المصدر: ليبانون ديبايت
مُخطئ من يعتقدُ أن انسلاخ لبنان عن محيطه العربي بمثابة الأمر السهل ويمكن اللجوء إليه، إذ أن لهذا الاتجاه خطورة كبيرة وآثاره تهدّد هوية المنطقة ومستقبلها ككُل. ومع ذلك، فإن هناك من ينادي بالابتعاد عن المملكة العربية السعودية، باعتبار أن الأخيرة لم تكن قريبة من لبنان خلال السنوات الأخيرة. وعلى أساس هذه القاعدة، تقول بعض الأطراف إن اللجوء إلى محورٍ جديد هو الخيار الأنسب، لكن الحقيقة تؤكد أن اختيار هذا الطريق يعني الانفجار الحتمي. ففي حال خسارة لبنان للعالم العربي، فإن القدرة على إيجاد البديل أمرٌ مستحيل ولا يتحقق أبداً. وعليه، فإن المطلوب اليوم مُقاربة جديدة لما يحصل، والتوجّه يجب أن يكونَ لحفظِ لبنان وحماية اللبنانيين ومصالحهم في دول الخليج العربي.
التّسوية تتحضّر.. ماذا تريدُ السعودية من لبنان؟كيف ينظر الرئيس ميقاتي إلى علاقة لبنان بالسعودية؟ وإنطلاقاً من الحرص على هوية لبنان العربيّة، يتحرّك رئيس الحكومة
نجيب ميقاتي لـ”رأب الصدع” الذي حصل مؤخراً بين لبنان والسعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي. وفي حين أنّ تطوّر الأمور قد يقود لبنان نحو انهيارٍ أكبر، إلا أن المساعي الحثيثة تهدُف إلى لجمِ أي تطوّر من هذا النوع.
وانطلاقاً من هذا الأمر، كثف ميقاتي اتصالاته خلال الساعات الماضية، وسيعقد اجتماعات
عدة على هامش “قمة المناخ ” منها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون
وعلى مدى الساعات ال
الماضية، كان البعض يخشى أن تطال الإجراءات الخليجية الأُسر اللبنانية هناك،
لكن هذا الأمر لن يحصل أبداً. فالسعودية تدرِكُ تماماً أن تحويلات المغتربين
تشكل عصب الحياة في لبنان خلال هذه المرحلة، وأن أي مسّ
بهذا العنصر الاقتصادي يعني تهالكاً للبنانوفي حديث عبر “لبنان24”، قال الخبير المالي والاقتصادي محمد الشامي إنّه “
لا يمكن التقليل من قيمة دور السعودية ودول الخليج في الاقتصاد اللبناني”،
مشيراً إلى أن “لبنان يحصل سنوياً على إيرادات مالية من دول الخليج تقدر بأكثر من 2 مليار دولار، وذلك عبر الصادرات المختلفة”
أما على الصعيد السياسي، فإنه يتضح من خلال مراجعة المواقف السعودية والخليجية الأخيرة،
أن المواقف محصورة في إطار معين. فدول الخليج لا مشكلة لها مع لبنان، ولا تريدُ معاقبة اللبنانيين في الدول العربية،
وقد جرى التأكيد على ذلك مراراً وتكراراً. وعليه، فإن الموقف هذا وحده يؤكّد أن المعركة
ليست ضد الشعب اللبناني مهما كانت انتماءاته، بل هي ضد مكوّن سياسي في لبنان تعتبر المملكة
أنه يشكل خطراً أمنياً عليها، ويتمثل بـ”حزب الله”.
وهنا، يتحدّد رهان المملكة دائماً في ابتعاد لبنان عن الجبهات الإقليمية، وكل ما يساهم في ضرب
السعودية على لبنان أن ينأى بنفسه عنه، وهذا الأمرُ مطلب شريحة واسعة من اللبنانيين. ولهذا، فإن المشكلة يجب أن تُحل إقليمياً،
في حين أنّ الموقف العربي الأخير من قبل جامعة الدول العربية كان معتدلاً لدرجة كبيرة،
وقد راهن على مساعي رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي لاتخاذ إجراءات
توقف تدهور العلاقات مع الخليج. وفي هذا السياق،
لا يمكن أبداً اغفال الموقف الأميركي الذي صدر عن المتحدث باسم الخارجية الأميركية يوم أمس،
والذي أكد أن الولايات المتحدة تحثّ الدول العربية وخاصة السعودية والإمارات والدول في المنطقة على التواصل مع الحكومة اللبنانية.
وفي المحصلة، فإنّ دول الخليج تعترف بكيان الدولة اللبنانية ومؤسساتها،
والتواصل ما زال قائماً عبرها، ويمكن أن تكون هذه المشكلة الدبلوماسية القائمة باباً لحلحلة مقبلة،
كما أنه قد تكون هناك زيارات لبنانية رفيعة المستوى إلى دول الخليج لإعادة نسج العلاقات
من جديد واستئناف العلاقات بعد الفتور القائم.