المصدر: جريدة الاخبار
لا يزال” الصمت” مطبقاً على سعد الحريري. لا يبدي نية للتدخل في السجالات السياسية القائمة، ولا يجد نفسه مضطراً إلى إطلاق موقف من الانتخابات، وإن كان يكثر من الحديث عن رغبته في العزوف عنها. لكن الأمر يظلّ مرتبطاً أكثر بوضعه المالي، وعدم الوصول الى علاج لمشكلته الكبرى مع وليّ عهد السعودية محمد بن سلمان
لا يزال الرئيس سعد الحريري «مقيماً» في أزمته. مشكلته المستعصية مستمرة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وملفه المالي لم يقفل بعد في السعودية، ما ينعكس عليه مشاكل إضافية، منها ما يتعلق بـ«البزنس» والبحث عن أعمال تجارية تعوّض ما خسره من توقف أعماله الكبيرة في الخليج وتركيا وأفريقيا وتراجع مقدراته في لبنان، ومنها ما يتعلق بالسياسة ومستقبل دوره في لبنان وكيفية التصرف مع ملف الانتخابات النيابية. وهذا الاستحقاق الأخير يشكّل معضلة كبيرة بسبب انعكاس وضعه المالي على تياره تنظيمياً ومادياً، والتوتر الذي يسود علاقاته مع معظم الأطراف المحلية، ما يحول دون وضوح الصورة بشأن تحالفاته.
بعد نحو أربعة أشهر من اعتذاره عن عدم تأليف الحكومة، يبدو المشهد أكثر
وضوحاً لناحية عجز الحريري عن لملمة نفسه سياسياً وشعبياً ومالياً، بينما «ينغَل» خصومه في المناطق تحضيراً لخوض الاستحقاق. في «بيت الوسط»،
في وادي أبو جميل، الحركة شبه معدومة. عدد كبير من الموظفين
ورجال الحرس صُرفوا، فيما يجري البحث في إعادة فصيلة قوى الأمن التي تتولى حراسته إلى الخدمة في صفوف قوى الأمن. فيما سيد البيت غادر إلى دولة
الإمارات من دون إشارات إلى عودة قريبة. ولا يتعلق الأمر بوضعه الصحي الذي بات مستقراً
بعدما خضع لمتابعة طبية في باريس أخيراً، بل بانعكاسات الغضب السعودي عليه.
فثمّة علامات استفهام كبيرة تحوط بمصير «ابن رفيق الحريري» الذي يمضي وقته بين فرنسا والإمارات
حيث افتتح مكتباً استشارياً مع «شركة أبو ظبي القابضة» ووقّع عقداً مع
«جهاز أبو ظبي للاستثمار»، بعدما منحه وليّ عهد الإمارات،
محمد بن زايد، أخيراً إقامة في الإمارات وفرصة للاستثمار من أجل تسديد
ديون المملكة العربية السعودية، من دون تقديم أي تمويل سياسي أو إعلامي.
يقضي الحريري معظم وقته في أحد فنادق أبو ظبي، ويزور باريس بين فينة وأخرى لأيام معدودة
مستقلاً طائرة خاصة تخصّ أحد شيوخ أبو ظبي، وهو سافر على متنها الى القاهرة
أخيراً حيث مكث ليومين فقط. تواصله مع المسؤولين والنواب في تياره مقطوع إلى حدّ ما،
باستثناء قلّة قليلة تناوبت على زيارته في الإمارات في الأسابيع الماضية. من بينها الوزير السابق
محمد شقير ومستشاراه نديم المنلا وهاني حمود وعمته النائبة بهية الحريري ونجلها أحمد،
وحالياً رئيس جمعية «بيروت للتنمية الاجتماعية» أحمد هاشمية.
«الجفاء الطوعي» الذي اختاره الحريري يعود الى تخبّطه في الإمارات، حيث يبدو كمن
دخل عالم الأعمال لتوّه ويريد أن يبني نفسه من جديد، ولكن بشكل محدود بحسب الفرصة المتاحة له.
وفي هذا الإطار، تؤكد معلومات «الأخبار» أن «الحريري الآن يعمَل من خلال المكتب،
ويتقاضى عمولات تساعده في تسديد ما تبقّى من ديونه لابن سلمان وتكفي مصاريفه»،
فيما «يساعده ابن زايد بشكل محدود، وهو أبلغه بأنه لن يفعل ما يثير غضب ابن سلمان»
الذي يرفض حتى اللحظة «الصفح عنه بحسب ما يقول لكل وسيط يسعى الى ذلك».
كما «أن محاولات تسديد ديونه لأحد المصارف السعودية، والتي تفوق قيمة كل عقاراته،
لا تزال متعثرة». لذلك، هناك كلام عن إمكان انتقاله الى مصر للقيام ببعض الاستثمارات،
إذ يبدو أن ابن زايد يريد أن يرفع «حضانة» الحريري عن كاهله ويرميها على الرئيس عبد الفتاح السيسي.
الظروف التي يتخبّط بها الحريري أوجدت حالة من الكسل والاستسلام الكلّي في التيار،
قبَيل أشهر من الانتخابات النيابية. وللمرة الأولى، يُنقل عن الحريري رغبته في العزوف عن خوض الانتخابات
أقلّه هو شخصياً، وهو ما يؤكّده مقرّبون منه في بيروت. لكنهم يقولون
إن الأمور لا تزال في بدايتها، والحريري لا يشعر بأنه محل منافسة جدية مع أي خصم له في الساحة السنية،
وهو قادر على استنهاض الوضع الشعبي متى قرر.
في وادي أبو جميل الحركة شبه معدومة وعدد كبير من الموظفين ورجال الحرس صُرفوا
المسؤولون في التيار يشيرون أكثر الى تراجع « القدرة المالية على خوض الانتخابات»،
وحتى على المستوى التنظيمي «العمل مشلول». إذ لم يُطلق تيار «المستقبل»
بعد ماكينته الانتخابية التي يتناتشها كلّ من الأحمدَين (الحريري وهاشمية). وعلمت «الأخبار»
أن هاشمية حاول قبل فترة تشكيل فريق انتخابي للعمل في بيروت منفصل عن ماكينة التيار الرئيسية والمنسقيات،
ما ولّد مشاكل كثيرة مع فريق أحمد الحريري الذي يحاول الدخول الى العاصمة من جديد،
ويعقد اجتماعات مع عدد من العائلات ومفاتيح المناطق وكوادر تنظيمية. وهو تمكّن من استعادة
عدد من الشباب المستقبليين الذين استمالهم هاشمية. ولكن، ما عدا بعض الخدمات البسيطة
التي يقوم بها «الأحمدان»، لا عمل جدّياً يُسجّل للمستقبليين في ما خصّ الانتخابات
التي يعتبر التيار أنه «لا يزال هناك متسع من الوقت للكلام عنها»!
وليس الوضعان المالي والتنظيمي هما فقط ما يعانيه تيار «المستقبل» ورئيسه،
بل تضاف إليهما علاقة الحريري التي ساءت مع معظم القوى المحلية في السنتين الأخيرتين،
وهذا ما يجعل التحالفات الانتخابية غير واضحة بالنسبة إليه، وصعبة الى حدّ ما. يُضاف إلى ذلك انعدام وجود أي خطة في ما يتعلق بأسماء المرشحين،
وما إذا كان ثمة بدلاء من عدد من النواب الحاليين، أو سيبقى الوضع على ما هو عليه. وهذا الأمر سيحسمه،
بحسب مطّلعين، «النائبة بهية الحريري ونجلها أحمد اللذان سيمسكان بملف الانتخابات في الفترة المقبلة».