ليبانون ديبايت – ميشال نصر
في أجواء البلد “الموبوء” والمنهار على كافة الصعد، حلّ عيد الإستقلال الـ78، وسط مخاوف كبيرة من أن يتحوّل العيد إلى “ذكرى”، إذا ما بقيت الدولة على وضعها، وطار الإستحقاقَ الإنتخابي المرتقب. فمن عرضين عسكري – رسمي في اليرزة، وشعبي – ثوري على مشارف المرفأ، إلى حقيقة تفجير الميناء، التي صارت إثنتين، نسخةٌ خاصة بالمجرم وأخرى وفقاً للضحية، وما بينهما من قضاء “غبّ الطلب”، يمكن الحديث عن كل شيء إلاّ السيادة.
صحيح أن العادة اللبنانية درجت على أن تنام الملفات القضائية في أدراج قصور العدل، بألف شكلٍ وطريقة. وهو ما يحصل في ملف تفجير المرفأ بالتحديد، الذي أدخله المتضرّرون بازار التصفيات السياسية والأجندات المعدّة، والتي عجزت رحلة “الليموزين” من اليرزة إلى بعبدا، كما جلسة القصر الرئاسي الثلاثية، وكأنها لم تكن عملياً، عن إخراج الحكومة من عنق زجاجة حارة حريك، رغم التمنّيات والرغبات الرئاسية بتوجيه الدعوة بالإتفاق، أو حتى عقدها بمن حضر، بعدما فكّ سحر “أرانب” عين التينة .
هذه المعادلة المُضحكة ـ المُبكية من الدوران في الحلقة المفرغة ذاتها، بفضل الأعراف القانونية المستحدثة في جزءٍ منها على وقع مسلسل الضمّ والفصل وكفّ اليد وما إليها، شكّلت دليلاً جديداً على أن الدولة اللبنانية “مُستسلمة” وخاضعة، لضاحية متمسّكة بشروطها، وأوّلها الإطاحة برأس المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار، فيما إستيذها، يسعى الى حلٍّ متكامل، يكبّل البيطار ويقيل وزير الإعلام جورج قرداحي. أمّا رأس هرمها فمصرّ، مع شريكه في التنفيذية، على إعطاء “ما لله لله وما لقيصر لقيصر”.
وسط هذه المعطيات كلها، وعلى وقع الكثير من الروايات والشهادات، ومحاولات التشويش والتشكيك في نزاهة القضاء، لحرف الحقيقة عن مسارها، ما أعطى الملف أبعاداً دولية، تستمرّ فصول المسرحية، موسّعةً بيكارها يوماً بعد يوم، لتحطّ رحالها في العاصمة الروسية في عملية إستعراضية.
بالتأكيد، ما حمله معاليه معه من موسكو، لن يقدّم ولن يؤخّر، بل سيقدّم براءة ذمّة إضافية لكلّ من إسرائيل و”حزب الله”، عملاً بالفرمان الذي أصدره منذ مدة القيصر، راسماً للمحقّق العدلي الطريق السالك، نحو الإهمال والتقصير، لتأتي صوره من باب النكد السياسي الدولي، نكايةً بباريس وصورها. واشنطن وتحقيقها، والأهم من باب المكيدة للتحقيق اللبناني. يبقى أنه كان من أضعف الإيمان، لو أرادت موسكو جدياً المساعدة، لكانت استجابت لطلبات المحقّق العدلي المرفوعة، والتي تم رفضها رغم أهميتها للإجابة على جزءٍ أساسي من الأسئلة التي يُتّهم القاضي بيطار بأنه أهملها، وهنا تكمن قطبة صورها المخفية.
صور بوتين كان سبقها، ومهّد لما تحمله من “حقائق” تقرير تلفزيوني، استقصاؤه مطبوخ على قياس أجندته،
أعدّته محطة “الميادين” عن تفجير المرفأ راسماً سيناريو كامل، يحاكي وجهة نظر الحزب،
ويعرض الحقائق التي توصّلت إليها الحارة من وجهة نظرها، وهي معلومات وفقاً لمصادر متابعة،
امتلكها الحزب منذ مدة و”نام عليها لوقتها المناسب”،
حيث من الواضح وفقاً للرواية، أن الإتهام بكل أوجهه، يتّجه نحو خصوم الحارة في الداخل والإقليم،
مبرّئاً تل أبيب من دم ضحايا تفجير المرفأ. إلاّ أن الكثير من أسئلة “الميادين” ومَن خلفها،
باتت إجاباتها التي لا تقبل أي شكلٍ من أشكال الدحض في ملف البيطار،
ومنها على سبيل المثال لا الحصر، مسألة عبورها الترانزيت المزعوم.
عند هذه النقطة، تتقاطع معطيات الملف مع ما كشفه مستشارٌ سابق،
خرج ليصوّب ويغمز من باب بعض من يدور في فلك العهد،
طارحاً جملة تساؤلات عن بيانٍ نُشر ثم سُحب، وعن دور إحدى الوزارات التي استقدمت
معدات إلى بيروت وأعادت ترحيلها، لتعود وتستقدمها قبل أسبوعين من وصول الباخرة “روسوس” .
تشويق زاده تشويقاً، وفد الكونغرس الأميركي الثلاثي، خلال العشاء السرّي الذي أقامه نائب بيروتي،
تتقاطع الثورة وفريق العهد على تسميته رئيساً للحكومة في لحظةٍ ما، والذي أكد مواكبة التحقيقات
والوقوف إلى جانب اللبنانيين، معبّراً عن شوقه لمعرفة الحقيقة التي يسعى
“طارق البيطار الذي سمعنا بإسمه” لإظهارها، فيما ثمّة من يحاول
دفنها مع العدالة على يد تحالفٍ واضح ومعروف الإتجاه.
فهل ستتدارك الطبقة السياسية الوضع قبل فوات الأوان؟ هل ستعاود الحكومة نشاطها
وفقاً لوعد رئيسها، أم على الوعد يا كمّون؟ المعطيات في هذا الخصوص، ضبابيةٌ ومتناقضة بشدة،
مع ترجيح فرضية استمرار الشلل، طالما لم “يقبع” الحزب المحقّق العدلي، وربما معه رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود…
ففي رسالة الإستقلال، صوّب جنرال بعبدا على تقصير القضاء في عملية مكافحة الفساد،
وقبله حمل إستيذ عين التينة على “العدلية”، “التي لا تلتزم قواعد الدستور والقانون،
بعيداً عن التسييس والإستنسابية والكيدية والتطييف والتمذهب”. فهل يكون هذا التقاطع “النادر”
بين الرئيسين مقدّمة لتعديلات في الجسم القضائي ولتعيينات جديدة، في حفلة تقاسم جبنة جديدة،
تُفرج عن مجلس الوزراء؟ في لبنان كل شيء وارد عند تقاسم التعيينات، حيث يصبح الجميع أحباباً بسحر ساحر.