جورج قرداحي انه الاسم الذي بات على كل شفة ولسان من لبنان الى دول الخليج فدول العالم، اختلفت وانقسمت الآراء حول الوزير «المغضوب عليه خليجيا» الذي بات «مالئ الدنيا وشاغل الناس»، فمنهم من حمّله «جرم» فرض الحصار الخليجي على لبنان، نتيجة تصريحات ادلى بها قبل توليه اية مسؤولية وزارية، وحتى قبل ان يعرف انه سيصبح وزيرا للاعلام يوما ما، يوم كان قرداحي لا يزال ذاك الاعلامي الناجح والمشهود له بعلاقاته الخليجية رغم آرائه السياسية المعروفة على الملأ
فيما رأى آخرون، لاسيما داعمي محور المقاومة، ان الرجل الاعلامي المخضرم لم يخطئ التصرف، وان ما قاله ليس وليد الساعة الوزارية، وهذا رأيه في بلد ديموقراطي، وليس خافيا على احد الدعم المطلق الذي حظي به قرداحي من حزب الله، حيث عبّر اكثر من مسؤول او نائب في الحزب عن وقوفه الى جانب قرداحي، وكذلك فعل رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي زار بكركي معلنا : « قرداحي لم يخطئ وضميري لا يسمح لي ان اطالبه بالاستقالة، حتى اني رفضت ان يضع استقالته على طاولة بكركي او بعبدا، وانا الى جانبه في اي موقف يتخذه»…قال فرنجية كلمته ومشى، وما كاد يمشي حتى حط قرداحي في الصرح البطريركي حيث التقى البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وغادر بعيدا عن عدسات الكاميرا..
بقي لقاء بكركي بين الراعي وقرداحي بعيدا عن الاعلام، ولم يسرّب منه الا القليل، وبقي باطار التحليلات. فهل طلب الراعي فعلا استقالة قرداحي؟ وماذا سيفعل الوزير الذي تحول بنظر البعض، وفي ليلة وضحاها، الى «بطل قومي» تكرست باسمه شوارع في صنعاء؟ المعلومات من مصادر موثوقة تؤكد ان ضغطا كبيرا يمارس على قرداحي لدفعه نحو الاستقالة، لاسيما من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي يحرص على ان يسمع من يعنيهم الامر ما مفاده: «اذا ما بيستقيل انا بدي فل»، وهو كان بعث بهذه الرسالة على «غروب» وزراء حكومته محذرا: «اعزائي جميعا، الله وحده يعلم مدى سعادتي
بهذه المجموعة المميزة، ويزداد سروري بجديتكم بالعمل والمثابرة من اجل انجاح مسيرتنا،
ولكن لا اخفي عليكم انني كنت ناشدت سابقًا معالي الوزير قرداحي بأن يغلب حسه
الوطني على اي امر آخر، ولكن هذا لم يترجم واقعيا، وعليه نحن امام منزلق كبير .
واذا لم نتدارك حل هذه الازمة سريعا نكون وقعنا في ما لا يريده احد منا. اللهم اشهد انني قد بلغت…»
ضغط ميقاتي على قرداحي لا يقلّ عن الضغط الذي يمارسه البطريرك الراعي
بهذا الاتجاه، علما ان اوساطا بارزة تكشف بان قرداحي في اللقاء الذي جمعه
مع الراعي قال: «اذا كنت تضمن لي ان المسألة تحل باستقالتي فعندها استقيل،
اعطني ضمانات لذلك»، فرد الراعي بانه سيتحدث مع المعنيين ومنهم رئيس
الجمهورية ورئيس الحكومة وبعض المسؤولين في السعودية ويعود له.
واستكمالا لما بدأه الراعي، تشير الاوساط الى انه اجرى امس اتصالا بقرداحي بعدما كان ميقاتي
الحّ عليه التدخل لاقناعه بالاستقالة بقناعة منه بان استقالته ستنقذ حكومته، فبادر البطريرك الى سؤال قرداحي: «شو»؟
فردّ الاخير: «انا اللي ناطرك سيدنا بموضوع الضمانات «، فانتهى الاتصال من دون
التوصل الى اي حل ،لاسيما ان اية ضمانات لم تكن حتى ساعات بعد ظهر امس متوافرة.
هذا على خط بكركي ، اما في بعبدا فرئيس الجمهورية الذي وضعه رئيس الحكومة
امس بجو اجتماعاته في استكلندا، عاود بحسب المعلومات التواصل مع قرداحي منذ حوالى اليومين،
مشيرا الى ان «القصة عم تكبر» والاجراءات كذلك، لكنه لم يطلب من قرداحي،
كما تؤكد مصادر مطلعة على جو الاتصال، ان يستقيل بل ان يدرس الامور ويتخذ هو الموقف الذي يراه مناسا
هذا في الداخل الذي يترقب حركة الخارج وتحديدا في اسكتلندا،
حيث يشارك ميقاتي بقمة المناخ، وحيث التقى امس عددا من المسؤولين في مقدمهم
امير قطر الذي سيوفد وزير خارجيته في الايام القليلة
المقبلة الى بيروت، فالانظار تتوجه الى اللقاء بين ميقاتي والرئيس الفرنسي
ايمانويل ماكرون لبحث الازمة اللبنانية، مع الاشارة الى ان ميقاتي سيلتقي
ايضا وزير الخارجية الاميركية انطوني بلينكين ، وعلى هذه الاجتماعات يعوّل لبنان ،
لاسيما ان المعلومات تفيد بان ميقاتي تلقى جرعة دعم اميركية – اوروبية – قطرية لاستمرار حكومته،
وبالانتظار ووسط كل التداعيات التي بدأ لبنان يتلمسها جراء الخطوات التصعيدية الخليجية تجاهه،
سواء لناحية وقف المملكة الاستيراد من لبنان، وما يحكى عن امكان وقف التحويلات وكذلك الطيران،
يبقى السؤال الاساس : ماذا سيفعل الوزير قرداحي؟ على هذا السؤال يرد الوزير المعني في اتصال مع «الديار»
مؤكدا «انه يدرك تماما ويشعر بمعاناة اللبنانيين في الخارج وخوفهم من اي اجراء قد يطالهم ،
لكن المسألة تحوّلت الى مسألة كرامة وطنية»، ويضيف : «لست متمسكا لا بمنصب ولا بوظيفة
، لكن المسألة تعدت ذلك الى الكرامات
كل الموضوع قيد الدرس وانا بانتظار عودة الرئيس ميقاتي من قمة غلاسكو لوضع جميع الاوراق على الطاولة
والخروج بعدها بقرار متفق عليه بيني وبينه، وبالتالي عندما يعود رئيس الحكومة الذي قد يكون لديه
معطيات جديدة بعد اللقاءات التي يعقدها ،»بقعد انا وياه» ونتخذ القرار بضوء المعطيات التي قد تكون تكونت لديه».
وعن توقيت استقالته، اجاب: «خلينا ننطر عودة رئيس الحكومة بدنا نقعد ونحكي وبعدا لكل حادث حديث».
وعن كل الاتهامات التي طالته كون «لحم كتافو من الخليج»،
علق وزير الاعلام، بالقول : «عملت بعرق جبيني، ونجاحي كان بسبب عملي وتعبي»
وعليه، هل ما قاله قرداحي عن انه ينتظر ميقاتي لاتخاذ القرار بالاتفاق معه،
هو مقدمة لتأمين «خروج آمن « لوزير الاعلام من الحكومة الميقاتية؟
وماذا عن موقف حزب الله ساعتئذ؟ مصادر مطلعة على جو الاتصالات القائمة تجيب :
الاكيد ان اقالة قرداحي غير واردة لانها تتطلب اكثرية الثلثين، كما ان امكانية جمع الحكومة
بحضوره صعبة لان هناك مشكلة ، يبقى الخيار الثالث، بحسب المصادر والمتمثل باقناع
قرداحي بالاستقالة بالتعاون مع الفرقاء لاسيما الثنائي الشيعي الذي تكثفت معه الاتصالات لكي يسهم بالحل المنشود.
لكن الاكيد ايضا بحسب المعلومات من اوساط بارزة مطلعة على جو حزب الله،
ان الحزب لن يتخلى عن قرداحي ولن يتركه بالمعركة وحيدا ، فهل يفعلها وزراء الشيعة فيستقيلون اذا ما استقال قرداحي؟
المصادر تقول : لن نجيب على هذا السؤال حاليا ، لتضيف: لن نترك قرداحي وحيدا،
ونفضل الحكومة التي تعبنا «لنحنا نجيبا» واختلفنا بسببها مع رئيس الجمهورية، ان يستقيل رئيسها
«الميقاتي ولا القرداحي»، لان المسألة ليست مسألة تصريحات، وقد قالها صراحة وزير الخارجية
السعودية ان المشكلة في حزب الله واليمن، وبحسب المصادر المطلعة على جو حزب الله،
فانه في حال حصلت استقالة قرادحي فقد تتم بعدها المطالبة بضغوطات اخرى لتغيير كل ما هو ليس على خاطر المملكة
موقف حزب الله واضح، اذا فالمعركة بالنسبة اليه اكبر من تصريح وزير،
ولكن ماذا عن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لم يسمع له اي تصريح او موقف لنوابه
حول تصريحات قرداحي ؟ اوساط متابعة تكشف بان بري يبدو مربكا، فهو حريص من جهة على بقاء الحكومة،
وكذلك على بقاء العلاقة مع السعودية جيدة ، كما انه يدرك تماما ان موقف المملكة هو بمثابة ابتزاز،
بحسب الاوساط، وبالتالي فانه يحاول ان يوازن موقفه بشكل يؤمن الدخول لاحقا لحل مقبول،
وهو يدرك ان موقف حزب الله داعم بشدة الى جانب قرداحي
وبالانتظار، هل يحل لقاء ماكرون – ميقاتي مشكلة لبنان مع دول الخليج؟
او ان الازمة السعودية – الايرانية انفجرت على ارض لبنان وباتت اعمق من ان تحل بلقاء من
هنا وآخر من هناك او استقالة وزير من حكومة ما كادت «تحط حتى تطير»؟!
جويل بو يونس – الديار