جاء في “الأنباء” الإلكترونيّة:
مرّ عيد الميلاد في ظل مفارقات كبيرة عديدة تهدد البلاد برمّتها. الأولى سجّلتها حسرة الناس الذين لم يعد لهم في يومياتهم سوى الغصّة والشقاء وقد فقدوا الرجاء بأن يحمل العيد أو أي يوم آخر خلاصًا لهم ولوطنهم، مع تسجيل ملاحظات باتت واقعاً لا يمكن تخبئته، إذ تستفيد قلّة ممن دخلها بالدولار من غلاء سعر الصرف، في حين يعيش غالب المقيمين الذين يقتاتون بدخلٍ من الليرة اللبنانية تحت خط الفقر، ما يضع البلاد أمام اضطراب طبقي كبير يذكّر بمراحل قديمة ونتائجها الخطيرة.
المفارقة الثانية تتمثل بالارتفاع المستمر في إصابات كورونا التي تعود لتنذر بعواقب
صحية وخيمة في ظل الواقع الصعب للقطاع الصحي. أما المفارقة الأكثر قلقا،
فلا تزال غياب أي قرار رسمي بوقف كل هذا الانهيار والتعطيل، وبالتالي غياب
أي نية لإصلاح الحال مع حكومة ممنوعة من العمل، ومسؤولين يتقاذفون الاتهامات فيما بينهم.
هذه الصورة السوداوية التي تعكس أوضاع البلد كانت حاضرة بقوة في عظة الميلاد التي ألقاها البطريرك الماروني
مار بشارة بطرس الراعي، الذي شدد على استعادة الدولة ممن استباحوها وصادروا قرارها وهيمنوا عليها،
داعيا الحكومة الى الاجتماع حتى لا يتحول تعطيل مجلس الوزراء عن الانعقاد إلى عرف جديد يتكرر كلما رغب
هذا الفريق أو ذاك بالتعطيل، مطالبا باستكمال التحقيق في انفجار المرفأ حتى ينال المجرم عقابه منعا لتكرار ما حدث.
المطران سمير مظلوم دعا عبر “الأنباء” الالكترونية، القيادات السياسية على اختلاف انتماءاتهم وميولهم إلى
“قراءة عظة الراعي من منطلق وطني صرف، لأن غبطته كما في كل مرة عبّر عن رأيه بصدق، ولكن بشكل أوضح هذه المرة.
لأن الأوضاع بالنسبة إليه لا يمكن أن تكمل بهذه الطريقة”. ولفت مظلوم الى أن
“الراعي أراد أن يضع الجميع أمام مسؤولياتهم، من رأس الهرم إلى أصغر موظف في الدولة اللبنانية.
فالظرف هذه المرة يتطلب ذلك، ومواقف الراعي مرتبطة ببعضها، وليس هناك من واحدة منفصلة
عن وحدة المسار. فكل مساعيه تصب في إطار وحدة الدولة وقيامتها. وضمن هذا الإطار تحدث الراعي،
فليست لديه مآرب شخصية وخاصة، فبالنسبة لتحقيقات المرفأ ليس لدى الراعي مطلب شخصي او مطلب طائفي،
وهو لا يريد أن يطالب باسترجاع حقوق الموارنة، بل يطالب بحقوق كل اللبنانيين الذين يطرقون أبواب السفارات للهجرة،
لأنهم بدأوا يجوعون في وطنهم”.
وشدد مظلوم على أن “هذا هو دور البطريركية تاريخيا تجاه وطننا كبلد مميز في هذه المنطقة من العالم”،
مشيرا الى “أننا وصلنا الى ضمور الدولة اللبنانية بهذا الشكل. فبعد أجيال وأجيال من الحكم والاضطهاد الذي عاشته
كل الطوائف من دون استثناء، وبفضل جهد استمر أربعمئة سنة تمكنا من ان يكون لنا دولة مستقلة
لجميع أبنائها وليس لطائفة دون أخرى، فهل يجوز أن نفرط بها؟”.
المطران مظلوم أقر “بوجود أخطاء ارتكبت من الناس ومن الحكام الذين أساءوا تطبيق القانون،
ومن قبل الذين لا يريدون بناء الدولة”، داعيا الى “الخروج من الأنانيات الموجودة لدى كل طائفة منغلقة على ذاتها”.
وسأل: “لماذا نبقى نعيش حال الخوف من بعضنا البعض، وهل يجوز لفئة ان تسيطر على فئة أخرى؟
لماذا لا نعيش اخوة متساوين أمام القانون، ولا ميزة لأحد على آخر إلا باحترام القانون وصون حرية الآخرين”،
معربا عن “الأسف أن نكون في القرن الواحد والعشرين وهناك من يفكر بإيذاء الآخر، في وقت نرى بلدنا ينهار ولا من يحرك ساكنا”.