المصدر: خاص “لبنان 24”
قد يظنّ البعض أنّ أحداث الطيونة يمكن تضمنيها فقط في خانة الإنفلات الأمني واستهداف “حزب الله” بالدرجة الأولى. إلا أنه في الحقيقة، فإن ما حصل له الكثير من الأبعاد العميقة، وقد يستهدفُ كياناً سياسياً وشعبياً برمّته بالدرجة الأولى.
وما لا يمكن نُكرانه هو أنّ الأحداث الأخيرة أعادت تكريس المناطقية من جديد خصوصاً بين عين الرمانة والشياح، لكن الأمر الأهم يشير إلى أن ما حصل في الطيونة يتجاوز حدود اعتداءٍ مسلح على تظاهرة. ففي الواقع، تجتمع وجهات نظر عديدة على فكرة أن حادثة الطيونة تعتبرُ تصويباً ضد “حزب الله” واستدراجه إلى معركة، لكن الصحيح أيضاً أنّ المستهدف بشكل أكبر هو حركة “أمل” ورئيسها نبيه بري بشكل خاص.
تفاصيل دقيقة تُكشف عن أحداث الطيونة.. هكذا بدأ الاشتباك
ففي قراءة ميدانية لما حصل في الشارع يوم 14 تشرين الأول الجاري والذي أصبح معروفاً بـ”الخميس الأسود”، يتبيّن أن غالبية ضحايا الأحداث هم من حركة “أمل”، في حين أن الحشدَ الأكبر ضمن التظاهرة التي تعرّضت لإطلاق النار، كان يعتبرُ محسوباً على الحركة أيضاً. وبكل تأكيد، فإن انتماءات الضحايا لا يُنظر إليها أمام قيمة أرواحهم التي أُزهقت في لحظة غير محسوبة. ومع هذا، فإنّ ما حصل لا يستهدفُ “أمل” فحسب، بل طال “حزب الله” أيضاً لأن الكثير من أنصاره كانوا ضمن التظاهرة التي واجهت الاعتداء، وعلى هذا الأساس يعتبرُ المصاب واحداً عند “الثنائي الشيعي”.
ورغم كل ذلك، فإن ما يتبين أكثر أنه ما من قرار جدّي بمعركة خصوصاً من جهة حركة “أمل”.
فبرّي يعي تماماً أن لغة الشارع لا تُفيد، كما أن الانصياع وراء أهدافٍ فتنوية لخدمة الآخر ليس في قاموسه. ولهذا،
فإنّ معركة الطيونة كانت استهدافاً لمنطق بري بالدرجة الأولى،
وكانت استفزازاً له من أجل استدراجه مع “حزب الله“. ورغم وجود حديث لدى البعض
عن أن عناصر حركة “أمل” هم الذين كانوا الأساس في اشتباكات الطيونة،
فإنّ المؤكد هو أنه لا قرارَ لدى بري ولا لدى قيادة الحركة و “حزب الله” بخوض معركة،
حتى أن القوى الأمنية متيقنة من ذلك بشكل قاطع وحاسم.
وفي ظل هذا الأمر، بات الواضح أنّ انخراط العناصر العسكرية من الشياح
جاء بناء لردّة فعل غير مضبوطة، وكان لردّ الاعتداء لا أكثر ولا أقل
وفي ظل هذا الموقف، فإن برّي كان حاسماً بعدم “توسعة بيكار” الأحداث، وكان عالماً بشكل
كبير أن ما تم التحضير له يعتبرُ استدراجاً للطائفة الشيعية الى اقتتال داخلي. ولعدم الوصول إلى هذا السيناريو،
فإن ردة الفعل كانت مضبوطة إلى حد ما رغم التوتر الكبير الذي حصل، وما تبينه الوقائع الميدانية
أنه لم يحصل أي اقتحام عسكري أو توغل لعناصر من منطقة معينة داخل منطقة أخرى.
فكل ما جرى هو أن الاشتباك حصل بين منطقتين وانتهى الأمر عند هذا الحد.
وعلى الصعيد السياسي، كان هناك تأكيد على صوابية خيارات بري في ملف الطيونة،
وتقول أطرافٌ مقربة من حركة “أمل” إن “رئيس مجلس النواب استطاع قطع الطريق أمام “القوات اللبنانية”
لفتح جبهة جديدة في منطقة حساسة، وهذا ما يسعى بري جاهداً لتجنبه وإلغائه”.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن ما يجعل بري متمسكاً أكثر بعدم الانجرار وراء أي استفزاز
بين المناطق المسيحية والشيعية، هو الاتفاق بين “حزب الله” والتيار “الوطني الحر”
في مار مخايل عام 2006. وبشكل أساسي، ورغم أن بري لم يكن شريكاً فيه،
إلا أن هذا الاتفاق يضمنُ حركة “أمل” أيضاً، كما أنه يشكل غطاءً لها مع “حزب الله” لوأد أي فتنة، وبالتالي كسبِ الشارع المسيحي والحفاظ عليه.
وبناء على هذه القاعدة، أتى التضامن الكامل لرئيس الجمهورية ميشال عون مع بري،
رغم الخصومة السياسية. فالأول أدرك خطورة المعركة وآثارها، لكنه في الوقت نفسه يعوّل على “حزب الله” الذي يعتبره
ضابطاً للأمور ومنظماً لإيقاعها. واستناداً إلى ذلك، يمكن القول أن أحداث الطيونة ستسلكُ طريقها في القضاء
أكثر من الشارع، وهذا خيار أساسي لدى بري و”حزب الله” أيضاً، كما أن ذلك متفق عليه ومحسوم مع عون ومع الأطراف الأساسية الوازنة.
المصدر: خاص “لبنان 24”