المصدر: المدن
يترقب المواطن اللبناني بإحباط ويأس، ارتفاع سعر صرف الدولار وانعكاسه على زيادة أسعار السلع، لا سيما المواد الغذائية. والى جانب جشع التجار والشركات وغياب الدور الرقابي الحازم للحد من تداعيات الأزمة، بدأ الحديث عن ارتفاع الدولار الجمركي ليضيف هماً جديداً على كاهل المواطن، في ظل ارتفاع عالمي لأسعار السلع الغذائية و”برمودا” البطاقة التمويلية!
بورصة الأسعار
في لبنان، لا تتأرجح “بورصة” أسعار السلع ارتفاعاً أو انخفاضاً، بل تسجل صعوداً دائماً حتى وصلت إلى مستويات قياسية.
وتشير آخر الاحصاءات التي أجرتها “الدولية للمعلومات”، إلى أن “الارتفاع الوسطي للأسعار وصل منذ بداية الأزمة عام 2019 إلى حوالى 677 في المئة، وتختلف النسبة بين سلعة وأخرى وبين مؤسسة وأخرى.
فمثلاً علبة اللبنة ارتفعت 840 في المئة، وصفيحة البنزين 1140 في المئة، واللحوم حوالي 400 في المئة، والبيض 1322 في المئة، أي السلة الغذائية ارتفعت وسطياً 677 في المئة”.
ومع الارتفاع اليومي لسعر صرف الدولار، وفي ظل ضعف الدور الرقابي لم يعد ينتظر التاجر لوائح المورِّد، وبات يعدّل الأسعار تلقائياً لتغطية فارق سعر الصرف. وفي هذا الإطار يشير نقيب مستوردي المواد الغذائية،
هاني البحصلي، إلى أنّ “أسعار المواد الغذائية تتغير عادةً بعد حوالى 5 أيام من
إرسال المستوردين لوائح الأسعار إلى “السوبرماركت”. لكن أصبحت التقلّبات
سريعة جداً بفعل ارتفاع الدولار بشكل سريع ويومي، مما جعل الشركات المستوردة تقدم لوائح شبه يومية للأسعار وفقاً لأسعار الصرف”.
هذا، وكانت نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان، قد حذرت من
“حصول تدهور كبير في الأمن الغذائي للبنانيين، ما يعني عدم تمكن نسبة لا يستهان بها منهم من توفير حاجاتهم الغذائية”.
ارتفاع عالمي
وما كان ينقص المواطن اللبناني إلا أزمة عالمية رفعت أسعار الغذاء
لتزيد من معاناته اليومية. فبحسب تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (فاو) لشهر تشرين الثاني،
تشير التوقعات إلى تواصل ارتفاع أسعار السلع الغذائية خلال العام الجاري، مما يرفع فاتورة الواردات
الغذائية عالميًا إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في 2021.
وقد ارتفعت أسعار السلع الغذائية في العالم إلى أعلى مستوى منذ 10 سنوات،
إذ إن هذه الأسعار وصلت إلى مستويات هي الأعلى منذ شهر تموز عام 2011، بحسب المنظمة.
وتتوقع المنظمة أن تصل فاتورة الواردات الغذائية على الصعيد العالمي
إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق، لتتجاوز 1.75 تريليون دولار بزيادة نسبتها 14 في المئة عن العام الماضي.
ويشير التقرير إلى إن المؤشر الذي يعتمد على دراسة حالة الأسواق العالمية
وأسعار المواد الأساسية مثل الحبوب والسكر واللحوم والحليب ومشتقاته،
أظهر ارتفاعا بنسبة تفوق 30 في المئة خلال 12 شهراً فقط. والسلع التي ساهمت
في ارتفاع مؤشر أسعار الأغذية ومؤشر فاتورة الواردات الغذائية هي أسعار الطاقة
التي زادت بنسبة 66 في المئة، والأسمدة بنسبة 22 في المئة والأعلاف بنسبة 56 في المئة.
وبحسب الخبير الاقتصادي أنيس بو دياب في حديث مع “المدن”، “يثير هذا التقرير مخاوف
من أزمة اقتصادية وغذائية طويلة المدى. فعدم اليقين بارتفاع أسعار النفط والسلع بسبب
المتحور الجديد من “كورونا” سيؤدي الى تذبذب في الأسعار. ولا شك بأن ذلك سيؤثر بشكل
مباشر على ارتفاع الأسعار في لبنان، لأن 80 في المئة من فاتورته الغذائية مستوردة من الخارج،
في وقت يعاني فيه المواطن اللبناني من أسوأ أزمة اقتصادية”.
الدولار الجمركي
وبالحديث عن ارتفاع الأسعار لا بد من الاشارة الى ما تقوم به الحكومة اللبنانية
من دراسة لزيادة نسبة الايرادات، ومن الخيارات المطروحة لذلك رفع سعر الدولار الجمركي. فبحسب “الدولية للمعلومات”،
فإن “الحكومة تخطط لرفع الدولار الجمركي من 1,507.5 حالياً إلى 12 ألف أو 14 ألف أو 20 ألف ليرة،
ويبدو أن سعر الـ 14 ألف ليرة هو الأكثر رجحاناً، وفي حال اعتماد هذا السعر سوف ترتفع الرسوم
بنسبة 833 في المئة وهذا ما يؤدي إلى زيادة في اسعار معظم السلع والبضائع بنسب مختلفة”.
ورغم أن عدداً كبيراً من المواد الغذائية معفي من الرسوم الجمركية،
الا أن “البنزين” سيتأثّر بهذا الارتفاع؛ وعليه سيقوم أصحاب الشركات والموزعين
برفع أسعار السلع تحت غطاء كلفة النقل المرتفعة. وهو ما أكد عليه الخبير الاقتصادي
أنيس ابو دياب في حديث مع “المدن”، مشيراً الى أن “بعض الشركات بدأت
برفع اسعارها احتياطياً، والتجار تلقائياً باتوا يحددون هامشاً من الربح والمخاطر،
فاليوم باتت تسعيرة الدولار لتجار المواد الغذائية أعلى بنسبة 10 في المئة
من سعر الصرف في السوق الموازية. وذلك بسبب غياب المؤسسات الرقابية التي ولدت حالة الفوضى التي نعيشها اليوم”.
ويتابع أبو دياب “أن السياسات المالية المتمثلة برفع الضرائب
لا يجب أن تكون عشوائية وترقيعية، إذ لا يجب رفع الرسوم والضرائب فقط
لزيادة نسبة الإيرادات؛ لأنه في حال حصل ذلك سيؤدي الى تخفيض القدرة الاستهلاكية”.
وقال: “لا أدعو لبقاء الضريبة ورسوم الجمرك كما هي الآن، ولكن يجب أن يكون هناك
جملة من الإجراءات الضرورية بالسياسات المالية لتسهيل الدورة الاقتصادية، وتأمين سياسات مستدامة، منها الحماية الاجتماعية”.
البطاقة التمويلية
ويأتي الارتفاع الصارخ والمستمر لأسعار السلع الاستهلاكية والغذائية،
وسط كذب الوعود بإصدار “البطاقة التمويلية” قبل رفع الدعم، بعد رفض مصرف لبنان إقراض الدولة أي مبلغ.
وقد صرح مؤخراً وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار، بعد اقتحام مجموعة
من المحتجين مبنى وزارته اعتراضًا على تدهور الاوضاع المعيشية،
أن في ما يتعلق البطاقة التمويلية، “قمت بعملي وأكملت اللّازم،
لأنّه كان هناك عمل لم ينتهِ، وسأزور رئيس مجلس النوّاب نبيه بري،
لطلب بدء التسجيل في بداية الشهر المقبل إذا أمكن”، مشيرًا إلى أنّ “تعديلات
في القانون 219، الّذي هو اتفاقيّة بين البنك الدولي والدولة اللبنانية،
أُجريت من الجانب اللّبناني لم يقبل بها البنك. لذا قمنا بتعديلات مرّة أخرى،
وكان يجب أن تمرّ في المجلس النيابي، لكنّنا لم نتمكّن من تمريرها بسبب
تعطيل النّصاب في الجلسة الأخيرة؛ وهذا سبب التأخير في إطلاق منصّة التسجيل للبطاقة التمويلية.
وإذا أخذنا موافقة استثنائيّة من بري، فسنبدأ فورًا”.
أما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي فما زال مستمراً في رحلة البحث عن مصادر لتمويل البطاقة!
وبين تصريح من هذا وتبرير من ذاك، وتعطيل لجلسات الحكومة، يبقى المواطن اللبناني أسير “مافيا” تحكمه وتشدد الخناق عليه.