المصدر: الراي
نصف انفراجٍ سياسي ونقدي، «لَفَحَ» بيروت أمس مع الإفراجِ الجزئي للثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل» عن جلسات مجلس الوزراء المحتجَزة منذ 12 تشرين الأول الماضي، فيما كانت الجبهة المالية تشهد هبّة باردة مع التراجع الكبير لسعر صرف الدولار في السوق الموازية بنحو 7 آلاف ليرة في ثلاثة أيام بفعل «هنْدسة» تعاميم لحاكم البنك المركزي نقلت التقلبات الحادة في تداول العملة الخضراء من صعود إلى… نزول.
وباغت بيروت مساء أمس إعلان الثنائي الشيعي في بيان صدر عن قيادتيه تعليق «حظره» اجتماعات الحكومة و«الموافقة على العودة إلى المشاركة في أعمال مجلس الوزراء من أجل إقرار الموازنة العامة للدولة ومناقشة خطة التعافي الاقتصادي»، وهو التطور الذي شكّل اختراقاً سياسياً ذات دلالات ولو أنه بدا محدوداً، من شأنه ترييح الاختناقات المعيشية الكبرى التي تكاد أن تودي بالبلاد إلى الفوضى الشاملة، وإعطاء فرصة لمحاولة مصرف لبنان ضبْط السوق النقدية وتأمين انتظامها تحت سقف منصة «صيرفة» عبر العرض المفتوح للدولار النقدي (بنكنوت) من خلال المصارف وبسقوف غير محدَّدة لها ولعملائها مقابل ليرات نقدية وفق سعر 25 ألف ليرة ونزولاً.
وجاء إنهاء «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري «المقاطعة الشاملة» لجلسات الحكومة، مشروطاً بحصْر جدول أعمالها ببنديْ إقرار الموازنة التي باتت قاب قوسين من إنجازها في وزارة المال وخطة التعافي التي ستنطلق عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي في شأنها، وسط حرص قيادتي الحزب و«أمل» على إبقاء ربْط النزاع في ملف المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار الذي أعلن الثنائي الشيعي «الحرب» السياسية – القضائية لإقصائه أو بالحدّ الأدنى كف يده عن ملاحقة السياسيين.
وكرر الثنائي تأكيد «الاستمرار في مواصلة العمل من أجل تصحيح المسار القضائي وتحقيق العدالة والإنصاف، ومنع الظلم والتجني، ورفض التسييس والاستنساب المغرض»، وطالبا السلطة التنفيذية «بالتحرك لإزالة الموانع التي تعوق تشكيل لجنة تحقيق برلمانية وفق ما يفرضه الدستور ومعالجة الإعراض والظواهر غير القانونية التي تتعارض مع أحكامه ونصوصه الواضحة وابعاد هذا الملف الإنساني والوطني عن السياسة والمصالح السياسية»، مفنّداً «الخطوات غير الدستورية التي اعتمدها المحقق العدلي والمخالفات القانونية الفادحة، والاستنسابية، والتسييس المفضوح»، ومعتبراً أنه
«بعد إعاقة كل المحاولات القانونية والسياسية والشعبية لدفع المحقق العدلي
ومن يقف خلفه إلى العودة إلى الأصول القانونية وجدنا أن تعليق مشاركتنا في
مجلس الوزراء هو خطوة سياسية ودستورية تهدف إلى دفع السلطات التنفيذية
المعنية إلى إيلاء هذا الموضوع عناية قصوى دفعاً للشبهات وإحقاقاً للحق».
ولم يكن الثنائي أعلن عن هذا «التراجُع» تحت عنوان «تسارُع الأحداث
وتطوُّر الأزمة الداخلية سياسياً واقتصادياً إلى مستوى غير مسبوق مع الانهيار الكبير في سعر صرف الليرة ومنعاً لاتهامنا الباطل بالتعطيل»،
حتى رحّب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مؤكداً أنه سيدعو «مجلس الوزراء إلى الانعقاد
فور تسلّم مشروع قانون الموازنة، وثمن الجهود التي يبذلها جميع الوزراء لتنفيذ
ما ورد في البيان الوزاري»، في موازاة إجرائه اتصالاً برئيس الجمهورية ميشال عون لوضعه في أجواء ما حصل.
وسبق هذا المناخ التهْدوي، ترقُّب كبير لمدى إمكان «صمود» الانخفاض القياسي في سعر الدولار،
إذ تعاطت معه غالبية القراءات ليس بوصْفه تَحَسُّناً لليرة أمام العملة الخضراء بمقدار
ما أنه عملية «تنويم» لمسار تقهقرها الذي بلغ مستوياتٍ مُرْعِبة أنذرتْ بحلول «ساعة الانفجار الكبير»،
الذي ما زالت الخشية المكتومة قائمة، من أن يشكّل في «التوقيت المُناسِب» شرارة الإطاحة بالانتخابات النيابية المقرَّرة
في 15 أيار المقبل والتي يريدها الجميع في العلن ويتهيّبها كثيرون في الخفاء، نظراً لتنوُّع عمليات «المحاكاة»
لنتائجها وتَشَعُّب حساباتها بين:
حرص أطراف مثل «حزب الله» على الإمساك (مع الرئيس نبيه بري) بكل مقاعد المكوّن الشيعي
وضمان الحصول مع الحلفاء «الخلّص» على الثلث المعطّل في البرلمان، وإذا إمكان الغالبية مع الحلفاء الأوسع.
خوضها من آخرين مثل «القوات اللبنانية» بحسابات الانتخابات الرئاسية كما حجب الأكثرية عن «حزب الله»
وحلفائه بخلفياتٍ سيادية ذات صلة بعنوان استرداد لبنان من المحور الإيراني الذي تتلاقى عليه، وإن بالمفرّق،
أحزاب وقوى تقليدية كما مجموعات من المجتمع المدني.
الانخراط فيها من «التيار الوطني الحر» وكأنها «وجودية»، محاولاً الحدّ من الخسائر التي تؤشر إليها
استطلاعات الرأي، بما لا يشكل «ضربة قاضية» لحظوظ رئيسه جبران باسيل في دخول
قصر بعبدا الخريف المقبل، هو الذي يواجه في الأساس فيتو خارجياً غير عادي يحتاج لإزالته ويتمثّل في العقوبات الأميركية