بقلم سيمون أبو فاضل – Alkalima Online
قبل انتهاء نشرات الأخبار التي تناولت مغادرة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “معصّب” من عين التينة، إثر خلاف مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، حتى بدأت التسريبات من جانب ميقاتي بأن الاجتماع كان جيدا مع بري ولا إشكال بينهما.
لم يكن سبب “زعل” ميقاتي أو “تمثيليته” لأن التسوية تمت بين رئيس الجمهورية المسيحي ورئيس مجلس النواب الشيعي برعاية حزب الله، وتغييب رئيس الحكومة السني، الذي طالما شدد ميقاتي مع “نادي رؤساء الحكومة السابقين” على احترام موقعه ودوره.
فميقاتي، اسوة بزملائه في النادي لا يتحمل الخلاف مع بري نظرا لحجم الرجل ونفوذه الواسع في الدولة على الأصعدة كافة، فكيف بالحري إذا كان أحدهم خائفا، مثل ميقاتي، على مصالحه وسمعته وبري قادر على إثارة ملفاته. لذلك استلحق رئيس الحكومة ذاته بالكلام عن علاقة جيدة مع رئيس المجلس، وهو الأمر الطبيعي الذي يفترض ان يحكم العلاقة بين سائر مسؤولي الدولة لتلبية مصالح المواطن، سيما في هذه المرحلة الصعبة.
وفي موازاة ذلك، إذا كان ميقاتي سعى لإضفاء أجواء إيجابية على الاجتماع مع بري فلأنه لم يسبق لأي مسؤول لبناني أن بادر الأخير بهذه الطريقة طيلة وجوده في عين التينة .
فميقاتي أمام مأزق كبير ينهي حياته السياسية وهو الطامح لأن يكون له دور واسع طالما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في سدة الرئاسة ويسعى لحمايته وتأمين علاقات واتصالات له، وإن كانت دون آفاق، على غرار اتصال ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان به بعد إلحاح من ماكرون بالتكلم معه عبر هاتفه
إذ في خضم الحراك لعقد الصفقة التي كان الثنائي “رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل”، يسعيان من خلالها للإطاحة بكل من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، مع تحجيم المحقق العدلي في قضي انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار، إذا ما أوعز بري للعضوين
الشيعيين في المجلس الدستوري باستكمال العدد اللازم عقب تأمين النصاب للإطاحة
بحق المغتربين في الاقتراع، وهو الأمر الذي يقلق باسيل ويرعبه حيث يفضّل اعتماد خيار انتخاب
المغتربين لستة نواب بدلا الـ128.
وقد وصلت إلى ميقاتي، حسب أوساط سياسية متابعة لملف الصفقة، رسائل مفادها
“إنك للمرة الثالثة تتولى رئاسة حكومة نتيجة تسوية وليس نتيجة قوتك الشعبية أو السياسية،
على غرار حكومتي العام 2005 والعام 2011، حيث لا زالت حكومته قبل الأخيرة مصبوغة
بانتشار القمصان السود التي أتت به رئيسا يومها وانتهى بالاستقالة.
وحاليا، تتابع الرسائل وفق الأوساط، “تأتي رئيسا للحكومة للمرة الثالثة ولا تستطيع أن تقلّع
في عملك في حين أن الوقت مناسب لك طالما أن غريمك رئيس الحكومة السابق سعد الحريري
في واقع سياسي حرج. إذا بإمكانك أن تعيد تفعيل الحكومة وتضع نفسك على خط التقاطعات
الإقليمية والدولية إذا ما نجحت هذه الصفقة كاملة، بانتهاء التعيينات التي يريدها باسيل”،
ولكن ميقاتي الذي كان يود أن تنعقد الحكومة كاملة معززا بموقف أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش،
سمع من بري كلاما عن استقالة الوزراء الشيعة مما وسع المسافة أمام انعقاد
جلسة حكومية التي يود عقدها وقصد بري للحصول على موافقته.
العالمون بموقف ميقاتي يقولون أنه لا يستطيع أن يتحمل هذه التسوية، فهي بداية تشكّل
إجهاضا لعمل القاضي البيطار في ظل رأي عام واسع متضامن معه، بما سيجعله يصنف
كحامل لدم الضحايا وبائع لقضية المرفأ بما تضم من متضررين وجرحى.
كما أن ميقاتي لا يستطيع، تجاه الفرنسيين والمجتمع الدولي، الظهور بأنه عقد صفقة
مع الثنائي وتحديدا حزب الله للإطاحة بسلامة وعبود بعد الحملة عليهما من هذا الفريق، في ظل المتابعة الدولية لهذا الملف.
وأيضا ما يسقط ميقاتي من حساباته الأساسية، الموقف السعودي والخليجي
الجامع الذي يشكو من هيمنة حزب الله و بدا أنه يتضامن مع أهالي الضحايا ويؤيد كشف الحقيقة،
وثمة مواقف وتغريدات
واضحة للسفير السعودي وليد البخاري في هذا الحقل، أي ان رئيس الحكومة
الذي ينام ملء جفونه حتى اليوم على محادثة الأمير محمد بن سلمان له ستنتهي
حياته السياسية نتيجة تقاطع خليجي – غربي إذا ما دخل في هذه التسوية التي تقضي عليه،
خلافا لتشجيع الثنائي الشيعي له بأن التسوية تثبته رقماً صعباً بحيث يصبح حاجة ملحة دائمة
لهما على غرار ما حصل مع الحريري ، وهي وعود لم تغر ميقاتي، لأنه يعلم مضاعفاتها السياسية والشخصية عليه.
إذ ان ميقاتي يأخذ بعين الاعتبار بأن الانتخابات الفرنسية قد تحمل مفاجآت لا تعيد الإدارة
ذاتها ويصبح عندها مكشوفا وفاقدا لأي حماية في ظل موقف خليجي متصاعد.
كما يفتقد رئيس الحكومة، يقول هؤلاء المتابعون، لأي دعم سني سواء من دار الفتوى،
أو من رؤساء الحكومات السابقين، الذين أتى انكفاؤهم بمثابة تعرية له من أي حاضنة سنيّة لسببين،
الأول قد يكون لاعتبارات سياسية لها صلة بكيفية وصول ميقاتي إلى رئاسة الحكومة، وثانيا لإظهار الطائفة السنية خالية
من أي حضور قوي في ظل غياب الحريري عن الساحة اللبنانية، وهو ما يسعى
ميقاتي إلى نقضه بملء هذا الفراغ بتكثيفة الاتصالات السياسية والاقتصادية مع الخارج.