة تخطّت الخوف على انهيار الإستقرار، الذي بات في عين عاصفة الأحداث في الأيام والأسابيع القادمة. إستقرارٌ بات في حكم المنهار مع سقوط كلّ خطوط الدفاع عنه من إقتصادية معيشية إجتماعية مع أزمات المحروقات والأسعار وتذبذب الدولار، وصولاً إلى السياسية منها، مع انهيار توافق الصفّ الواحد الحكومي على وقع الإنقسامات العامودية والأفقية في البلد. هنا تبرز فرنسا، راعية الحلول، على طريقتها أولى الخاسرين، وكذلك رئيسها الذي باتت فرص عودته إلى الإيليزيه في حزيران المقبل قد تراجعت، نتيجة عوامل متشابكة، يشكّل الملف اللبناني أبرزها.
فبعد الرسائل النارية والسياسية التي تطايرت في مختلف الإتجاهات، حاشرةً الجميع في الزاوية، والأسئلة حول مستقبل البلد بعد فوضى الطيونة، ربطاً بمصير الحكومة في ظلّ الإصطفافات داخل مجلس الوزراء ، برز إلى الواجهة كلام لافت لرئيس الجمهورية ميشال عون، قال فيه:”ما من أمر لا حلّ له، وحلّه ليس إلّا من ضمن المؤسسات، وكذلك من خلال الدستور الذي ما من أمر يُعلى عليه، لا التهديد ولا الوعيد”، فيما كان رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، يمسك من بكركي “العصا من النصّ”، ما دفع إلى الواجهة التساؤل حول ما يُطبخ بعيداً من الأضواء، من مخرج تسووي، يسمح للثنائي بتحقّيق أهدافه، للفريق الرئاسي التخلّي عن البيطار دون أن ينكسر، خاصةً أن “قبع” المحقق العدلي ليس بالسهولة التي يتصورّها البعض، حيث يجب درس مفاعيل الخطوة شعبياً ودولياً، بكثير من الدقة والتعمق، حتى وإن اتّخذ القرار طارق البيطار بنفسه “حقناً للدماء” على قاعدة “حشروني فأخرجوني”.
ومن بين أكثر المتضررين مما يحصل هذه الأيام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي، قبل أن تكتمل فرحته إجت فكرته، مع خيبة أمله من إمكان حكومة “معاً للإنقاذ” وقف الإنهيارات على اختلافها، بعد الإصطفافات الطائفية والحزبية التي شهدتها طاولة الحكومة، التي لم تكد تبلغ بعد شهرها الأول، ولم تتعدّ جلساتها الأربع، ما رسم علامات استفهام حول جدوى تركيبتها والمحاصصة الحزبية الواضحة التي خرجت إلى العلن عند أول استحقاق، ما يعرّض المشروع الماكروني للإنهيار الكامل، إستناداً إلى سلسلة معطيات:
-إكتشاف الإيليزيه أنه “أكل الضرب ” في ظلّ عجزه عن تأمين الدعم اللازم الذي وعد به الطبقة الحاكمة، مع فشله في فتح باب الخليج السعودي، وكذلك التخفيف من وطأة وحدة الموقف الأميركي الذي جاءت الأحداث الأخيرة السياسية والأمنية لتدفع باتجاه تدعيم موقف واشنطن.
-القناعة التي باتت راسخة لدى الفريق الفرنسي من عدم قدرة الحكومة اللبنانية على اتخاذ أي إجراءات إصلاحية جدية، نتيجة توازناتها، أضف إلى ذلك، إكتشاف وجود قرار مبطّن لإفشال المفاوضات مع صندوق النقد.
-مخاوف فرنسية ودولية جدية من المساعي لنسف التحقيقات في انفجار المرفأ، والضغوط المتزايدة التي وصلت حدّ ترجمتها في الشارع.
-الشكوك الدولية المتزايدة حول رغبة الأطراف الفاعلة في نسف الإنتخابات النيابية المقبلة وعدم إجرائها في موعدها، بعد ما أظهرته الإنتخابات العراقية من نتائج جاءت لتقلب المقاييس والمعادلات.
كل هذه النقاط تُعتبر أساسية بالنسبة للرئيس الفرنسي الذي يرغب
بالعودة إلى الشرق الأوسط والإليزيه حزيران 2022 من البوابة اللبنانية،
خصوصاً أن الملف اللبناني في جزئية انفجار المرفأ بات قضية رأي عام فرنسية،
وسط الحملات التي يقودها اللوبي اللبناني في فرنسا. وهنا تكشف مصادر فرنسية بارزة،
أن فريق عمل الرئيس ماكرون شهد نقاشات خلال الأيام الماضية، حول الخطوات الواجب
اتخاذها في مواجهة الضغوط لتطيير التحقيقات في انفجار المرفأ،
وما تحمله من انعكاسات سلبية على الحملة الإنتخابية لماكرون مستقبلاً،
هو الذي تعهّد عشية الإنفجار في السادس من آب ومن بيروت بأن تظهر الحقيقة وعدم السماح بتمييعها أو تضييعها.
وعليه تشير المصادر الفرنسية إلى اتصالات عاجلة تجري بين دول الإتحاد الأوروبي،
لاتخاذ موقف وإجراءات سريعة في ما خصّ تطور الأوضاع في بيروت، وخصوصاً
تعطيل الحكومة وتحقيق المرفأ، الذي يُنتظر أن يُبحثا في اجتماع وزراء خارجية
دول الإتحاد من خارج جدول الأعمال الإثنين المقبل، من باب عرقلة الإصلاحات الإقتصادية والسياسية،
حيث الحديث عن دفع بعض الدول نحو ضرورة الإنتقال إلى خطوات تنفيذية. واللافت هنا،
كلام المصادر عن تعديل واضح في الموقف الفرنسي
ظهر خلال المشاورات الجارية وتبنّي الإيليزيه موقفاً أكثر تشدداً.
وتكشف المصادر أن الحملة الغربية ترتكز بشكل واضح وتنطلق من تحميل السلطات والمؤسسات الرسمية
مسؤولية حماية التحقيق والمحقق العدلي، وكذلك مسؤولية تعطيل وخربطة التحقيقات،
ما يعرّضها لتبعات ومسؤوليات بأشخاصها ومسؤوليها، لا قدرة للبلد على تحمّل نتائجها،
إنطلاقا من التسليم بأن “حزب الله” هو صاحب الأمر والنهي وفرض القرارات. خطوة تدعمها مجموعة
كبيرة من الأحزاب الممثلة في الإتحاد الأوروبي المؤيدة لخيارات الأطراف المعارضة لحارة حريك،
وصلت حدّ الدعوة إلى ضرورة تبنّي قرارات دولية لحماية المدنيين من الإعتداءات المتكررة.
وبحسب المعطيات المتوافرة، ثمة اتصالات قد بدأت، في هذا الإتجاه، عبر مجموعات ضغط ببعض مراكز القرار.