“نشر موقع النهار:
فيما تقفل جميع بورصات العالم خلال الأعياد، بقيت #السوق السوداء في لبنان “شغّالة” خلال الأعياد. كذلك، لم تفتح الأسواق كالمعتاد في بداية الأسبوع الأول من العام، ولم نشهد حركة سوق فعلية في يوم العمل الأول (أمس)، أي إنّه لم يكن هناك طلب على #الدولار لتبرير ارتفاع #سعر الصرف اقتصادياً ومالياً.
فقد قفز الدولار مع بداية العام الجديد، وتراوح سعر صرفه في السوق السوداء، في اليوم الأول من الـ2022، بين 28000 ليرة لبنانية و28100 ليرة لبنانية. وواصل ارتفاعه في يوم العمل الأول من السنة الجديدة، إلى ما بين 28900 و29200 ليرة للدولار الواحد. وتراوح سعر الصرف، صباح اليوم، بين 29400 و29600 ليرة للدولار الواحد في السوق السوداء.
وكان من المفترض أن يستقرّ سعر الصرف مع ضخ الدولارات من المغتربين خلال فترة الأعياد، لكنه قفز أكثر من 1500 ليرة في غضون ثلاثة أيام، ما يطرح علامات استفهام عن سبب هذا الارتفاع.
“صحيح أنّه كلّما ضُخّت كمّية دولار في السوق، استقرّ سعر الدولار، لكنّ سوق القطع شهدت طلباً “إكسترا” على الدولار”، هذا ما تشرحه الخبيرة في الشأن النقدي والمالي، الدكتورة ليال منصور، لـ”النهار”. وإن دخلت هذه الكمّية من الدولارات، فهي دخلت مرّة واحدة موقّتاً، بينما المطلوب هو دخولها باستمرار ليستقرّ الدولار.
وفي معرض حديثها، توضح منصور أنّ سعر الدولار لا يخضع فقط للعرض والطلب، بل أيضاً تحدّده عوامل أخرى، من عدم تقدّم البلاد، وعدم إبرام اتفاقات تجارية والتشاؤم السائد، و”المؤشرات الاقتصادية مبنيّة على توقّعات مستقبلية، وهذه بدورها بحاجة إلى أمورٍ ملموسة، بينما جميع المؤشرات الاقتصادية في لبنان سلبية”.
لكن كيف كان هناك طلب كبير على الدولار بينما المغتربون والأجانب صرفوا دولاراتهم إلى ليرة للإنفاق في لبنان خلال إقامتهم؟
“هذا الأمر غير صحيح” من وجهة نظر منصور، فهناك من يحمل دولارات، ويتعامل بالدولار ويدفع بالدولار، وحتى هناك محالّ تسعّر بالدولار وتردّ باقي الفاتورة بالدولار، و”هذا مؤشّر على أن الدولرة تنتشر”.
وتفرض العوامل الاقتصادية الحلّ في الأزمات. وفي لبنان، أصبحنا أمام أمرٍ واقعٍ متمثِّلٍ بمسار الدولرة. والمطلوب، بحسب منصور، “تطبيق هذه الخطوة بالشكل المناسب، فالدولار يتّخذ مساره التصاعدي باستمرار”. وفي الدراسات الاقتصادية العلمية، وفي وضع لبنان، ليست هناك نظريات علمية لحلّ أزمة سعر الصرف، إذ “ليست هناك سياسة نقدية تخفّف من ارتفاع سعر الدولار، ولا حلّ لهذه الأزمة في بلدٍ مدولر بنسبة كبيرة جداً”.
والحلّ الوحيد وفق الخبيرة، هو “الاستغناء عن العملة الوطنية من خلال دولرة شاملة، أو من خلال تطبيق الـcurrency board (مجلس نقد)، فقد وصلنا إلى مرحلة استئصال المرض بعد أن مضت مرحلة العلاج بالأدوية”.
ماذا عن #أسعار السلع؟
في سياق متّصل، وعن انعكاس ارتفاع سعر الصرف على أسعار السلع،
يقول رئيس نقابة مستوردي #المواد الغذائية في لبنان، هاني البحصلي،
إنّ “تغيّرات الأسعار متواصِلة في ظلّ تقلّبات أسعار الصرف، فنحن نشهد بلبلة كبيرة جداً، ولا نعرف كيف علينا التسعير”.
ووسط عدم انضباط الوضع في لبنان، “لن نرى استقراراً في الأسعار،
فهي متعلِّقة في الأساس بسعر الصرف”، أي إنّها ترتفع مع ارتفاعه،
وتنخفض مع انخفاضه. وكانت بداية هذا العام غير مبشّرة بالخير، “مع ارتفاعٍ
غير مبرَّرٍ في سعر الصرف، بينما لم تفتح السوق بعد، والمسؤولون غير قادرين
على القيام بأيّ خطوة للجم هذا الارتفاع”، وفق البحصلي.
طريق الدولرة
وإن كانت الدولرة الجزئيّة تعني استخدام عملة أجنبيّة إلى جانب العملة المحليّة
في البلد بشكل طبيعي، فإنّ الدولرة الشاملة تعني الاستغناء عن العملة الوطنية
والإبقاء على العملة الأجنبية المعتمدة. في لبنان، حالة الدولرة غير رسمية، فالدولة
لا تقبل الحصول على الرسوم في داخل البلد إلّا بالليرة اللبنانية.
وتسلك الدولرة الجزئيّة طريقها نحو السيطرة الكاملة على الاقتصاد لتصبح دولرة شاملة. فلَم يعد
هناك أيّ رادع أمام بعض أصحاب المولّدات باستيفاء فواتير اشتراكاتهم بالدولار الأميركي، ونرى
أصحاب محالّ صيانة السيّارات يفرضون التعرفة بالدولار، فضلاً عن محالّ الأدوات الإلكترونية
وبعض أصحاب المهن الحرّة من أطبّاء وغيرهم. حالة الدولرة غير الرسمية، التي يمنع قانون
حماية المستهلك فرضها على الزبائن، تنتشر بين القطاعات إلى درجة أنّ المواطن بات يعتاد
فكرة التسعير بالدولار؛ فالحديث عن إطار سيّارة بـ50 دولاراً، أفضل من الحديث عن إطار بمليون و250 ألف ليرة لبنانيّة، على سبيل المثال.
وشرحت منصور أنّ “الدولرة حالة اقتصاديّة مَرَضيّة، تدلّ على أنّ اللبنانيّين ليس لديهم
ثقة بعملة وطنهم، وتُشير إلى فقدان الثقة بالسياسيّين أيضاً”، موضحةً أنّه “لهذا السبب يأخذ العملاء
الاقتصاديون عملة أجنبية أخرى إلى جانب عملتهم الوطنية”.
ولأن الدولة اللبنانية لا تضع أيّ إطار لتوسّع حالة الدولرة في لبنان، يصف الخبراء ما يحصل
بالدولرة الجزئية غير الرسمية، التي تتّجه لأن تصبح شاملة، خاصة أنّ هناك شبه إجماع علميّ
على أنّه لا يمكن تحديد أيّ قاع لتدهور الليرة في ظلّ غياب المؤسّسات والخطط الاقتصادية
ورجالات الدولة القادرين على التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
مقابل الدولرة الشاملة، يطرح خبراء فكرة “مجلس النقد” باعتبارها حلّاً للأزمة النقدية في لبنان،
ومنهم الدكتور ستيف هانكي الملقّب بطبيب العملات. وتؤيّد منصور نظريّته بشدّة، وكانت
قد تقدّمت باقتراح قانون بخصوص إنشاء مجلس نقد بواسطة النائبة بولا يعقوبيان قبل أن تستقيل.
يقوم مجلس النقد على أساس حجز العملات الصعبة وتحديد سعر الصرف، على أن يكون
مقابل كلّ وحدة نقدية من العملة المحليّة عدد محدّد من الدولارات. وإذا قرّرت الدولة أن تطبع عملة،
فعليها تأمين دولارات تغطّي الكمّية التي تودّ طبعها، وتالياً سينتظم أمر الاقتصاد ويتوسّع عندما تكثر
التدفّقات المالية بالعملة الصعبة من خلال التصدير واستقطاب سيّاح، وغير ذلك من الطرق،
ويضيق عندما تتقلّص التدفّقات النقديّة ويكثر الاستيراد من دون تأمين دولارات مقابلة.