في إنتظار حلٍّ لن يُولد لعقدة استئناف جلسات مجلس الوزراء، رغم كل الأمنيات والدعوات، وبينما الجمود السياسي
الحكومي الداخلي على حاله، استمرّت المتابعة الرسمية لنتائج القمة الفرنسية – السعودية، حيث تستمرّ ألغاز السياسة الفرنسية بالتوالي وليس آخرها، التعامل غير الديبلوماسي مع رئاسة الجمهورية، مع تراجع الرئيس إيمانويل ماكرون، عن
وعده بالتواصل مع رئيس الجمهورية، لإبلاغه بمضمون المحادثات في الرياض، بحجّة عدم اكتمال المبادرة، موفداً
سفيرته إلى بعبدا للقيام بالمهمة.
فمنذ الإتصال الثلاثي، وسوء الطالع يلاحق الرئيس نجيب ميقاتي، إذ بات واضحاً ان “ما في شي زابط معه”، بل على
العكس “سكّرت بوجهه أكتر”، ما يهدّد مشروعه بكل أوجهه السياسية والإقتصادية، ف”لا مع ستّو مخلّص ولا مع سيدو
بخير”، بعدما انقلبت أمور الإقليم رأساً على عقب، ف “داب مرج الوعود وبان مرج الوقائع المرّة.
صحيحٌ أن ساكن السراي، عقد سلسلة اجتماعات في رسالةٍ إلى الخارج، تحديداً السعودية وفرنسا، عن جدّيته في الوفاء
بما التزم به، والذي لم يصمد سوى لساعات، قبل أن يفتح “حزب الله” عبر مقدّمات أخبار “المنار”، النار عليه ومن العيار
الثقيل، في ردّ واضح على عدم رضى الحارة عما أُنجز، وصدر من بيانات رسمية وردود فعل محلية عليها، وإن كانت
الأخيرة تدرك أنها ستبقى حبراً على ورق، طالما أن مفاتيح الحلّ والربط الفعلية هي في الضاحية، صاحبة القرار الفصل.
ولتكتمل سوداية المشهد، جاء سقوط مشروع قانون ال “كابيتال كنترول” اللقيط في ساحة النجمة، الذي عمل على
تركيبه قطعةً قطعة فريق الميقاتي، بحسب مصادر نيابية، مشيرةً إلى أن اتصالات السراي، كانت قد خلُصت عشية
جلسة اللجان، إلى أن القانون سيمرّ بعدما أبدت كتل “لبنان القوي”، “المستقبل” و”الثنائي الشيعي” تأييدها له، لتمحو
نقاشات النهار كلام الليل، ما أثار غضب رئيس الحكومة، مع سقوط المدماك الأساسي لخطته الإقتصادية على يد
الحلفاء، بسبب المزايدات الشعبية الإنتخابية.
قرار معاقبة رئاسة الحكومة على ما “أنجزته” مع الرياض، تقاطع على ما يبدو، مع سلسلة تطورات داخلية، أسقطت
الصفقة السلّة، التي كان رُوّج بأن رئيس “التيار الوطني الحر” قد قبل بها، نتيجة إغراءات رئيس المجلس نبيه بري، الكثيرة التي قُدمت، قبل أن يعود ويتراجع عنها لأسبابٍ مجهولة، رجّحت بعض الأوساط أن يكون مردّها إلى أسلوب التجاهل الفرنسي المُعتمد لمقام رئاسة الجمهورية، وثانياً الموضوع الإنتخابي، وثالثاً عدم رغبة البرتقالي بالذهاب في مسألة مواجهة الغرب إلى حدّ تطيير التحقيق في ملف المرفأ. فكان الثمن مرةً جديدة من حساب “النجيب”، الذي لم تصل “فرحته بحكومته إلى قرعته” قبل أن تقع رهينة “حزب الله”، رغم محاولته الإستباقية في التخفيف من وطأة النكسة بقوله “الحكومة عم تشتغل، أمّا مجلس الوزراء فواقف”، وهو كلام حقٍّ يُراد به باطل، إذ في مكان ما، تصيب
شظايا هذا الكلام جنرال بعبدا ، رئيس مجلس الوزراء عندما يحضر، علماً ان الوقائع تُثبت أن المجلس نفسه بصيغة
الحكومة، أي برئاسة ميقاتي، عاجز عن الإجتماع.
عند هذه النقطة، تُطرح الكثير من علامات الإستفهام، هل في ذلك مصلحة للرئيس ماكرون؟ وهل قصد بطريقة
إخراجه للمصالحة المزعومة الدفع في هذا الإتجاه، ما يريحه بعد وصول رجله مُثخناً بالجراح إلى السراي؟ وهل ما يحصل مقدّمة لما ستكون عليه الأوضاع إن لم يكن “بكرا فبعدو أكيد” مع إعادة الحياة إلى بدعة المراسيم الجوالة؟
والأهمّ، أليس في ما يحصل مصلحة للإيليزيه أخرجتها “من مغطس” فشل التشكيلة، ليقدّم لها الحزب على طبق من فضّة، الخروج الآمن؟
هنا، تكشف مصادر واسعة الإطلاع، أن رئيس الجمهورية، وفي ظلّ الدرك الذي وصلت اليها الامور ، ومحاولة البعض
الضغط من أجل تمرير تسويات مخالفة لمبادئ الدستور، أبلغ المعنيين من الوسطاء، قراره بعدم التوقيع بعد اليوم على أيٍ من الموافقات الإستثنائية التي تُرفع إليه ، فبعبدا ليست في وارد تكريس سوابق غير دستورية وأعرافٍ “همايونية”، تحت حجّة تسيير المرافق العامة، تُعتمد عادةً في ظلّ حكومات تصريف الأعمال، وهو ما لا ينطبق حالياً إذ أن الحكومة كاملة الأوصاف والمهام، إلاّ إذا كان البعض يعتبرها بحكم المستقيلة، فليبادر ويعلن ذلك، ليُبنى على
الشيئ مقتضاه، محذرةً من أن محاولات إمساك الرئاسة من “اليد التي توجعها” لن تنفع، داعيةً إلى عدم الرهان على
أن عدم انعقاد الحكومة هو ضعفٌ للعهد.
إذن في المحصّلة خاب الوزير المستقيل مرةً جديدة، “فما زبطت معه”، إذ أن الرئيس ميقاتي، وحتى الساعة، لم يربح
المليار الذي لن يأتي، وطيّر المليون الذي لم يكن أصلاً، متساوياً في الخسارة وزارياً ونيابياً، بعدما أصبح مفتاح
الحكومة بيد القاضي طارق بيطار، القادر وحده، بعد المعجزة الإلهية، إعادة الوزراء إلى الطاولة “بالجملة مش بالمفرّق”، والذي يبدو أنه سيبقى “عشم إبليس في الجنّة”.
المصدر: ليبانون ديبايت