“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
ينمو القلق بنسبة كبيرة عند الضفة السُنّية، ولسخرية القدر، غدا الرئيس سعد الحريري بعد “منازلة العزوف عن الإنتخابات” عدواً لسعد الحريري، حين اختار أن يترك جمهوره يتقلّب ذات اليمين وذات الشمال دون أن يرشده إلى الصراط المستقيم أو ينبس ببنت شفّة حول مستقبله!
هكذا، ضاع المجتمع في البحث عن إجابات لأسئلة وجودية: ما هو مصير ومستقبل الحريري، مستقبل “المستقبل” كتيار سياسي، ومستقبل الرجل كزعيم؟ وما زاد الطين بلّة، أن حالة التراخي في التيار الأزرق وعزوف الحريري كرئيسٍ له عن التعليق حول الأحداث السياسية، يثير تلك البيئة ويجعلها في تخبّطٍ وضياع مستمريّن، تشبه طريدةً تسير على غير هدى في مستنقع يعجّ بالوحوش، دون أي وسيلة اطمئنان.
البحث الآن يجب أن يتمّ حصره ضمن القاعدة التالية: ما هو الجدوى من التخلّي عن سعد الحريري في هذا التوقيت، واستطراداً من هو المستفيد –إن توفّر- من القضاء على حالة سعد الحريري؟
عملياً، سعد الحريري أصبح ضعيفاً وهذا واضحٌ، وهناك مجموعة أسبابٍ أدّت إلى ذلك: خسارته للحاضنة العربية/الخليجية، ومن أسبابها إفراطه في العلاقة مع “التيار الوطني الحر” والعهد وحزب الله، دور العهد والتيار في القضاء على الحريري سياسياً، حين أجهزَ عليه في حكومتين ومنع تأليف الثالثة، وسوء الإدارة سواء في التيار وعلى مستوى الطائفة، ما جعل من السُنّة يتسرّبون إلى خارج بيت الوسط.
لكن، هناك فارقٌ كبير بين أن تبقى ضعيفاً وموجوداً، وبين أن تغادر الموقع. تصبح هذه القضية مثيرةً للإرتياب حين ينتشر في محيطك أكثر من متربص، بنتظر الفرصة السانحة للإنقضاض على الموقع!
في حالة الحريري وتياره، ثمة أكثر من طرف يطمح لبلوغ الموقع: بهاء الحريري وحاشيته من طرف العائلة، و “كونسورتيوم” نهاد المشنوق – أحمد فتفت – معين المرعبي من أبناء الفريق السابق وبعيداً منهم أشرف ريفي، وآخرون من خارج الدائرة كـ”نجيب ميقاتي و السنّة المستقلين” أمثال فيصل كرامي و حسن مراد و فؤاد مخزومي، ولا يجدر إبعاد الإسلاميين عن قائمة المستفيدين طبعاً. ولعلّ أكثر هؤلاء تأثيراً وإمكانية من بين تلك المجموعة هو بهاء الحريري، الذي ما زال قياديو تيار “المستقبل” ينكرون وجوده رغم أنه يستقطب من صفوفهم!
عملياً، إن استثنينا كرامي ومخزومي ومراد عن قائمة المستفيدين من غياب الحريري، يصبح البديل غير مضمون، بديلٌ يشكّل نقزةً سواء للسنّة المعتدلين ضمن الطائفة من الذين يتهيّبون اللحظة ويخشون الفراغ،
وأيضاً بالنسبة إلى الثنائي الشيعي، لما يستبطنه أي تبدّل في الوضعية السياسية للطائفة السنية
من اختزان لعناصر الإشتباك معه. فأولاً وأخيراً، “حزب الله” وتحديداً الثنائي الشيعي بشكل أشمل،
لن يجد مصلحةً في الجلوس والتعايش مع طرف سياسي سُني يكن العداء له، أو أقلّه لديه نزعة تجاهه، نزعةٌ قابلة للتطور مع تطور الأحداث، وقد يجد طريقه إلى بلوغ مرتبة الشعبية بالنسبة إلى السنّة عامة.
هنا تحديداً، يُفترض أن الثنائي الشيعي يحتسب الأضرار، ومضار خطوة انسحاب الحريري ومدى تأثيرها،
وأثمان دفعه باتجاه اتخاذ هذا الخيار أو بلوغه. ولعله -أي الثنائي-
لا يريد إحراج الحريري بمدّه بجرعات دعم صريحة وواضحة عملاً بفرضية
أنها ستغرقه أكثر تبعاً للإشتباك الحاصل والاتهام الموجّه إلى الحريري بـ”مراعاة حزب الله”.
مع ذلك، لا بدّ من أن تكون هناك خطة بديلة، تثبّت سعد الحريري في موقعه ضمن ظروفٍ معينة
دون أن تظهر أصابع الثنائي، الذي أولاً وأخيراً ،
لديه مصلحة في بقاء سعد الحريري حيث هو، ليس حبّاً وإنما خشية من البدائل المتوفّرة.
وعلى الأرجح لا تخدم “الثنائي” وضعية الضعف الهائل التي يعاني منها الحريري اليوم،
كذلك لا يفيده فائض القوة في حال بلوغه إياها لاحقاً، وهذا يفرض
بطبيعة الحال فرض “توازن” معيّن في مصادر القوة دون بلوغها مستويات رفيعة وإنما تشذيبها.
نموذجٌ على هذه الصورة يُغذّي تأزيم العلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”.
فبالنتيجة، يعتبر التيار، بأنه حقّق مكتسبات من جراء إبعاد الحريري عن الساحة السياسية.
ولا ريب من أن خطاب التيار الداخلي، يحتفي بإخراج سعد الحريري ويعتقد بأنه انتصر
على “ضلع من أضلع الترويكا”. وطبعاً، لن يجد التيار فائدةً من إسناد الحزب للحريري بأي شيء،
ولعلّه لا يتفهم استراتيجية “حزب الله” ولا مخاوفه وأيضاً رؤيته، وعلى الأعمّ الأغلب
لا يعيرها أي اهتمام، ولا يبدو أنه سيكون ملازماً أو متسامحاً مع الحزب
في حال مضى هذا الأخير في سياسة “تثبيت حضور سعد الحريري”.
ولا ريب، أن ثمة مخططٌ لدفع البيئة السنية صوب التخلّي عن سعد الحريري
وهو ما يخشاه “الثنائي الشيعي” عامةً ،عملاً بالنتائج المترتبة عن أي تغيير في
الوضعية السنية، ورغبة لدى بعض “البدلاء” في تكريس
خطاب سياسي مختلف لدى الشارع السني، وهذا يتقاطع مع توجهات بهاء الحريري
ونهاد المشنوق وأشرف ريفي، وتحديداً الأول الذي يتمتع بخطاب صريح تجاه الحزب ،
كما أنه يمتلك القدرة والأموال على تعزيز الخطاب ورفده بالجموع الشعبية.
كل ذلك يقود إلى بلوغ الطائفة السنية عامةً نقطة الإشتباك حول وضعية البديل لاحقاً.
كذلك، ثمة مسؤوليةٌ تقع على الحريري. ففي حال أراد المحافظة على وراثته لوالده،
عليه أن يكون أكثر صراحة في مواجهة شقيقه وتثبيت الحالة السنّية على
ما هي عليه وإبعاد شبح انزلاقها نحو أهدافٍ، هو يعلم أنها تستهدفه بالدرجة الأولى.
ولعلّ ذلك يبدأ أساساً في مصارحة قاعدته وإعادة مخاطبتها من جديد دون الإبتعاد عنها كما يحصل اليوم في تكرار لسيناريو 2011.