في لبنان ..منحى انتحاري: “عليّ وعلى أعدائي”؟!

المصدر: المركزية

قبل ساعات قليلة على وصول الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريش الى بيروت، تترقب الأوساط السياسية والدبلوماسية باهتمام بالغ الاهتمام الدولي بلبنان وحضور أزمته على جداول اعمال القمم العربية والغربية عدا عن المواقف المتفرقة الصادرة عن العواصم الكبرى وتحديدا واشنطن التي واكبت الحراك الاوروبي والخليجي بسلسلة من المواقف الداعمة لها قبل ان يكتشف الجميع الإستراتيجية الاميركية الواضحة في المنطقة.

وتعتقد مراجع دبلوماسية غربية في بيروت ان مرد ذلك يعود الى مجموعة المبادرات والاتصالات التي يواصلها الفاتيكان منذ منذ احتفالية “يوم الصلاة من أجل لبنان” (1 تموز 2021)  واسـتانفها مطلع تشرين الثاني الماضي قبل ان يقوم الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بجولته الخليجية مستحضرا الملف اللبناني في العواصم الأكثر تأثيرا في مجلس التعاون الخليجي. وهو حراك قاد الى تبني المبادرة الفرنسية – السعودية وحصيلة جولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على عواصمها بالإعلان النهائي لأعمال القمة منتصف الأسبوع الجاري والتي تبنت مسلسل الافكار والنصائح والشروط المطلوبة لاستعادة لبنان علاقاته الطبيعية مع الخليج العربي وعواصم العالم ومعها الثقة المفقودة بالدولة ومؤسساتها.

على هذه الخلفيات، ربطت المصادر الدبلوماسية المطلعة بين هذه التحركات وما تضمنته سلسلة من التقارير الدولية والاممية التي حذرت من المنحى الذي اتخذته التطورات في لبنان. فحجم الأزمات الاقتصادية والنقدية والمعيشية والصحية التي تعيشها البلاد قد بلغت الذروة وهددت حياة الآلاف من اللبنانيين الذين فقدوا التغطية الصحية والاجتماعية ويواجهون غلاء الخدمات اليومية وهي التي رفعت من منسوب الاهتمام الدولي بلبنان. وكل ذلك ظهر واضحا  قبل ان يقوم المسؤولون بما عليهم من خطوات سبق لهم ان تعهدوا بها في أكثر من مناسبة اقليمية ودولية وقد قادهم الانقسام الحاصل بين اهل الحكم والحكومة الى تكريس الشلل في العمل الحكومي وعكر العلاقات الطبيعية التي يجب ان تقوم بين السلطات الدستورية وتعطيل عمل المؤسسات التي افتقدت الخدمات البديهية التي تقدمها للبنانيين عدا عن التهديدات التي مست وحدة السلطة القضائية ومعها الوضع الامني

ولهذه الأسباب وغيرها – تضيف المراجع الدبلوماسية – لتقول ان الاهتمام الدولي الذي أعاد توفير الضمانات الدولية التي تحدث عنها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي امس لمنع سقوط لبنان  ليست مستدامة فهي مرهونة بمجموعة من الخطوات التي تعثر لبنان وما زال بالايفاء بها. وإن طلب الحد المزيد من التفاصيل فهي تعيد التذكير بالوعود التي قطعت لاعادة النظر بآلية العمل في القطاعات الإنتاجية والخدماتية الكبرى كالكهرباء التي استنزفت ثلثي الدين العام والعجز عن وقف الهدر في المرافق العامة إلى ان أفلست الدولة وبدأت البحث في تقليص موازنتها التي باتت تهدد السلك الدبلوماسي والقطاع العام بشكل خطير.

ومن هنا برزت اهمية الترقب الدولي لحجم الأزمة، فبادرت “مجموعة العمل الدولية من اجل لبنان” ومعها الدول العربية والمؤسسات الاممية الى  مساعدة القوى العسكرية والأمنية من اجل تجاوز الازمة المالية التي تهدد نشاطها في حفظ الامن والسلم الداخلي مخافة انعكاسات ما يمكن ان يجري على امن المنطقة والعالم ومخافة ان يتحول لبنان الى بؤرة تصدير للنازحين الى دولهم مع ما يمكن ان يستجره الخوف من عودة الارهاب الى ساحته. فالرهان على السلطات الحكومية والسياسية سقط منذ فترة طويلة ولم ينجح اهل الحكم باستعادة الحد الأدنى من الثقة الدولية والاقليمية بهم.

ومن هذه المؤشرات يمكن التوقف عند مضمون الاعلان الاميركي غير المسبوق الذي صدر عن البيت الابيض الذي تحدث بلغة حازمة للمرة الاولى والتحذير بان “لبنان يسير نحو الفشل” كاشفا للمرة الأولى عن الدعم الأميركي لبعض المبادرات ولا سيما المبادرة الفرنسية ليذهب ابعد منها الى التهديد بـ “فرض عقوبات على السياسيين الفاشلين” ومضى ليقول “أننا لا نريد رؤية دولة فاشلة في الشرق الأوسط، كاشفا عن مؤشرات على أن لبنان يسير نحو الفشل”.

والى الموقف الواضح للبيت الابيض فقد رافقته الخارجية الأميركية بموقف حاد ايضا عندما اعتبرت

أن “استمرار وجود حزب الله في الحكومة اللبنانية، يعيق العمل الحكومي الفعال في مكافحة

الحوادث الإرهابية المرتبطة بالحزب”. كما جددت التاكيد على ان “حزب الله يواصل التخطيط

لهجمات والانخراط في أنشطة غير مشروعة حول العالم”، وأعاد التذكير بمضمون مذكرة

صدرت العام 2020، عن  لجنة التحقيقات الخاصة المكلفة بتنفيذ العقوبات المتعلقة

بالإرهاب ضد العديد من أعضاء وممولي حزب الله، بما في ذلك فرض عقوبات

على شركتين لبنانيتين تابعتين للمجلس التنفيذي لحزب الله واخرى طالت الوزيرين

السابقين يوسف فينيانوس وعلي حسن خليل بسبب تقديم الدعم المادي لحزب الله”

والى الملاحظات الأميركية القاسية، لم يغفل المراقبون الدبلوماسيون التحذيرات

الفرنسية القاسية التي تلقاها المسؤولون في أعقاب الجولة الرئاسية الفرنسية

في الخليج والتي لم يكشف عنها صراحة بما فيها مضمون الرسالة التي وجهها

الرئيس ماكرون الى رئيس الجمهورية وما تلاها من حراك على الساحة اللبنانية بتنسيق واضح مع السفارة

الاميركية والمؤسسات الدولية المانحة التي رفعت من جهوزيتها لمواجهة حالات

الفقر والجوع والمبادرة الاميركية غير المسبوقة لمواجهة ترددات وتداعيات أزمة

الكورونا التي عادت تتفشى في لبنان مهددة بانهيار القطاع الصحي الذي يعمل

باقل من نصف طاقته لأسباب مالية وإدارية نتيجة النقص الحاد في الجسم الطبي

والتمريضي وكلفة الاستشفاء وعجز المؤسسات الخاصة عن تغطية فروقات الطبابة للعسكريين والمدنيين على حد سواء.

ليس في ما سبق ما يدعو الى الارتياح فللدعم الدولي هذه المرة سقف

وحدود وإن لم يلاقيها المسؤولون بما عليهم من خطوات عاجلة وجدية سينتهي

في وقت قريب. فالعقوبات على الأبواب والاستحقاقات المقبلة ستشهد

بما يمكن ان تؤدي اليه هذه الهجمة الدولية التي رفعت لواء الخدمات الانسانية

بمعزل عن المؤسسات الرسمية والحكومية والتي  يستخف بها البعض

او يتجاهلها في محاولة لربطها بالانتخابات النيابية المقبلة لتغليب فريق على آخر.

وختاما تنتهي المراجع الدبلوماسية لتعترف بأن لبنان أمام مفترق خطير وأن اي

محاولة لتعطيل الاستحقاقات المقبلة بالأدوات والخطوات التقليدية ستزيد الامور سوءا.

وهو امر غير مستبعد فهناك توقعات بمنحى انتحاري قد يقوده بعض

اهل السلطة على قاعدة “علي وعلى اعدائي يا رب وليكن ما يكون”

Exit mobile version