تتدخل المصارف المركزية في أسواق القطع بطرق مختلفة وإحدى هذه الطرق هي تلك التي تمزج ما بين تقنيات صانعي السوق والتحليل التقني في آن معاً. طبعاً يتساءل الكثيرون عن إمكانية مصرف لبنان الاستمرار في تدخله بائعاً في السوق إلى حين الانتخابات دون استهلاك قسم كبير من احتياطه؟
إليكم إحدى التقنيات التي يمكن أن يلجأ اليها:
-المرحلة الأولى: يقوم المصرف المركزي ببيع الدولار بقوة لكسر الارتفاعات التي بلغت 34000 ليرة (وهذا ما قام به).
-المرحلة الثانية: عندما يبدأ المضاربون بالبيع خشية انخفاض السعر، يقوم المصرف المركزي (على سبيل المثال) ببيع 5 ملايين دولار وإعادة شراء 4 ملايين منها. يعيد الكَرَّة مرات عدة في اليوم مُظهراً حجم تداول كثيف ومبقياً على الدولار معروضاً في السوق. وبما أن المصارف المركزية تُبقي عادة طريقة تدخلها في السوق سرية فقد تلجأ الى البيع أو الشراء بطريقة غير مباشرة عبر بعض المصارف التجارية لتقوم بهذه المهمة لصالحها.
-المرحلة الثالثة: بعد ازدياد حالة الهلع، يقوم حاملو الدولار ببيعه بكثافة خاصة مع ترافق الانخفاض
بإشاعة أخبار عن إمكانية هبوط الدولار إلى 17000 ليرة. عندها يقوم المصرف المركزي بعكس عمليات
تدخله فيتدخل شارياً 5 ملايين دولار وبائعاً 4 ملايين مكرراً ذلك مرات عدة في اليوم ومستفيداً من
حالة الهلع عند المضاربين لإعادة تكوين ما باعه من الاحتياطي. يجدر الذكر أن مصرف لبنان
كان قد اتبع هذه التقنية في النصف الثاني من شهر آذار 1985.
-المرحلة الرابعة: يُبقي المصرف المركزي على تقنية إعادة تكوين الاحتياطي حتى
ولو أدى ذلك الى تجفيف السوق مرحلياً وعودة سعر الدولار إلى الارتفاع نسبياً، حينها يعتقد
عدد من المضاربين بأن السعر عاد الى منحاه التصاعدي
ويقعون في ما هو معروف تقنياً بحالةFOMO أي الخوف من تفويت فرصة الشراء قبل الارتفاعات الكبرى.
-المرحلة الخامسة: بعد عودة الدولار إلى الارتفاع بشكل نسبي، يعود المصرف المركزي الى
البيع بقوة فيُعيد الدولار الى المنحى الهابط وقد يؤدي به الى مستويات أدنى من تلك التي بلغها في المرحلة الثالثة
هذه التقنية التي تعتمد على “حرق أصابع المضاربين”، عادة ما تُعطي الهدف المرجو منها،
علماً أنهم سيعودون من جديد للتأثير في السوق بعد وقف التدخلات. إلا أن هذه التقنية تتيح
للمصرف المركزي ربح الوقت حتى فترة الانتخابات، خاصة أنه بعد انتهاء التقلبات الحادة المذكورة أعلاه،
لا بد للسعر من أن يمر بفترة هضم للتقلبات على شكل مثلث الأضلاع، يبقى خلالها في مستويات دون 30000 ليرة لمدة معينة.
لا أدّعي في هذا المقال بأي شكل من الأشكال معرفة ما سيلجأ إليه مصرف لبنان
من تقنيات ولكن التقنية أعلاه تصحّ ضمن الموجات التصحيحية ABC بحسب مفهوم موجات ELLIOTT.
وفي جميع الأحوال، مهما كان التكتيك الذي يتبعه مصرف لبنان حالياً أقول له
“بالتوفيق انشالله” وللمضاربين “انتبهوا على أصابعكم”، أما للشعب المغلوب على أمره فأقول “في لعبة الكبار احفظ رأسك”.
*الدكتور فادي خلف
مؤلف أطروحة “فاعلية تدخلات المصارف المركزية في أسواق القطع” – جامعة السوربون – فرنسا.