بقلم نهلا ناصر الدين – أساس ميديا
هل بات “لبنان مقرّاً للجريمة المنظّمة” أو ممراً لها على الأقلّ؟
يبدو الجواب على هذا السؤال مزعجاً. أن يعرف اللبناني أنّ بلاده باتت تشبه بلدان أميركا اللاتينية المشهورة بتجارة المخدّرات وتصنيعها، بعدما كانت تشتهر بتصدير الأدمغة والكفاءات العلمية والمستثمرين ورجال المال والأعمال… اليوم بات لبنان على لائحات سوداء حول العالم، باعتباره مركز تصنيع وتهريب المخدّرات. إلى درجة أنّ لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، صدر عنه بيان دعا خلاله الطرفان “ألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدرات”.
هذا الكلام تؤكّده أرقام أجهزة الأمن اللبنانية، وليس السعودية أو الفرنسية وحسب. فبحسب أرقام خاصة حصل عليها موقع “أساس” من قوى الأمن الداخلي، تم ضبط 8 عمليات تهريب أموال مزيفة خلال العام 2021. ومن 1/1/2021 حتى 31/10/2021 تم ضبط 1609 موقوفين من جنسيات مختلفة (موضحة في الجدول المرفق في آخر المقال) بجرم المخدرات، بين مزارع ومصنّع ومهرّب وتاجر وناقل ومروّج ومتعاطي وتصنيفات أخرى.
وأهم مضبوطات المخدرات والمؤثّرات العقلية خلال الفترة نفسها، تتوزّع على 14 نوعاً، بين الحشيشة (9723.023 كلغ)، كوكايين (24.245 كلغ)، هيرويين (4.855 كلغ)، ماريجوانا (15.915 كلغ)، سيليفيا (6.793 كلغ) وزيت الحشيشة (2.18 كلغ). ومن المؤثرات العقلية: سجائر الحشيشة (76 سيجارة)، حبوب MDMA (9 حبات) حبوب كبتاغون (20.322.200 حبة) حبوب ترامادول (57.259 حبة)، حبوب البنزكسول (310 حبات)، حبوب الترامال (472 حبة) وحبوب مجهولة (11971 حبة). (مفصّلة بالجدول المرفق في آخر المقال)
علماً أن هذه الأرقام محصورة بمكتب مكافحة المخدرات في قوى الأمن الداخلي، ما يعني أن أجهزة أمنية أخرى لديها المزيد من المضبوطات.
وقد تصدّى مكتب مكافحة المخدرات المركزي والمكاتب الفرعية في قوى الأمن الداخلي لـ7 عمليات في أماكن مختلفة من لبنان خلال 2020، لتهريب حبوب الكبتاغون. هذا عدا عن العمليات “الناجحة” التي لم تعلم بها الأجهزة، والتي قد يكون عددها أكبر بأضعاف من عدد العمليات التي نجحت قوى الأمن في كشفها وإحباطها.
أكثر العمليات تكراراً شهدها مطار رفيق الحريري الدولي. وتختلف الأنواع بين محاولات تهريب حبوب كبتاغون بمعظمها، وحبوب أمفيتامين (منشطات لمركز المخّ والجهاز العصبي)، وحبوب إكستازي (مخدّر منشط يُعرف بـ”عقار النشوة”)
أما الكمّيات فتتراوح بين مئات الحبوب وبين ملايين الحبوب. وأكبر كمية تم ضبطها في العام 2020 كانت في شهر تموز، حين تم ضبط 4 ملايين و164 ألف حبة كبتاغون في مرفأ بيروت، مخبأة داخل قضبان حديد، وكانت وجهتها أفريقيا، وكان يحاول تهريبها شخص سوري الجنسية.
وكان لبنان مكان النقل ومنشأ هذه الحبوب في معظم العمليات التي تم ضبطها، أما الوجهات فاختلفت بين بريطانيا، الولايات المتحدة الأميركية، أفريقيا، أستراليا، السودان والكويت، عبر مهربين سوريين أو لبنانيين.
ما هي الجريمة المنظّمة؟
بدايةً لا بدّ من تبيان معنى مصطلح الجريمة المنظّمة الذي تُعرّفه الموسوعة الحرّة بالقول:
“الجريمة المنظّمة هي فئة من التجمّعات لشركات ومشاريع عالية المركزية. وتكون هذه
التجمّعات إمّا محلّية أو دولية عابرة للحدود. وتُدار هذه الشركات عن طريق المجرمين
الذين ينوون الانخراط في نشاط غير قانوني في أغلب الأحيان، ويكون هدفها
جمع المال وتحقيق الربح. وبعض المنظّمات الإجرامية، مثل الجماعات الإرهابية،
تكون لها دوافع سياسية. وفي كثير من الأحيان تجبر هذه المنظمات الإجرامية
الناس على القيام بأعمال تجارية معهم كأن تقوم عصابة بجمع الأموال من أصحاب المحلّات تحت مسمّى “الحماية”.
وصلت تحذيرات عديدة من عدد من الدول الغربية والعربية إلى الأجهزة الأمنيّة اللبنانية
تفيد أنّ لبنان يتحوّل تدريجياً إلى ممرّ ومقرّ للجريمة المنظّمة. وتتوقّع هذه الدول الأسوأ
مع دخول البلاد عزلة الانهيار النقدي الحادّة، في ظلّ فلتان أمنيّ وسياسي واجتماعي ودبلوماسي
مقابل التعريف العلمي للجريمة المنظمة يعرِّف قائد الشرطة القضائية السابق
العميد أنور يحي لـ”أساس” الجريمة المنظّمة بأنّها “الجريمة التي يرافقها تخطيطٌ للقيام بالعمل، وهي ليست فورية
ولا تحدث بالصدفة.
وهي إمّا أن تكون جريمة وطنية
أو جريمة عبر الحدود. وتسمّى الأخيرة transnational organized crime. الأولى يخطِّط فيها شخص أو عدّة أشخاص لارتكاب جريمة معيّنة كالاغتيال، السرقة، أو التزوير… وهذه جريمة تكون
أبعادها ضمن الوطن. والثانية هي الجريمة التي تتخطّى حدود الوطن، مثل تهريب الكبتاغون
بين لبنان ودولة أخرى. وهي تستوجب التنسيق بين أشخاص يخطّطون ويهيِّئون الموادّ للتهريب،
وأشخاص في المطار أو المرفأ لتسهيل التهريب، وأشخاص في الدول الأخرى لتسلُّم وتوزيع المخدِّرات، ويكون الهدف منها جني المال”.
يقسِّم يحيى أنواع الجريمة المنظّمة إلى جرائم ماليّة، أمنيّة سياسية، وسيبرانية.
في لبنان توجد عدّة أنواع من الجرائم، مثل المخدِّرات، السلاح، الاتّجار بالبشر (الدعارة)،
وتزوير أوراق السيارات التي تأتي من أوروبا، والهدف منها جميعاً جني المال. ويتشارك أكثر من شخص
في التخطيط المتقن لها، ويكون التنسيق بين أكثر من فريق لإنجاحها. والأخطر في لبنان اليوم هي
جرائم الفساد وسرقة المال العامّ. أمّا أكثرها رواجاً فهي جرائم المخدِّرات وتهريب الأموال أو تزويرها.
فماذا تقول الأرقام عن الجريمتين المنظّمتين الأكثر رواجاً في لبنان؟
على سبيل المثال لا الحصر، مرّ ما يقارب شهر على توقيف مسافر يحمل الجنسية التركية
في مطار رفيق الحريري الدولي، وبحوزته 220 ألف دولار أميركي مزيّفة،
وسبق ذلك في حزيران الماضي محاولة تهريب 480 ألف دولار مخبّأة داخل أمتعة قام بها 3 مواطنين كانوا يغادرون الأراضي اللبنانية متّجهين إ
لى تركيا أيضاً. وفي نهاية العام الماضي، أُحبِطت محاولة تهريب 100 ألف دولار أميركي،
نفّذها أحد المسافرين وهو يغادر الأراضي اللبنانية إلى تركيا. وقد تزامن ذلك مع تهريب منظّم للكبتاغون
عبر مرفأ ومطار بيروت. إذ هُرِّب أكثر من 5.3 ملايين حبّة في نيسان الماضي، في ما عُرِف بـ”عمليّة الرّمّان”،
إلى المملكة العربية السعودية. ثمّ كان تهريب 250 ألف حبّة كبتاغون مخبّأة داخل مضخّات
مياه كهربائية صغيرة الحجم، في حزيران الماضي، إلى السعودية أيضاً. وضُبِط في المطار،
مع بداية العام الجاري، 861 كلغ من مادّة حشيشة الكيف، و812 ألف حبّة كبتاغون مخبّأة في
براميل شحوم للسيّارات، كان يحاول القائمون عليها تهريبها إلى إحدى الدول الإفريقية.
اساس ميديا
ad