في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية التي كان لبنان وما زال يعاني منها، بادرت مؤسسة “القرض الحسن” التابعة لـ”حزب الله”، إلى تقديم قائمة من الخدمات لزبائنها، فركّبت أجهزة صراف آلي في فروعها الثلاثة في الضاحية الجنوبية لبيروت، وأعلنت حينها عن عزمها تركيب أجهزة مماثلة في فروعها الأخرى. وبدأت المؤسسة ببيع وشراء الذهب مقابل الدولار، إضافةً إلى تخزينها الذهب الخاص بالزبائن مقابل رسوم منخفضة، بعدما كثرت السرقات والجرائم، بخاصة في المناطق الخاضعة لنفوذ الحزب، أي الضاحية الجنوبية لبيروت ومحافظتَي الجنوب والبقاع. ومع ارتفاع سعر الدولار، عمدت الجمعية إلى استيفاء قيمة القروض بحسب سعر السوق السوداء، لكنها بقيت تدفع كامل حسابات الزبائن مهما كان حجم المبلغ،
بعكس المصارف اللبنانية،
التي اعتمدت بدايةً أسلوب الـ”هيركات” (hair cut) أو احتساب سعر الدولار بقيمة 3900 ليرة لبنانية (سعر الدولار فعلياً في السوق عند كتابة هذه الأسطر يفوق الـ 20 ألف ليرة). وسمحت المصارف اللبنانية منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، وتطبيقاً للتعميم رقم 185 الصادر عن “المصرف المركزي” للزبون بسحب 800 دولار شهرياً، تُقسّم إلى 400 دولار بالعملة الصعبة،
و400 دولار أخرى تُقبض بالليرة على سعر صرف حدده مصرف لبنان المركزي ويبلغ 12000 ألف ليرة مقابل كل دولار أميركي.
وتعذّر الوصول إلى موقع “القرض الحسن” على الإنترنت بسبب حظره،
لكن وبحسب التعريف الوارد على صفحة منظمة “إسكوا”، لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا،
“يُقصد بالقرض الحسن مطلق الأعمال الصالحة التي يقوم بها العبد لوجه الله وقربةً إليه”.
وتأسست جمعية “مؤسسة القرض الحسن” عام 1982، عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان
وما خلّفه من أوضاع اجتماعية واقتصادية مدمرة، وتم ترخيصها من وزارة الداخلية اللبنانية
عام 1987 بموجب علم وخبر 217/أ.د.
ومما لا شك فيه أن “حزب الله” عمل ومنذ الثمانينيات على إنشاء مؤسسات مكّنته من
بناء اقتصاد خاص به موازٍ للاقتصاد اللبناني، حتى بات يُعرف بـ”الاقتصاد الرديف”، منها “جهاد البناء” و”شركة وعد” و”القرض الحسن”
و”النية الحسنة الخيرية” وغيرها. كما أنه لا يحوّل أمواله، كما بات معروفاً، عبر الجهاز
المصرفي الرسمي في لبنان، بل إنه وبحسب مصادر مراقبة لحركة نقل الأموال إلى الحزب من إيران ودول أميركا اللاتينية وأفريقيا،
فإنها تحصل عبر مطار بيروت الدولي ومن سوريا براً. وكانت مؤسسة “القرض الحسن”
تعمل على أراضي الولايات المتحدة، ولعبت دوراً محورياً في تأسيس البنى التحتية المالية لـ”حزب الله”.
وحظّرت وزارة الخزانة الأميركية أعمال تلك المؤسسة منذ عام 2007، واعتبرت أنها ليست إلا واجهة لـلحزب،
وكان يدير أعمالها حينها، المدعو حسين الشامي. وفي 11 مايو (أيار) 2021،
فُرضت عقوبات جديدة على أفراد مرتبطين بـ”حزب الله” و”المؤسسة”، لتُضاف إلى عقوبات أخرى فُرضت سابقاً عليها في أبريل (نيسان) 2016.
واعتبرت الخزانة الأميركية أن “القرض الحسن تزعم خدمة الشعب اللبناني،
لكنها عملياً تنقل الأموال بشكل غير مشروع من خلال حسابات وهمية،
وتعرّض المؤسسات المالية اللبنانية لعقوبات محتملة”،
بالتالي تسهم “بتقويض استقرار الدولة اللبنانية”. وأشارت إلى أن “مؤسسة القرض
الحسن تتنكّر بصفة منظمة غير حكومية بموجب ترخيص ممنوح من وزارة الداخلية وتقدم خدمات مصرفية لدعم حزب الله،
بينما تتهرب من الترخيص المناسب والإشراف التنظيمي”.
وأضافت أنه “ومن خلال ادخار العملة الصعبة التي يحتاج إليها الاقتصاد اللبناني بشدة،
تسمح المؤسسة لحزب الله ببناء قاعدة دعم خاصة به وتقويض استقرار الدولة اللبنانية”.
وفرضت وزارة الخزانة في الوقت ذاته عقوبات على أحمد محمد يزبك وعباس حسن غريب
ووحيد محمد سبيتي ومصطفى حبيب حرب وعزت يوسف عكر وحسن شحادة عثمان لصلتهم بـ”حزب الله” ومؤسساته المالية
وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2019، أطلقت مؤسسة “القرض الحسن”
قروضاً جديدة تستهدف المشاريع الزراعية والصناعية الصغيرة والحرف اليدوية. وتصل قيمة هذه القروض إلى 80 مليون ليرة لبنانية،
تسدّد على مدى 60 شهراً بعد فترة سماح مدتها ثلاثة أشهر، مع انخفاض التكاليف الإدارية،
بحسب المدير التنفيذي للجمعية عادل منصور.
و”للاستفادة من قرض من دون فائدة، يتمّ سداده خلال فترة أقصاها 30 شهراً،
يجب أن يحصل المقترض على كفالة أحد المودعين في الجمعية،
أو يرهن ذهباً أو مجوهرات. كما يتعيّن على المقترضين أيضاً دفع تكاليف
إدارية تبلغ حوالى 3 دولارات شهرياً (بالدولار الفعلي) أو بالليرة اللبنانية بحسب سعر السوق، إضافة إلى رسم مقابل تخزين الذهب.
ويجب على المقترض أيضاً إيداع 12 دولاراً شهرياً في
حساب من دون فائدة. وحوالى أربعة من كل خمسة قروض ممنوحة بالدولار تكون مدعومة بالذهب،
فلا تتجاوز قيمة القرض الـ70 في المئة من قيمة الرهن”، وفقاً لمنصور.
وتمنح مؤسسة “القرض الحسن” أربعة أنواع من القروض. النوع الأول هو القروض
مقابل ضمانات الذهب (الأكثر شيوعاً واستخداماً). النوع الثاني، قروض شهرية مقابل ضمانة للمشتركين الذين يودعون الأموال في الجمعية.
النوع الثالث، قروض مقابل كفالة أثرياء. النوع الرابع، هو الضمان المقدم للمقترض
بغرض شراء السلع والخدمات من المؤسسات والشركات التي أبرمت عقداً مع جمعية “القرض الحسن”
في ديسمبر (كانون الأول) 2020، أقدمت مجموعة من القراصنة الإلكترونيين
على اختراق حسابات كل فروع مؤسسة “القرض الحسن”، إضافة إلى حصولها على تسجيلات للكاميرات المثبتة في تلك الفروع. المجموعة التي
أطلقت على نفسها اسم “سبايدرز” نشرت لوائح بأسماء المقترضين والمودعين في كل فروع الجمعية،
التي تُعتبر مصرف “الحزب” في لبنان ومصدراً رئيساً من مصادر تمويله وتبييض أمواله،
إضافة إلى كل التفاصيل المتعلقة بقيمة القروض ونسبة السداد ومعلومات
شخصية عن المقترضين وموازنة الفروع والمؤسسة لعامَي 2019 و2020. وكشفت
عملية الاختراق أيضاً عن حسابات المؤسسة في كل المصارف اللبنانية، من بينها مصرف “جمّال ترست بنك”
الذي سبق أن طالته عقوبات أميركية عام 2019 بسبب تعاونه المالي مع “حزب الله” ومؤسسة “القرض الحسن”
التي تُعتبر أحد أبرز ركائزه الاقتصادية، وتديره من خارج المنظومة المصرفية اللبنانية،
ولا تخضع لقانون “النقد والتسليف” اللبناني. وتم تسجيل “القرض الحسن” بصفة “جمعية خيرية”
في حين أنها باتت تقدم قروضاً بنحو 500 مليون دولار لأكثر من 200 ألف مقترض،
بحيث تمنح قروضاً مالية بالدولار مقابل رهن الذهب،
أو وضع مبالغ مماثلة لها بالقيمة. وما أثار الشبهات والتساؤل حول عمل الجمعية هو نشر الصرافات الآلية،
لتتحوّل رسمياً إلى مصرف، خارجةً عن سلطة الدولة وقرارات مصرف لبنان المركزي وتعاميمه،
بحيث تلزم المقترضين سداد ديونهم بالدولار الأميركي بدلاً من الليرة خلافاً لتعاميم “المركزي”،
التي فرضت ذلك على كل المصارف اللبنانية. وهذا ما جذب انتباهاً غير مرحّب به حول أعمال
“الجمعية الخيرية” المزعومة، ودق ناقوس الخطر بشأن النظام المصرفي الموازي للحزب والتهديد
الذي يشكله على اقتصاد لبنان، علماً أن الجمعية تمتلك 31 فرعاً وتنافس أكبر المصارف
وطرحت خطوات مؤسسة “القرض الحسن” علامات استفهام عدة، لا سيما مع انهيار
قيمة الليرة اللبنانية وسط الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تتخبط فيها البلاد،
وفرض المصارف قيوداً صارمة على سحب الدولار في ظل أزمة سيولة خانقة.
إلا أن أجهزة الصراف الآلي التابعة لـ”القرض الحسن” سمحت لمَن حصلوا على قرض منها أو يتلقون
دفعات مباشرة من “حزب الله” بسحب مبالغ نقدية لا حد لها بالليرة اللبنانية أو الدولار الأميركي، حسبما ذكرت وسائل الإعلام حينها.
كما اعتبرت مصادر متابعة أن مصطلح جمعية لا ينطبق على مؤسسة “القرض الحسن”،
معتبرة أن ذلك “احتيال”، إذ إن التغيير في المصطلحات لا ينعكس على الطبيعة القانونية،
ما يعني أنها مصرف حقيقي بموجب الواقع القانوني ولا يمكن اعتبارها جمعية خيرية لا تتوخى الربح، كما تعرّف عن نفسها.
وكان الأمين العام للحزب حسن نصر الله، تحدث في يناير (كانون الثاني) 2021 عن مؤسسة “القرض الحسن”
وما شهدته من هجمات، لافتاً إلى أنه “منذ مدة، سُلّطت الأضواء عليها بشكل سلبي،
وأن ما حصل من حملة ضدها يعطي الفرصة للتعريف بها واستفادة اللبنانيين منها”.
وأشار إلى أن “أموال القرض الحسن هي من مساهمات الناس”،
مضيفاً أن “المؤسسة حصلت عام 1987 على رخصة قانونية، وتأسست بمبادرة من بعض الإخوة وعلماء الدين”.
وأكد نصرالله أن “عمل القرض الحسن هو اجتماعي وإنساني وأخلاقي وشريف ومأجور ومن أشرف العبادات،
وأن هذه التجربة أثبتت الأمان في المؤسسة،
حتى في حرب يوليو 2006 لم يخسر أحد أمواله”. وأضاف أنه “في السنوات الأخيرة،
بدأت أرقام المساهمات والقروض تكبر من قبل الأفراد والجهات وذلك بسبب الثقة المتزايدة”،
لافتاً إلى أن العقوبات الأميركية على “حزب الله” ومؤسساته والمقربين منه وأداء المصارف اللبنانية،
“الذين كانوا ملَكيين أكثر من الأميركيين، أسهم في التوجه نحو القرض الحسن”. وأشار نصر الله إلى أن
“مؤسسة القرض الحسن لم تكُن منذ البداية لخدمة حزب أو طائفة أو فئة معينة بل مفتوحة لكل الناس ولكل من يريد الاقتراض والمساهمة”،
موضحاً أن “من يريد أن يشارك بكفالات أو بأخذ قروض، فهذه المؤسسة أبوابها مفتوحة
ويمكن أن تفتح في أي منطقة يوجد فيها إقبال”. وقدّم الأمين العام لـ”حزب الله” أرقاماً حول المؤسسة، مشيراً إلى أن
“إجمالي عدد المستفيدين من القرض الحسن منذ التأسيس إلى اليوم بلغ حوالى مليون و800 ألف مستفيد،
وأن مجموع المساهمات والقروض التي استفاد منها الناس بلغ أكثر من 3 مليارات دولار”.
كما استعرض كتاباً صادراً عن وزارة الشؤون الاجتماعية عام 2001 يوثق قانونية هذه المؤسسة
ويفصّل كيفية عملها والنظام التي تعمل على أساسه، مستغرباً الهجمة التي تعرضت لها.
وجزم بأنها لا تموّل الحزب، لأنها لا تملك أموالاً خاصة ولا تقوم بأعمال تجارية. كما أشار إلى
أن “هذه المؤسسة ليست مصرفاً، فهي لا تدفع فائدة ولا تأخذ فائدة وليس لديها ربح لتدفع ضرائب”
السؤال الأبرز هو كيف استطاعت هذه المؤسسة الصمود، ومن أين لها تأمين الدولار.
ولهذا تواصلت “اندبندنت عربية” مع المسؤول الإعلامي في “القرض الحسن” علي هزيمة، بعيد إعلان المملكة العربية السعودية،
ممثلةً برئاسة أمن الدولة، في 28 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، تصنيف جمعية “القرض الحسن”
كياناً إرهابياً، لارتباطها بأنشطة داعمة لتنظيم “حزب الله”.
وقال هزيمة إن “المؤسسة صامدة ولن تؤثر في طريقة عملها أي عقوبات.
كما أن المؤسسة تؤمّن السيولة من الإيداعات الكثيرة التي يقوم بها لبنانيون وفلسطينيون وعراقيون،
ومن المذاهب والطوائف كافة، إذ إنها لا تفرّق بين الناس، كما يستطيع هؤلاء الحصول على القروض أيضاً”.
وعن طريقة استيفاء القروض، شرح هزيمة أنه “بالفعل بعد ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء،
اضطرت المؤسسة أن تستوفي قروضها بالسعر الموازي أي بحسب سعر السوق السوداء
لأنها لا تستطيع ان تتحمّل تباينات الأسعار”. وأضاف أنه “بعكس المصارف اللبنانية،
تردّ المؤسسة كامل الإيداع للزبون في أي وقت أراد، وليس كما فعلت المصارف اللبنانية
التي اقتطعت نسبة كبيرة من حسابات زبائنها”.
لكن ماذا تطلب المؤسسة من الزبون كضمان لاسترداد ديونها؟ أجاب هزيمة أنه
“يُطلب من الزبون تأمين كفيل أو إيداع كمية من الذهب. كما تقدم المؤسسة خدمة تخزين الذهب مقابل رسوم منخفضة معينة”.
نقلا عن “الاندبندنت العربية”