“ليبانون ديبايت” – روني ألفا
أكتبُ عَن جيش لبنان البَطَل وسطَ الثرثَرَة والسِّجالات العقيمَة. عَن جودِه الصَّموت وتضحياتِه اليوميَّة. لَم يفقد بريقَه بإنجازاتٍ وقَّعَها بِدَمٍ لا يثرثِر. كلّ ذلك وسطَ المديح المتملِّق الّذي تغرقونَه بِه. سيتمّ بالطبع في الأشهر المقبِلَة إدراج محبَّتِكم وبخبثٍ في البرامِج الإنتخابيَّة. ستعشقونَ جزمَته ونجومه على أبواب الإنتخابات ثمَّ تتخلّونَ عن عشقِه بعد تحقيق الحاصل الإنتخابي. تقحمونَه في صراع السلطة وهو مشروع وطن في وطن تغتالُونه أيها السياسيون كل يوم. في خضمّ صراعاتكم والأموال الإنتخابيَّة التي ستُغدَقُ عليكم على أبواب الإستحقاق لن تفكّروا بفلس أرملة لجنوده الأبطال. نعوت جميلة سَتُنظِّمون في تبجيلِه وربّما أغانٍ. لا شيء سيمحو أنكم بِعتموه واشتريتُموهُ بصفقاتكُم بوافر من الفساد والإرتِهان.
معقل لبنان الأخير جيش لبنان البطل. تلتهون بالسّجال حول حقوق الطوائف فيما يحمي الجيش عهرَكُم وتحامُلَكُم وصلفَ مواقِفِكُم. ساعة تأمركونَه وساعَة تتّهِمونَه بالبحث عن كرسي وثيرَة. ساعة تلومون تقصيرَه وساعَة تستعملون نجومَه لإتهام خصومكم. ساعة تصرّحون أنه المؤسسة الوطنيَّة الأخيرة المتبقيَّة وساعة تحرمون أبطالَه من رتبة وترقية. أدخلتم الجيش في قالب الأجبان الدسمَة. تحبّونه على قياس مصالِحِكم وهو ليس على قياس أحد منكم. أشبَعتموه لطماً وضمّاً وفي كل شارع تريدون تدجينه. الثورة أو ما يشبهها تتهمه والسلطة أو ما يشبهها تتهمه. لو تحلّون عن سَماه ليبقى للبلد سماءٌ نستظلُّ بِها. نعم ننادي وعلى رأس السَّطح بدور إنقاذي لجيش لبنان. إبحثوا يا سادَة عن الإطار إنما أبعدوا شهواتكم عنه.
كلُّكُم استعملتموه. كلّكم رغبتم أن يكون طيِّعاً وخدوماً. تريدونَهُ مؤسسة لملء شواغركم. لتوظيف أزلامِكم. لنقل المحظيين من جنوده وضبّاطه لديكم في مواقع تستفيدون منها لإبتزازهم. أقحمتم الجيش في المحاصصة وعندما يرفض تدخلاتكم تصوّبون عليه. لم يفكّر واحد من جهابذتكم كيف يؤمن العسكري كيس الطّحين وكيلو السكَّر ووجبة طعام كريمَة لعائلته. إحتكموا له مرّة في تاريخ لبنان الحديث مع فعل ندامة على ما اقترفت أيديكم. إذا جاع العسكري سيأكلكم يا سفَلَة. هذا ما يفكّر به كل مواطن شريف يا عديمي الشَّرَف. تتملّقونه للمازوت والبنزين وتتدّخلون في عقيدته وتحاضرون في عفَّة تحرّكه. هبّوا إلى دعمه. أفرِجوا عن أموالكم المهرَّبَة والمنهوبَة وقدّموها للجيش.
صحيح جدّاً. حكم العسكَر ممنوع ومستحيل في بلد مثل لبنان. بالأصل لا يريده لكنكم تستغلون
الإستحالة لمواصلة غيِّكُم. سمّوا لي أي مؤسسة ممنوع أن تدخلوا إليها أنتم وأزلامكم وفسادكم إلا الجيش. سمّوا لي أي شهيد
سقط لكم في معارك الكرامة والدفاع عن لبنان. سمّوا لي أي مؤسسة يتعانق فيها السني
والشيعي والماروني والأرثوذكسي والأرمني والعلوي والدرزي من دون أن يُسمَع لطوائفهم
همس إلا في هذه المؤسسة. أن يبقى الجيش بعيداً عن هذه التوصيفات وأن تتعانق الطوائف
من أجل لبنان داخله هو ما تبقّى لنا نحن المواطنين المتعبين والمنهكين والمفتشين عن قبس أمل ورَجاء.
توَحَّدوا خلف الجيش. آخر مَعلَم مِن معالم لبنان الدولَة. أحزابُكُم سقطَت. ولاءاتُكُم تهاوَت. إلا هو.
حزبُه لبنان وولاؤه الأرزَة. كلُّكُم أفلستُم. كلُّكُم مُرتَهَنون ومُباعون ومُستَأجَرون. تصاريحُكُم مدفوعة
بالدولار ومواقفكم تأتيكم عبر الإيميل وسفراء الدول الغريبة. لا يحقّ لأحد منكم التكلّم بإسم لبنان.
وحده الناطق الرسمي. نعم لدورٍ خلاصي للجيش اللبناني في المرحلة المقبلة. مرحلة انتقاليَّة أو غير إنتقاليَّة.
مرحلة تغيير نظام أو تعديل دستور. مرحلة نهوض أو تَعافي. مِن دون الجيش اللبناني ستُبقي لبنان كلّه في
مرحلة انتقاليَّة وستكونون أنتم من يتحمّل مسؤوليَّة السّقوط الكبير.
هذا ليس مديحاً. هذه صرخة وجع وغضب وسخط الناس الصامتين الذين يشاهدون بأم العين
سقوط وطن حماه الجيش بأشفار العيون وتسقطونَه أنتم بالمال الحَرام واقتراف الموبِقات.
أي مشروع للبنان تلاقي الحضارات والثقافات وحوار المكونات أكذوبَة من دون العودة إلى الجيش الذي تتلاقى
فيه كل هذه القيم. خلاص لبنان يجب أن يمرّ عبر مرقَّطِه. من دونه سنتناسَلُ قَيحاً وسط تزايد تسميتِنا
دولَة فاشِلَة. قبل أن تزورَنا الحرب من جديد والفصل السابِع غير المعلن قريباً..إسمَعوا وعُوا!