المصدر: القناة 23
لا يختلف شخصان على الإطلاق على أن عيد الميلاد من أكثر المناسبات انتظاراً من سنة لأخرى للقاء العائلة والأحبّة والاستمتاع بالأجواء الإيجابية، إلّا أن الأزمات العاصفة بالبلد حاصرت فرحة العيد وأطفأت روحيته، فبات كئيباً وبارداً كليالي تشرين التي يحلّ بها، فربّما ألوان العيد والبهجة حاضرة في بعض الشوارع والمنازل التي أبت الاستسلام للوضع الراهن، غير أن عدداً كبيراً من المواطنين حُرم من أبسط طقوس الأعياد… الحلوى!
لا شكّ في أن الفترة التي كانت يوماً ما تُعدّ من أجمل أوقات العام تحوّلت إلى لحظات حزينة تتجلّى في مشاهد عدّة، أبرزها مشهد الأم التي تسحب ابنها من يده من أمام محلّ ال#حلويات، أو ذاك الأب الذي استدان ثمن حلوى العيد لأطفاله، أمّا المشهد الأقسى فكان لعائلات لم تحتفل بالعيد أصلاً بسبب الغلاء الفاحش.
في الوقت الذي ينتظر فيه الصغار والكبار هذا العيد، استغلّ بعض التجار المناسبة لتحويلها إلى صفقة تجارية، فأسعار الـBuche de Noel حدّث ولا حرج، إذ تخطّت الـ800 ألف ليرة، لذلك جالت “النهار” على بعض المحالّ في عيد الغطاس لمعرفة أسعار حلوى هذا العيد “المطلوبة” حسبما أفاد بعض المواطنين.
حلوى الملوك أو ما يُعرف بالـ”Galette des rois”، عادةً ما تكون له حصّة الأسد في العيد، إذ إن الجميع يحبّونه بدون استثناء، وهو مخصّص لعيد الغطاس فقط، أي لا يمكن شراؤه إلّا في هذا اليوم، طبعاً في السابق، إذ إنّ الأسعار تماشت مع اسم الحلوى فبات حكراً على طبقة الملوك أو الميسورين بعدما تخّطت أسعاره 700 ألف ليرة! واللافت أن مقادير هذا النوع من الحلوى ليست كثيرة إلّا أنّ بعض المتاجر سعّرت وفقاً لمبدأ “ناطرين الموسم” ليقع المواطن ضحيّةً مجدّداً.
تفاوتت أسعار حلوى الـGalette بين متجر وآخر، فمثلاً في بيروت بلغ سعره 300 ألف ليرة في الحدّ الأدنى، وطبعاً يرتفع السعر وفقاً للمتجر واسمه ونقطته الجغرافية، فوصل سعره إلى 700 ألف في بعض المتاجر الشهيرة.
في السياق، أوضح صاحب أحد متاجر الحلوى الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه لـ”النهار” أن “سبب ارتفاع أسعار حلوى الميلاد والغطاس مرتبط بالكلفة التشغيلية للمتجر من جهة وبالدولار من جهة أخرى”، مشيراً إلى أن “همّ التاجر اليوم من البيع للاستمرارية وليس للربح، لأنّه في الحالتين الخسارة سيدة الموقف، في الوقت الذي يترتب فيه على صاحب المتجر رواتب وتكاليف باهظة”.
ويُضيف المصدر أن “نسبة الشراء تراجعت أكثر من 70 بالمئة مقارنة مع السنوات الثلاث الماضية، وهذا لا يشمل فقط حلوى عيد الميلاد، فالمواطن ينشغل اليوم بأولويات أساسية، وعوضاً من شراء كيلوغرام من الحلوى، أصبح يشتري صحناً أو نصف كيلوغرام للأولاد”.
في زمن القحط والغلاء ما ذنب الأطفال ليُحرموا من لذّة العيد وحلواه؟
بعيداً عن الـGalette لا بدّ من ذكر زلابيا الغطاس الشهيرة، التي تراوحت أسعارها بين الـ120 ألفاً و250 ألفاً في بيروت،
ربما يبدو الرقم صادماً بالنسبة للبعض، فما هي مكوّنات الزلابيا؟ أليست مكوّنة من طحين ويانسون؟
الجواب هو نعم، فإن مقادير هذا النوع من الحلوى ليست مكلفة، فكيف يفسّر صاحب المتجر هذا الارتفاع “الجنوني” لسعرها؟
يقول ريمون سعد، صاحب أحد المتاجر في جديدة ‒ المتن إن “أسعار حلوى الغطاس
هذا العام ارتفعت كثيراً مقارنة بالسنة الماضية”، مؤكّداً أن “نسبة الإقبال شهدت تراجعاً ملحوظاً أيضاً،
إلّا أنّه ما باليد حيلة، وليس من المنطق أن يتحمّل صاحب المتجر الخسارة الناجمة عن إفلاس البلد ومؤسّساته”.
ويُردف سعد، المشهور بحلواه اللذيذة في المنطقة، أن “معظم الأهالي
تخلّوا عن عاداتهم بشراء الحلوى، وباتوا يحضرونها في المنزل كما كان الوضع في الثمانينيات،
وأنا لست حزيناً، فالاجتماع كعائلة لتحضير الزلابيا أو كعك العيد يبعث طاقة إيجابية في البيت ويجلب الخير،
فهكذا كبرنا وها هم أطفالنا اليوم يفعلون ما كنّا نفعله في السابق، فربما العادات الشرائية تبدّلت قليلاً
ولكن أقلّه بعض البيوت لا تزال محافظةً على روحية العيد وقدسيته”.
تحضير حلويات عيد الغطاس في البيت رفاهية لمن استطاع!
جالت عدسة “النهار” في السوبرماركت بهدف استكشاف تكلفة حلويات عيد الغطاس لمن أراد تحضيرها في المنزل،
حسبما يُقال بهدف التوفير، إلّا أن هذه الغاية ليست دقيقة إذ إن أسعار المكوّنات أغلى من ثمن الحلوى الجاهزة
وكلّ تاجر يُسعّر على هواه!
تراوحت أسعار الدقيق أي الطحين بين 35 و40 وألف ليرة للكيس الواحد سعة 900 غرام،
والسكّر 32 ألفاً، كرتونة البيض بين 75 و90 ألف ليرة، والزبدة 70 ألف ليرة، أمّا الحليب فأسعاره تتفاوت بين نوع وآخر بحدود 95 ألف
ليرة للكيس الصغير الحجم. طبعاً هذه أسعار غير ثابتة وقابلة للارتفاع وفقاً لسعر صرف الدولار،
هذا ولم نذكر المقادير الأخرى التي تتطلبها الحلوى واكتفينا بالأساسية منها.
فكيف ينجح الأهالي في تأمين متطلبات أطفالهم في العيد؟
استعانت نجاة إلياس (32 عاماً)، بشجرتها وزينتها القديمة لتجهيز منزلها للاحتفال بعيد الميلاد،
لإدخال البهجة إلى قلوب أطفالها، بعد تفاقم التحدّيات والضغوط الاقتصادية التي أجبرتها
على تغيير بعض العادات والطقوس المعتمدة.
وتقول ممازحة في حديثها لـ”النهار”: “بدأت التحضير للميلاد على غرار كل عام، لا يمكنني أن أحرم أطفالي
هذه الفرحة فحضّرت الحلوى بنفسي في المنزل، ربما مذاقها يختلف عن السوق، إلّا أنّني أقنعتهم بتناولها”.
وتضيف إلياس “كل شيء تغيّر، ففي الأعوام الماضية كنا نبدأ التحضير للعيد قبل شهر من قدومه،
وكنا ننتظر بهجة العيد بفارغ الصبر، ونشتري كل ما يتعلق بالعيد من أشجار وزينة وهدايا وألعاب
ومواد غذائية، أمّا اليوم فلا داعي للتحسّر على هذه الأمور لأنّها حتّى لو وجدت فإننا لا نملك ثمن الغاز الذي تجاوز 300 ألف ليرة لكي نحضّرها”.
وبحسب السيّدة الثلاثينية فإن هناك “الكثير من العائلات اضطرت لإلغاء تحضيرات العيد،
باعتبار أن شراء جزء من هذه المستلزمات يفوق مردودهم المادي في ظل تصاعد أزمة الغلاء”.
من جهتها، استذكرت ليلى نقولا (45 عاماً) بيروت القديمة التي “كانت شوارعها
وكنائسها العتيقة تضجّ بتراتيل وترانيم الميلاد والزينة والأضواء، بعد أن أصبحت
اليوم باردة ومظلمة لدرجة أننا لم نعد نعرفها، فهذه ليست بيروت التي عهدناها”.
أمّا مارييل جبور (28 عاماً) فلم تشترِ ثياب العيد لطفلتها حرصاً منها على تخفيف الأعباء
المادية عن زوجها الموظف. وتقول “بات التفكير في شراء حلويات أو ثياب حكراً على
الطبقة المخملية، أمّا نحن البسطاء فنكتفي بحضور القداس أو تشغيل الترانيم الميلادية”.
في بلد الجمال والحياة، أصبحت الأعياد ضيفاً ثقيلاً على المواطنين المتعبين والرازحين تحت أ
زمات غير مسبوقة، فتحوّلت أعيادهم إلى كابوس حقيقي ينتظرون مروره بفارغ الصبر بأقل الخسائر
الممكنة تحت شعار “يوم ويمر”، فلا طعم للعيد ولا لون، فيما الأطفال يُحرمون من أبسط حقوقهم، فبأيّ حال عدت يا عيد هذا العام، وماذا ينتظرنا بعد؟…