رسائل مشفّرة من عون… كيف يتلقّفها الحزب؟

كتب المحرر السياسي:

على وقع الأزمات المتفاقمة التي كرّست “تباعدًا” واضحًا بينه وبين حليفه “حزب الله”،

لم تخلُ كلمة رئيس الجمهورية ميشال عون الأخيرة، مبدئيًا، إلى اللبنانيين لمناسبة عيد الاستقلال،

من الرسائل “المشفّرة”، التي حملت بين طيّاتها انتقادًا مباشرًا لأداء “الثنائي” في الفترة الأخيرة،

وآخر مبطنًا لطريقة تعاطي “حزب الله” مع الأزمات

ففي متن رسالته، وجد رئيس الجمهورية أنّ حلّ الأزمة الحكومية، التي اختلط فيها “القضاء بالأمن بالسياسة”،

على حدّ قوله، “غير مستعصٍ”، وقد أوجده الدستور، وتحديدًا في الفقرة “ه” من مقدمته

ويقوم على مبدأ “الفصل بين السلطات” الذي تنصّ عليه، داعيًا إلى الالتزام بسقف الدستور “وترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله” لتعود الحكومة إلى ممارسة مهامها.

وإذا كان عون وجّه بذلك نقدًا مباشرًا للحزب الذي يصرّ حتى الآن على منع الحكومة من الاجتماع،

قبل “تنحية” المحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، فإنّه “ضاعف” من حجم الانتقاد، حين سأل عمّا إذا كان المعطّلون سيسمحون “للخناق أن يشتد أكثر على رقاب أهلنا وأبنائنا”، وما إذا كانوا يدركون فعلاً “مدى الأذى” الذي يترتّب على ذلك.

التباعد واقع

على أهميتها، قد لا تحمل مواقف الرئيس عون جديدًا يُذكر،

فالتباعد بين عون و “حزب الله” واقع منذ ما قبل استفحال الأزمة الحكومية، ولو أنّه لم ينعكس بعد على “التحالف” الذي يصرّ طرفاه على أنّه محصَّن إلى حدّ بعيد، وأنّ الاختلاف في الرأي حول مقاربة العديد من القضايا الخلافية لا ينبغي أن يؤدي إلى “فرط” تفاهم تجاوز الكثير من الهزّات والعواصف منذ إبرامه

أكثر من ذلك، فإنّ هذه المواقف لم تحمل أيّ “مفاجأة” برأي المتابعين

لكونها جاءت “متناغمة” مع التسريبات التي تكثّفت في الأيام الأخيرة عن “توافق” بين عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي على وجوب عودة انعقاد مجلس الوزراء لمواجهة التحديات الضاغطة،

وأنّ “الحائل” الوحيد دون ذلك لا يزال متمثّلاً في “الفيتو” الذي يفرضه “الثنائي الشيعي”،

الذي أبلغ المعنيّين رفضه التئام الحكومة لبحث أيّ ملف، مهما بلغت درجة أهميته، قبل “تنحية” البيطار.

ومع أنّ “حزب الله” يحرص على عدم التعليق على مواقف عون من الأزمة الحكومية

تفاديًا ربما لزيادة “الطين بلّة”، لو “تعمّد” في بعض الأحيان الردّ بعنف على بعض من يتبنّون الخطاب نفسه،

لعلّ “رسالة عون تصل”، فإنّ المحسوبين عليه والمطّلعين على أدبيّاته يؤكدون وجود “تفهّم” لحيثيات موقف الرئيس،

معطوف على “تحفّظ”، أو ربما “عتب”، لأنّ فريق رئيس الجمهورية “لا يتفهّم”، في المقابل،

“الهواجس المشروعة” التي أثارها تحقيق انفجار المرفأ لدى كثيرين.

هل يتفاقم الخلاف؟

لا تبدو رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون لمناسبة الاستقلال معزولة، فقد سبقتها تصريحات “مسرَّبة” للرئيس عون قبل يومين،

حملت عنوان “الهجوم والتصعيد”، خصوصًا حين أعلن أنّه “لن يوقّع” أيّ مرسوم يدعو لانتخابات نيابية في آذار المقبل،

وفقًا لتوصية “البرلمان”، ناصحًا بعدم إرساله إليه، ومتمسّكًا بموعد وحيد للاستحقاق الموعود في أيار المقبل.

صحيح أنّ عون انطلق في ذلك من اعتبارات لوجستية وسياسية تعتبر “تبكير” موعد الانتخابات مضرًا بشفافية العملية الانتخابية، خصوصًا أنّها تحرم الكثيرين من حق التصويت،

وتؤدي إلى “خلل” في المهل التي ينصّ عليها القانون،

لكنّ الصحيح أيضًا أنّ هذا الموعد السابق لشهر رمضان، يصرّ عليه “الثنائي”،

وبالتالي فإنّ المجاهرة بمثل هذا الموقف ستؤدي إلى “تصعيد مضاد” في المقابل،

قد يؤدي وفق ما يخشى كثيرون إلى “تطيير” الانتخابات عن بكرة أبيها.

استنادًا إلى ما تقدّم، ثمّة خشية تتصاعد من أنّ الخلاف بين رئيس الجمهورية ميشال عون

ومن خلفه “التيار الوطني الحر”، و”الثنائي الشيعي”،

و”حزب الله” في مقدّمته لا من خلفه أو على هامشه هذه المرّة، سيتفاقم،

خصوصًا أنّ التباعد يزداد حدّة، في حين يعتقد كثيرون أنّ “التيار” وصل إلى قناعة بأنّ “الطلاق” مع “حزب الله”،

سواء كان حقيقيًا أم وهميًا، قد يكون مطلوبًا قبل الانتخابات، لأنّ الرأي العام المسيحي لا يبدو قادرًا على “تقبّل” سياسات الحزب الأخيرة.

صحيح أنّ كلّ ما يحصل في لبنان هذه الأيام يردّه كثيرون إلى الانتخابات المقبلة، التي قد لا تأتي أساسًا،

لكنّ الأكيد أنّ “الحلف” بين رئيس الجمهورية و”حزب الله” قد اهتزّ في جوهره، بانتخابات ومن دونها،

والأكيد أكثر أنّ تجاوز “الخلاف” أو “تجاهله” لا يمكن أن يحلّ المشكل، والمطلوب “مصارحة حقيقية” بين الطرفين،

وربما “مراجعة ذاتيّة” لأسباب التباين، الذي يرتبط في جانب منه بأداء ملتبس ربما، يكثر “المتحفّظون” عليه!

المصدر: لبنان 24

Exit mobile version