المصدر: الجمهورية
ماذا يُخفي السجال حول تعديلات قانون الانتخاب الذي عاد أدراجه من القصر الجمهوري الى المجلس النيابي بعدما رفض رئيس الجمهورية ميشال عون توقيعه؟ وهل يوجد من يسعى في قرارة نفسه الى إرجاء الامتحان الشعبي تحسّباً لـ«الاسئلة الصعبة»؟
بعد رَد رئيس الجمهورية قانون الانتخاب الى مجلس النواب وتلويح «التيار الوطني الحر» بإمكان الطعن الدستوري في القانون اذا تمسّك المجلس به، ساد لدى البعض انطباع أنّ التيار يحاول عبر هذا التكتيك تأجيل الانتخابات النيابية او حتى تطييرها، تخوّفاً من نتائجها التي قد تبدّل التوازنات في البيئة المسيحية على حسابه وتنتزع منه امتياز التمثيل الاوسع لتلك البيئة، كما يتوعده خصومه.
وبناء عليه، لم تُقنع حجة الطقس القوى المُصِرّة على إجراء الانتخابات في 27 آذار المقبل، والتي تستشعر أن السبب الحقيقي لمحاولة رئيس الجمهورية و«التيار الحر» إسقاط الموعد المعدل وإعادة نبش التعديلات المعتمدة هو «المناخ السياسي» الذي لا يناسبهما، وليس أي أمر آخر
في المقابل، يوحي التيار انه ليس خائفا ولا قلقا من التحدي الانتخابي، بل ينتظره بفارغ الصبر خلافا لتوقعات الآخرين، لأنّ لديه حسابات يريد أن يصفّيها بمفعول رجعي مع أولئك الذين انقَضّوا عليه وعلى العهد، أقله منذ حراك 17 تشرين، كما يُستنتج من نقاشات المجالس البرتقالية الخاصة. وعلى هذا الأساس، فإن التيار، الذي يتوقع ان يتمسك مجلس النواب
خلال جلسة الخميس بالقانون الذي رده عون، لم يحسم خياره بعد بالطعن فيه أمام المجلس الدستوري،
ولا يزال هذا الاحتمال قيد الدرس لدى قيادته لاتخاذ القرار المناسب، خصوصاً ان هناك اتجاهاً في صفوفه يفضّل القبول
بالامر الواقع وخوض الانتخابات في آذار اذا تعذر تأجيلها الى أيار، حتى لا يكون الطعن المتأخر
حجة لدى البعض لإرجاء الاستحقاق برمته وتحميل التيار المسؤولية
وانطلاقا من الاستعداد لمواجهة التحدي الانتخابي، يُنقل عن أحد مسؤولي التيار قوله: «للعلم،
نحن مستعجلون اكثر من الجميع لإجراء الانتخابات النيابية حتى نقطع حبلا طويلا من الأكاذيب، أرادوا له ان يلتف حول عنقنا لشنقنا سياسيا».
ويضيف: «ان الانتخابات هي فرصة ثمينة بالنسبة الينا لكي ننهي بالضربة القاضية سياسة التضليل
التي استخدمتها مجموعات المجتمع المدني منذ 17 تشرين الأول 2019 ضد الرئيس ميشال عون والتيار عبر التصويب
عليهما حصرا وتوجيه أقسى الإتهامات اليهما، وليس هناك مكان أفضل للرد من صناديق الاقتراع التي سنثبت
عبرها ان حجمنا هو أكبر من حجم مُنتحلي صفة الثورة بأضعاف، وكذلك سنثبت لـ»القوات اللبنانية»
كم انها واهمة في حساباتها وتقديراتها حول النسب التمثيلية المتوقعة في الوسط المسيحي،
ولهذا كله ليس صحيحا بتاتا اننا نخشى الانتخابات بل ننتظرها بحماسة».
ولئن كان خصوم «التيار الحر» يفترضون ان الانتخابات المقبلة ستوجه ضربة قاسية اليه
والى رئيس الجمهورية ربطا بالانهيار الكبير الذي وقع في العهد البرتقالي وما سَبّبه من نقمة شعبية عليه، يشعر التيار في المقابل،
وفق المطلعين على حساباته، «ان هذه المرحلة تشكل التوقيت الأفضل له لخوض الانتخابات النيابية،
مستندا الى الواقع المتشظي لمنافسيه المبعثرين وسط الخلاف السائد بين «القوات» وتيار«المستقبل»
والحزب التقدمي الاشتراكي والمجتمع المدني وصعوبة حصول تحالفات بينهم،
أقله في ظل الوقائع الحالية، بينما تحالفات التيار الاساسية التي تعود إلى طبعة 2018 لا تزال في معظمها سارية
المفعول ويمكن البناء عليها، مُضافاً اليها روافد جديدة كرئيس حزب «التوحيد العربي»
الوزير السابق وئام وهاب في الشوف»، وفق ما يلفت اليه القريبون من دائرة القرار البرتقالي
ومع ان التيار لا ينفي ان معظم القوى السياسية تأثرت بتحولات العامين السابقين
وأزماتهما الضخمة، الا انه يعتبر نفسه الاقل تأثرا بعدما انكشفت – في رأيه – الحقائق «وزال عنها الغبار الذي ضَخّه مستغلو الحراك الشعبي،
بحيث أصبحت الصورة الآن أوضح لدى الناس، وما ساعدنا أيضاً في البدء باستعادة المبادرة
هو انّ البدائل المطروحة سيئة كثيراً وفاقدة للصدقية، ولم تكن هناك حاجة سوى الى وقت قصير حتى تسقط عنها الأقنعة والمساحيق».
اكثر من ذلك، يشير العارفون الى ان قيادة التيار برئاسة النائب جبران باسيل تَنكبّ على تحضير حملة انتخابية
من العيار الثقيل، سيتم خلالها فتح ملفات فساد بالتفاصيل وكشف أوراق مخفية للمرة الأولى،
على أن يبدأ تنفيذ «الهجوم الكبير» بنحوٍ متدرّج بعد رأس السنة وفق روزنامة مدروسة.
وهناك في التيار من لا يستبعد احتمال ان تحصل، على مقربة من الانتخابات،
مفاجأة مدوية من نوع توقيف إحدى الشخصيات الكبيرة المتهمة بالفساد، «مع ما سيرتّبه ذلك من انعكاسات على المزاج الشعبي وخياراته».