معركة توزيع الـ69 مليار دولار… “المسؤول” غالب والمواطن مغلوب!

بقلم باتريسيا جلاد – نداء الوطن

واجهت دول عدة أزمات مالية مماثلة لتلك التي نتخبّط بها في لبنان. وأبرز تلك الدول اليونان التي أسّست صندوق ﺗﻨﻤﯿﺔ أﺻﻮل جمهورية اليوﻧﺎن بموجب القانون رقم 3986 للعام 2011 ﻣﻊ تفويض أوﻟﻲ ﻟﻼﺳﺘﻔﺎدة ﻣﻦ الملكية اﻟﺨﺎﺻﺔ للدولة. ومن أهم أهداف الصندوق الذي أنشئ لخدمة المصلحة العامة وفقاً لقواعد الاقتصاد الخاص، العمل كشريك استراتيجي للدولة لجذب الإستثمارات، وتعزيز نمو الاقتصاد من خلال تطوير الإنتاجية ومصداقيته الدولية، وإنتاج الثروة الوطنية، والإنتفاع من الممتلكات العامة. إنطلاقاً من هنا كيف سيواجه لبنان أزمته، وماذا يقول القانون اللبناني حول كيفية توزيع الخسائر البالغة قيمتها 69 مليار دولار والمسؤول عنها الحكومة ومصرف لبنان والمصارف، إستناداً الى قانون الموجبات والعقود والنقد والتسليف، وماذا عن كيفية استعادة المودعين أموالهم؟

لم يتطرّق القانون اللبناني الى موضوع الخسائر المالية بشكل مباشر وصريح. وإنما وفقاً للعلاقة القائمة بين المصارف والعميل المبنية على عقد وديعة، يترتب على عاتق المصارف تجاه المودعين إعادة مبالغ الودائع بقيمة تعادلها وذلك في المكان الذي عقد فيه العقد.

وهذا الأمر كما يقول الباحث في مؤسسة JUSTICIA الحقوقية فارس أبي خليل، استناداً الى دراسة شاملة قامت بها المؤسسة حول هذا الموضوع، حددته أحكام المادة 307 من قانون التجارة البرية التي تنص على أن «المصرف الذي يتلقى على سبيل الوديعة مبلغاً من النقود يصبح ملكاً له ويجب أن يردّه بقيمة تعادله دفعة واحدة أو عدة دفعات عند أول طلب من المودع أو بحسب شروط العقد». اما المادة 696 من قانون الموجبات والعقود، فأوجبت على الوديع أن يسهر على صيانة الوديعة كما يسهر على صيانة أشيائه الخاصة، فيما المادة 711 من القانون عينه أكّدت التزامه بردّ الوديعة عينها وملحقاتها بالحالة التي تكون عليها عند تسليمها إليه «أي بذات العملة التي أودعت فيها» وهنا الجدل لا يزال قائماً عن مدى إلزاميته…»

ولم يتوقف القانون عند هذا الحدّ، بل نصّت المادة 713 من قانون الموجبات والعقود على أن «الوديع مسؤولٌ عن سبب كل هلاك أو تعيّب لحق بالوديعة كان في الوسع اتقاؤه، إذا كان هذا الوديع يتلقى أجراً لحراسة الوديعة أو كان يقبل الودائع بمقتضى مهنته أو وظيفته الأمر الذي اعتمدته غالبية المحاكم في أحكامها أخيراً (القرار رقم 54/2021 تاريخ 30/11/2021 الصادر عن رئيس دائرة تنفيذ بيروت القاضي مريانا عناني)».

وأضاف، «إلى ذلك، نصت المادة 156 من قانون النقد والتسليف على موجب المصارف أن تراعي في استعمال الأموال التي تتلقاها من الجمهور القواعد التي تؤمن صيانة حقوقهم، وأن توفّق بصورة خاصة بين مدة توظيفها وطبيعة مواردها، وتلقي على عاتقها موجب تأمين السيولة وصيانة حقوق المودعين».

بالتالي، استناداً إلى أحكام قانون النقد والتسليف وإلى القواعد القانونية الناظمة لعمليات المصارف وإلى القواعد العامة المتعلقة بعقد الوديعة، والمنصوص عليها في قانوني الموجبات والعقود والتجارة البرية، «إن المسؤولية الناشئة عن عدم تأمين السيولة تتحمّلها المصارف والتي تعتبر من موجباتها القانونية والتعاقدية أكانت المرتبطة مباشرةً بتنفيذ العمليات المصرفية المطلوبة منها من دون فرض أية قيود، أو لجهة ما يتعلق بالموجبات المهنية المفروضة على المصارف من المحافظة على السلامة الإئتمانية إلى المحافظة على حقوق المودعين وأموالهم» يوضح أبي خليل، طالما أن هذه المشكلة غير ناشئة عن خطأ المودعين

أما عن عملية التقييد التي تقوم بها المصارف بحق العملاء بتحريك حساباتهم، فهذا الأمر اعتبره القانون بحسب أبي خليل «خرقاً للمبادئ القانونية لا سيما مبدأ حرية حركة رأس المال المنصوص عليها في مقدمة الدستور اللبناني الفقرة (و) منها التي تكرس النظام الاقتصادي الحر وتكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة. كما يعتبر خرقاً للاعراف المهنية الثابتة التي دأبت المصارف المحلية والعالمية على تأديتها لزبائنها وأمست من الموجبات العقدية البديهية التي تلتزم بها المصارف من دون حاجة إلى تعيينها في متن العقد خصوصاً في حالة الحسابات الجارية (غب الطلب)». فهذه القيود التي تفرض على عمليات السحب أو التحويل «لا يمكن تبريرها إلا بتشريع وفقاً للأصول، وهو الأمر الغائب حتى تاريخه، مع امكان الطعن به لجهة عدم دستوريته».

إذا، في الحالة الراهنة ، تقاذف المسؤوليات بين الحكومة والمصارف، تعود أسبابه الى التالي كما أوضح أبي خليل: «إذا تحملت المصارف وحدها الخسارة لا يمكن أن تستمر بالعمل وهذا أمر يؤثر على الوضع المالي والإقتصادي في البلاد ككل لذلك تلجأ إلى تحميل الدولة المسؤولية، مبررة ذلك بأنها هي من هدرت هذه الأموال من خلال سياساتها الخاطئة والمسهلة للفساد». لافتاً الى «الدور الذي لعبه القطاع المصرفي في استقرار النظام المالي والإقتصادي كونه المموّل الأساسي لمختلف المؤسسات والأفراد».

أما بالنسبة الى بيع أو استثمار أصول الدولة والذي هو محطّ جدل بين المسؤولين،

يعتبر أن «الدولة تمتلك أصولاً وموجودات مهمة، لذلك يمكن أن يكون الخروج

من مشكلة الودائع المصرفية التي تبدو غير قابلة للاسترداد أمراً واقعياً».

ولفت الى أن «أصول الدولة أكبر بكثير مما يدّعى، فهي تشمل البنك المركزي،

وشركة طيران الشرق الأوسط، وقطاع الاتصالات، والبنى التحتية … وحوالى 20% من الأراضي في لبنان.

فالاحتكار الذي تمتلكه الدولة في هذه القطاعات كما بالنسبة الى المرافئ والمطار والامتيازات

من أي نوع التي تمنحها الدولة أو لا تمنحها للمشغلين، فهي تعتبر حقوقاً ذات قيمة ضخمة

قد تتعدى قيمة الخسائر المعلن عنها».

بالتالي، يوضح أنه «يمكن للدولة الاحتفاظ بنصف هذه الأصول وتحويل النصف الآخر إلى المودعين،

على سبيل الاستثمار لا البيع، لتحل اختيارياً محل الديون (الودائع)، حيث يتم التحويل على

شكل أسهم في شركات متخصصة أو سندات، فيصبح بإمكان المودعين، الحصول على

أسهم أو سندات مضمونة في قطاعات الدولة الإنتاجية مثل الطاقة، والإتصالات، والمرافئ، والمطار، وكازينو لبنان وغيرها…».

وحول آلية العمل التي ستتبع يقول أبي خليل: «يتم جمع الأصول على شكل شركات

منفصلة تحت شركة أم، يتعين إدارتها من قبل محترفين/ مشغلين يدفع لهم أجر ضئيل

إنما في الواقع يتم تعويضهم بنسبة من الأسهم على قيمة فرق ازدهار هذه الأصول

إذا قاموا بعملهم بشكل جيد كل 5 سنوات وهذا يعني دفع الأتعاب حسب القيمة التي سيقدمونها لتلك الأصول خلال هذه المدة».

ومن أجل تحفيز المودعين لشراء سندات الدين هذه ذات الآجال الطويلة والفائدة المتدنية نسبياً،

يعطى لمالكي هذه السندات إمتيازات معيّنة، وفي التفاصيل على سبيل المثال :

أ – إعطاء حاملي هذه السندات الأفضلية على الآخرين في الإكتتاب أو شراء الأصول التي

تقوم الدولة بتسييلها أو بعرض أسهمها للبيع بسعر أقـلّ من السعر المعروض على الآخرين من غيـر أصحاب السندات.

ب- يمكن للمكتتب مالك هذه السندات أن يدفع قيمة إكتتابه بالأصول التي تعرضها الدولة اللبنانية

للبيع من خلال تخفيض ملكيته بالسندات هذه بالقيمة الإسمية للسند، أي بمعنى آخر يكون

للشركة حق إسترداد كامل أو قسم من السندات وفق شروط معيّنة.

عبء المسؤولية واضح على الدولة بالدرجة الأول، ليأتي بعدها البنك المركزي

في المركز الثاني، ثمّ المصارف في المركز الثالث. أما المودع والذي «يلفّون ويدورون»

حوله لتحميله ثمن «إثم لم ترتكبه يداه» من خلال تقاسم الخسائر معه، فيجب

ألا يكون مغلوباً على أمره كما هي الحال اليوم، مما فعلت الدولة المسؤولة

عن كل ذلك الفساد والإنهيار بالإشتراك مع المصارف!.

Exit mobile version