“نشر موقع المدن:
استنفرت معامل تعبئة الغاز المنزلي على وقع ارتفاع أسعار صرف الدولار إلى ما يتجاوز الـ32 ألف دولار، وعدم قدرة جداول تركيب الأسعار الصادرة عن وزارة الطاقة على المواءمة بين سعرها المحدد ليلاً، وبين السعر المسجّل في السوق صباح اليوم التالي، وما يمكن أن تصل إليه الأسعار تباعاً.
ووفق هذا التغيُّر يتكبّد أصحاب معامل الغاز “خسائر لا يستطيعون الاستمرار بها أسبوعياً”، على حدّ تعبير نقيب مالكي ومستثمري معامل تعبئة الغاز المنزلي، أنطوان يمّين، الذي طالب وزارة الطاقة، بـ”إصدار جدول يومي لتركيب الأسعار حسب سعر صرف الدولار”. وعدم تجاوب الوزارة سيدفع أصحاب المعامل، حسب يمّين، إلى “الإقفال وعدم استلام مادة الغاز، حتى لا نكون بالمواجهة مع المواطن في ظل هذه الظروف السيئة”.
بين الباطن والظاهر
إعادة التوازن إلى القطاع تفترض “تسعير المادة أو على الأقل تسعير جزء يتراوح بين 40 و60 بالمئة من سعرها بالدولار”، حسب أحد أصحاب المعامل، الذي يقول في حديث لـ”المدن”، أن الآليات التي تسير وفقها عملية وصول الغاز “تتدرّج من الاستيراد إلى التفريغ ودفع رسوم الجمارك والضريبة على القيمة المضافة، مروراً بالتخزين وصولاً إلى التوزيع في المعامل. وهذه الآليات تتضمّن أكلافاً بعضها يُدفَع بالدولار، وتتحوّل إلى خسائر مع ارتفاع سعر الصرف”.
هذه الصورة الظاهرية تُخفي وراءها حقيقة مغايرة. فيكشف صاحب المعمل أن “شركات الغاز لا تخسر. وهو كلام لا يجب أن يصدر عن صاحب معمل، لكن الحقيقة ضرورية. فبدءاً من الشركات المستوردة وعلاقتها بالسياسيين الذين يَحمونها ويتقاسمون معها الأرباح، لا أحد يخسر، كما لا أحد يعرف حجم الاستيراد الفعلي وسعره الحقيقي وكمية الغاز المخزّنة وتلك المباعة في السوق. وحده المستهلك هو الخاسر، فيما تتراجع أرباح معامل تعبئة الغاز مع تغيّر سعر الصرف، لكنها لا تخسر”.
يتحرّك أرباب هذا القطاع انطلاقاً من الفوضى التي يتسبب بها انفلات سعر صرف الدولار، ويحاولون اغتنام الفرصة لتعزيز أرباحهم. فارتفاع السعر يوحي بالخسارة كنتيجة حسابية بين السعر الأعلى والسعر الأدنى، لكن غموض حجم الاستيراد وحجم المادة التي تطرح في السوق، وما بينهما من تخزين ومن حقيقة الكلفة، ينفي وجود خسارة.
ويلفت صاحب المعمل النظر إلى أن إخفاء الأرقام الحقيقية هو إجراء شائع في كل القطاعات، ولا أحد يمكنه التأكّد من أي أرقام “وحتى على مستوى الدولة، فهناك فجوة في تحديد أرقام العجز بين وزارة المالية ومصرف لبنان”. وعليه، في الدهاليز غير المنظورة لقطاع الغاز، لا خسارة.
مشروع استبدال القوارير
لعبة إخفاء الأرقام والأرباح تسير من قِبَل وزارتي الطاقة والمالية بالتوازي مع قطاع الغاز.
وينشط الثقب الأسود المستمر منذ العام 2003 في امتصاص أكلافٍ غير مرئية إلا للمستفيدين منها.
والثقب هو مشروع استبدال القوارير التالفة الذي تُجدّد أكثر من مرة، أبرزها في العام 2015، وما زالت معالمه غامضة.
ينطوي المشروع على أكلاف تترتّب جراء الاستبدال. فكان من المفترض بالمستهلك
دفع 1000 ليرة على القارورة التي سيستبدلها، بالإضافة إلى ثمنها وثمن الغاز داخلها.
انطلقت العملية في العام 2015 بعد طي صفحة المشروع السابق. وفي كل مرة، كانت
وزارة الطاقة تستعمل الخوف من احتمال انفجار القارورة القديمة في أي لحظة. واللافت أن بعض الأنباء
عن الانفجارات، تظهر فجأة بين منطقة وأخرى، لتختفي بعد انسياب المشروع وهدوء التجاذبات
السياسية المرافقة لعملية إطلاقه، وكأن خطر القوارير التالفة، قد اختفى فعلاً.
وفي طيّات طرح المشروع وإعادة إحيائه كلّما خَفَتَ نجمه، مبالغ مالية لا يُحكى عنها
، علماً أن المبالغ المتراكمة من المشروع، كان من المفترض وضعها في صندوق
خاص في عهدة وزارة الطاقة، بعد أن تجمعها شركات بيع الغاز من المواطنين، وتنفّذ بها الوزارة بعض المشاريع.
آخر إطلاق لعملية الإستبدال كان من المفترض أن يُنجَز على مدى 5 سنوات
، أي أن تنتهي مفاعيله باستبدال جميع القوارير التالفة في العام 2020. دخلنا في العام 2022 ولا أحد يعرف
ما جمعته وزارة الطاقة من أموال،
ولا عدد القوارير المستبدلة والأخرى الموجودة في السوق. ويعزز غموض العدد، تباين
الآراء حول حجم القوارير في السوق، فمنهم من يرجّح انها 7 ملايين قارورة ورأى آخر
يقول نحو 4 ملايين قارورة، على أن الأقرب إلى الحقيقة هو 4.5 مليون قارورة، استناداً
إلى ما يقوله صاحب المعمل الذي يشير إلى أن “عملية الاستبدال تعرقلت في بداية الأزمة بفعل ارتفاع سعر الصرف، فمعمل تصنيع
القوارير لم يعد يستطيع الالتزام بالعقد الموّقع معه، فتراجَعَ تصنيع القوارير
الجديدة إلى 1 بالمئة فقط من حجم التصنيع المتوقّع”.
فجوات كثيرة في قطاع الغاز، لا يلتمس مفاعيلها رغم الغموض، غير المستهلك الذي
بات عليه دفع نحو 345 ألف ليرة ثمن قارورة غاز قد لا تكفيه لأسبوع (خصوصاً في التدفئة).
أي أن بعض الموظفين عليهم دفع راتبهم الشهري ثمناً للغاز فقط.