المصدر: ليبانون ليبانون
هل انتقلَ الصّراع الفرنسيّ الأميركيّ من “صفقة الغوّاصات مع أستراليا” في المحيط الهادئ إلى البحر الأبيض المُتوسّط، وتحديداً بيروت؟
فقد دخلَ مكتب مكافحة الجرائم الماليّة في وزارة الخزانة الأميركيّة إلى نفق سليم سلام، وراحَ يَزِن نفايات الكوستابرافا والمياه، وشرع يدرسُ “الأثر البيئيّ” لمكبّ نفايات برج حمّود، وصولاً إلى تفصيل التّفاصيل في زواريب مجلس الإنماء والإعمار
عقوباتٌ أميركيّة طالت 3 شخصيّات: النّائب جميل السّيّد المُقرّب من “حزب الله”، ورجليْ الأعمال داني خوري، المُقرّب من رئيس التيّار الوطنيّ الحرّ النّائب جبران باسيل والنظام السوري، وجهاد العرب المُقرّب من الرّئيس سعد الحريري.
اللافتُ في هذه العقوبات أنّه للمرّة الأولى لم يكن حزب الله السّبب المباشر في إدراج الأسماء الـ3 على اللوائح الأميركيّة، بل كان الفساد بالأسماء والتّفاصيل والأرقام و”الصّفقات”.
المعلومات التي حصلَ عليها “أساس” تشير إلى 16 اسماً على لوائح الانتظار في مكتب مراقبة الأصول الأجنبيّة في وزارة الخزانة الأميركيّة OFAC. بعضها يرتبط بالأسماء أعلاه، من مجلس الإنماء والإعمار إلى ما يحيط بنفق سليم سلام وبلديّة بيروت، وصولاً إلى مُصمّمي الأزياء الدّستوريّة في قصور الحُكم.
والفرنسيّ بالفرنسيّ يُذكَر. فقد صارَ معروفاً أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تظلّل بعلاقاته الفرنسيّة في تشكيل حكومته. وفي هذا الصدد يقول مصدرٌ أميركيّ لـ”أساس” إنّ ميقاتي أمام اختبارٍ حقيقيّ لجدّيّة حكومته في التّعامل مع قضايا الفساد. وسأل: “هل ينتبه المسؤولون اللبنانيّون إلى ما ورد في قرار وزارة الخزانة عن مسؤولٍ حكوميّ ساعَد جميل السّيّد على تحويل 120 مليون دولار؟ البحث عن الجواب مهمّة السّلطات اللبنانيّة”.
ونبّه إلى أنّ إدارة الرّئيس بايدن أدخلت معياراً جديداً غير “الإرهاب ومحاربة الفساد” في سياسة العقوبات التي تنتهجها. فقد كانت “البيئة” و”التغيّر المناخيّ” سببين لإدراج اسميْ داني خوري وجهاد العرب على لوائح العقوبات: ملفّ النّفايات في برج حمّود، وتسميم الثّروة السّمكيّة، وتلويث الشّاطئ اللبنانيّ، وأزمة النّفايات في شوارع لبنان.
يُذكَر أنّ إدارة بايدن تولي أهمّيّة لملفّ المناخ، الذي أوكل الرّئيس الأميركيّ مهمّته إلى وزير الخارجيّة والمرشّح الرّئاسيّ الأسبق جون كيري بصفته مستشاراً لشؤون المناخ.
هي العقوبات الأولى التي تفرضها إدارة بايدن على شخصيّات سياسيّة منذ تولّيها السّلطة رسميّاً قبل 11 شهراً، بعدما عاقبَت إدارة الرّئيس دونالد ترامب كُلّاً مِن الوزراء السّابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس وجبران باسيل.
جاءَت العقوبات بعد “جزرةٍ” أهدتها واشنطن لبيروت بإعفاء خطّ الغاز المصريّ والكهرباء الأردنيّة من عقوبات قانون قيْصَر. وكأنّ الأميركيّ يقول: “الكهرباء للشّعب والعقوبات للمسؤولين”.
بعد “الجزرة”، جاءَت “العصا”. في هذه المرّة، كانت أدوات التّنفيذ مُختلفة عن سابقاتها:
قانون مكافحة حزب الله، وقانونيْ قيصر وماغنيتسكي. وذلك بعدما استخدمت الإدارة الأميركيّة
الأمر التنفيذي 13441 الصّادر سنة 2007 عن الرّئيس الأميركيّ حينها جورج بوش الابن،
الذي يُدرِج لبنان تحت قانون “الطّوارئ الوطنيّة الأميركيّة”.
مصدر أميركيّ مسؤول لـ”أساس”:
لم ينفِ مسؤول حكوميّ أميركيّ لـ”أساس” أنّ قرار إدراج السّيّد وخوري والعرب
على لوائح العقوبات يقع في الخانة السّياسيّة، وأنّه تأكيدٌ من إدارة الرّئيس بايدن على استمرار “السّياسة” التي انتهجتها الإدارة
السّابقة لجهة مُمارسة الضّغوط على حزب الله وحلفائه، وتحديداً “المُتورّطين
في عمليّات فسادٍ أدّت إلى انهيار الاقتصاد في البلاد”. وأضاف:
“على اللبنانيّين توقّع المزيد من العقوبات خلال الفترة المُقبلة على شخصيّات
تُقوِّض العمليّة السّياسيّة وسيادة القانون عبر تمكين حزب الله من بسطِ نفوذه داخل المؤسّسات”
وكشَف أنّ لوائح العقوبات الأميركيّة تضمّ 22 شخصيّة، من بينهم الوزراء السابقين
يوسف فنيانوس وعلي حسن خليل وجبران باسيل والأسماء الـ3 التي أُدرِجَت مساءَ الخميس، ورفضَ المصدر الكشف عن أيٍّ من
الأسماء الـ16 المُتبقّية، مؤكّداً أنّ لدى بلاده وسائل عديدة لمُعاقبة مَن سمّاهم بـ”الفاسدين
ومُقوِّضي العمليّة السّياسيّة وسيادة القانون والشّرعيّة في لبنان”.
ولم ينفِ المسؤول الأميركيّ أن تكون بين سطور هذه العقوبات
رسائل سياسيّة للجهات والتيّارات السّياسيّة التي تقف خلف الشّخصيات المُدرَجة على لوائح العقوبات
وبحسب معلومات حصلَ عليها “أساس”، فإنّ العقوبات التي صدرَت الخميس مُرتبطة بزيارة قام بها وفدٌ من
مكتب مكافحة الجرائم الماليّة في وزارة الخزانة الأميركيّة في شهر تمّوز الماضي إلى لبنان، بعد اعتذار
سعد الحريري وقبل تكليف نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة. وكان “أساس” أوّل مَن كشف أنّ الزيارة
مرتبطة بعقوبات قد تطول سياسيّين لبنانيّين في إطار قانون الطّوارئ الوطنيّة 13441.
وقد تمكّن الوفد خلال الزّيارة من مُطابقة معلومات ووثائق في حوزته مع ما اطّلع عليه من معلومات،
أدّت إلى توثيق إدراج الأسماء الـ3 على لوائح العقوبات
صفعة لتسوية ماكرون – رئيسي
لم تكن واشنطن مؤيِّدة بالكامل لعمل باريس منذُ إعلان بنود المُبادرة الفرنسيّة بعد زيارة الرّئيس
الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بيروت مطلع أيلول 2020.
يومها اعتبرَت أميركا بقيادة ترامب أنّ ماكرون يُحاول إعادة إنتاج الطّبقة السّياسيّة “الموالية لحزب الله” في لبنان.
بعد تولّي إدارة بايدن السّلطة في واشنطن، فوّضَ بايدن نظيره الفرنسيّ “إدارة الأزمة في لبنان إلى
حين تفرّغ إدارته للملفّ اللبنانيّ الذي لا يُعدّ أولويّةً على أجندتها الخارجيّة”. ويبدو أنّ الإليزيه فَهِم من “إدارة الأزمة” “تفويضاً كاملًا”
في لبنان. وبناءً على ذلك أتمّ الرّئيس الفرنسيّ تسويةً مع نظيره الإيرانيّ إبراهيم رئيسي، في ظلّ انشغال
الإدارة الأميركيّة بانسحابها الكارثيّ من أفغانستان، نتجَ عنها حكومة نجيب ميقاتي. فكانت الرّسالة الأميركيّة “
صفعة للتّسوية” عبر شمول العقوبات الأطراف المعنيّة: حزب الله، التّيّار الوطنيّ الحرّ، وتيّار المُستقبل.
وأبعدَ من لبنان، كان ماكرون يزور العراق ويُبرِم عقوداً بمليارات الدّولارات في قطاع النّفط لمصلحة شركاتٍ فرنسيّة
لم تتأخّر الرّدود الأميركيّة كثيراً على اللعب الفرنسيّ في الملعب الأميركيّ في الوقت الضّائع.
فكانت أولى الصّفعات في أقصى الأرض، وتحديداً في أستراليا، عبر إلغاء عقد لبيع غوّاصات
فرنسيّة بمليارات الدّولارات إلى كانبيرا. إذ كان ماكرون يُحاول أن يدخل الملعب الأميركيّ الأكثر حساسيّة قُربَ الصّين…
واليوم وصلَ ردٌّ جديد في بيروت…
ابراهيم ريحان – اساس ميديا