المصدر: نداء الوطن
بالأمس، أطلق المصرف المركزي العنان لتفشي جائحة “تذويب الودائع” بالعملات الأجنبية في المصارف اللبنانية، فارضاً “تحوّراً” جديداً في بدعة “اللولار” يرفع سقف السحوبات النقدية بموجب التعميم 151 إلى 8000 ليرة للدولار المصرفي الواحد تحت سقف إجمالي لا يتعدى سحب 3000 دولار شهرياً، فانتعشت على الفور أعمال السوق السوداء لامتصاص الكتلة النقدية الناتجة عن الفارق بين تسعيرة الـ3900 ليرة القديمة للسحوبات والتسعيرة المستحدثة، وانطلق تالياً سعر صرف الدولار في رحلة صاروخية جديدة بلغت مدار الـ26 ألف ليرة مساءً مع ما سيستتبع ذلك من ارتفاع مضطرد في الأسعار الاستهلاكية يقابله انهيارات دراماتيكية في قدرة المواطنين الشرائية.
وإذا كان صحيحاً أنه لم يعد مقبولاً أن تبقى السحوبات المصرفية النقدية من الحسابات بالعملات الاجنبية
عند مستويات متدنية تبخس حق المودعين بفوارق فلكية بين تسعيرة اللولار وسعر الدولار، لكنّ الصحيح
أيضاً أنه ليس من المقبول رفع هذه السحوبات اعتباطياً في ظلّ غياب الإصلاحات وخطط الإنقاذ الحكومية والمالية. ورغم ذلك كان
وقع خبر زيادة قيمة السحوبات الدولارية بالليرة اللبنانية إيجابياً على المستفيدين
من مفاعيل التعميم 151، وخصوصاً أولئك الذين يسحبون رواتبهم من المصارف على أساسه،
لكن سرعان ما ستنهش أنياب “الاقتصاد المتوحش” هذه الزيادة وستتآكلها الأسعار وكلفة
المعيشة مقابل تدنّي قيمة العملة الوطنية مع كل وثبة للدولار في السوق السوداء.
ويلفت الخبير الإقتصادي وليد ابو سليمان إلى أنّ خفض سقف السحوبات المصرفية
من الحسابات بالعملة الأجنبية يعني أنّ المودعين الذين يحتاجون إلى سحب المزيد
من الأموال لمجاراة ارتفاع الأسعار سيحصلون عليها على سعر صرف الـ1500 ليرة،
منوهاً في الوقت عينه بأنّ “المصرف المركزي نفسه سبق أن حذر من الإقدام على
خطوة زيادة تسعيرة السحوبات المصرفية وفق التعميم 151 نظراً لتداعياتها التضخمية الأكيدة”.
في جميع الأحوال، ينضمّ هذا الإجراء الجديد إلى سلة “الحلول الترقيعية” المفروضة قسراً على اللبنانيين
في ظل انعدام النوايا الجدية لتطبيق حلول جذرية وتنفيذ خطط إصلاحية شاملة لتطويق مفاعيل
الأزمات المستفحلة في البلد، على أن خطة مافيا المال والسلطة كانت وستبقى بحسب الخبراء استنفاد
أرصدة المودعين حتى آخر “سنت” تحت وطأة هيركات قسري كان يتجاوز الـ500% مع السحوبات
وفق تسعيرة الـ3900 ليرة، وانخفض اليوم مع رفع سقف السحوبات إلى 8000 ليرة ليناهز نحو 212% نسبةً إلى
سعر 25000 ليرة في السوق الموازي للدولار، والذي من المتوقع ألا يتأخر في إعادة رفع هذه النسبة عاجلاً وليس آجلاً.