جاء في جريدة “الأنباء” الإلكترونية:
أشار الخبير المالي والاقتصادي أنطوان فرح في حديث الى جريدة “الأنباء” الإلكترونية، إلى أن “الكلام عن توحيد سعر الصرف يعود إلى أنه واحد من شروط صندوق النقد الدولي، اذ قبل الوصول الى هذا الاتفاق مع صندوق النقد يفترض أن تُتخذ خطوة لتوحيد سعر الصرف، لأن وجود عدة اسعار للعملة في لبنان هو نوع من أنواع الفساد ويساهم في زيادة الفساد، لذلك هذا واحد من شروط الصندوق، ومن الواضح أن السعر الذي يمكن ان يُعتمد هو سعر منصة صيرفة، وهم يحاولون من خلال التعميم ١٦١ والتعديلات عليه ان يتحول من منصة صيرفة الى منصة رسمية تعكس السعر الواحد لليرة اللبنانية”.
كما كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
إصابة الهدف الأساسي من الموازنة «الطارئة» للعام 2022، بـ»رصاصة» تقريب أرقامها من الواقع قد يكون غير دقيق. فـ»العمل على بناء الاستقرار في الاقتصاد الكلي والتصحيح والتعافي المالي بهدف الخروج من الأزمة»، كما ورد في نص فذلكتها، يتطلب أكثر من حشو «مقذوفتها» بسعر صرف محتسب على 20 ألفاً، وترشيد نفقات القطاع العام «على عيبه»، ورفع الايرادات من الضرائب الجديدة، واحتساب العجز على معدلات غير واقعية.
«إعترفت» الموازنة بأن «توحيد سعر الصرف يبقى العقبة الأهم للاستقرار النقدي والمالي بهدف تصحيح التشوهات الناتجة عن أثر تعدده على الاقتصاد بشكل مباشر»، وهذه نقطة تسجّل لصالحها. كما نصت على اعتماد سعر للصرف قريب من الواقع. حيث يظهر في الجدول المرفق أن تقديرها لاجمالي الناتج المحلي للعام 2022 بالدولار هو 22 ملياراً، وبحوالى 440 ألف مليار ليرة بالعملة الوطنية، ما يقود للاستنتاج أن سعر الصرف المعتمد هو 20 ألف ليرة. لكن هل هذان المؤشران الإيجابيان كافيان؟
الأهم توحيد سعر الصرف
الخبير المجاز في المحاسبة الاستاذ إدي صقر يلفت إلى أنه «من دون وجود وحدة قياس ثابتة نسبياً، تتحرك بهوامش اقتصادية وقانونية معقولة، ليس هناك أمل في نهضة الاقتصاد وتحقيق التوازن في مالية الدولة والمؤسسات على حد سواء. وإن لم يتم التوصل إلى سعر صرف واحد، يلعب ضمن هامش عادي، فان الايرادات المتوقعة لن يتحقق منها الكثير. ذلك أن القادرين على الدفع من المكلفين الذين يحملون الدولار سيستمرون بانتظار ارتفاع سعره لتصريف ما بحوزتهم على نسب مرتفعة، فيما سينتظر المكلفون الذين يحملون الليرة تراجع سعر الصرف. وعلى هذا المنوال لن يتحقق الهدف الاساسي من الموازنة. وهذا ما نلمسه من واقع تعاطينا مع المكلفين منذ العام 2019 الذين يصرحون من دون أن يسددوا للدولة ما عليهم من متوجبات». وعليه فان الاستقرار يبدأ برأي صقر، «عندما تكون هناك وحدة قياس ثابتة للعملة تتحرك ضمن هوامش إقتصادية صحيحة بعيداً عن تأثيرات الخطابات والمواقف السياسية عليها، التي ترفعها وتخفضها بنسب عالية جداً في أوقات قصيرة.
حفرت الحفرة ووقعت فيها
باستثناء الرواتب والاجور التي تدفع بالليرة اللبنانية، فان باقي نفقات الدولة تحتسب بالدولار. ومع هذا فان الدولة قد تكون احتسبت كتلة الرواتب المتضخمة أصلاً على دولار أعلى في مشروع الموازنة الحالي، من أجل تأمين متطلبات موظفيها الحياتية والوظيفية. وعليه فانه من مصلحتها تقريب سعر الصرف من سعر السوق لضمان تلبية متطلباتها.
إلا أن المشكلة تقع في الكفة الثانية من الموازنة المتمثلة في الإيرادات التي تحتسب معظمها بالليرة اللبنانية. حيث يفرض المنطق تساوي الايرادات مع النفقات عند رقم يقارب 49417 مليار ليرة. الأمر الذي اضطرها إلى رفع تقديراتها من العوائد الضريبية إلى 39 ألف مليار ليرة، وافتراض تأمين 10 آلاف مليار من مصادر غير ضريبية. وهذه العائدات لن تتأمن ما لم تحتسب الضرائب على سعر صرف أعلى من 1500 ليرة، وقد يصل أيضاً إلى 20 ألفاً. وهو ما يطرح تساؤلات جدية تنقسم إلى قسمين:
الأول يتعلق بقدرة المواطنين وقطاع الأعمال الذين لم ترتفع مداخيلهم وأجورهم بنفس النسبة على تسديد الضرائب على سعر الصرف الجديد.
الثاني، إزدواجية احتساب الضرائب على سعر صرف السوق فيما المواطنون يحصلون على أموالهم من المصارف على سعر 8000 ليرة!
وهنا يلفت صقر إلى أن الدولة أصبحت ملزمة باستحداث حسابات جديدة لها بالعملة الأجنبية في حال فشلت في توحيد سعر الصرف. الأول بالدولار النقدي والثاني بالدولار المصرفي المحجوز والمعروف تقنياً بـ»اللولار»، وذلك إفساحاً في المجال أمام المواطنين وقطاع الأعمال لتسديد ضرائبهم عبر تحويلات بنكية من الحسابات المحجوزة في المصارف. ويتيح حساب الفريش دولار تقاضي الضرائب المقومة بالعملة الاجنبية في مشروع الموازنة. ومنها على سبيل الذكر: فرض الضريبة بالدولار على الرواتب والأجور المقومة بالعملة الأجنبية.
وتقاضي الضرائب على فوائد العملات الاجنبية بنسبة 10 في المئة، للودائع المكونة قبل 17 تشرين الأول. وهنا يستحق السؤال عن سعر الصرف الذي سيحتسب على ضرائب الفوائد. فهل يحتسب على سعر السوق فيما يتقاضى المودع فائدته على سعر 1500 ليرة أو 8000 ليرة بالحد الاقصى بحسب التعميم 151؟
نسبة العجز من الناتج المحلي غير واقعية
إنطلاقاً من الأرقام التي أوردها تقرير وزارة المالية، فان نسبة العجز المرتقب من إجمالي الناتج المحلي (مقدّر بـ 440 ألف مليار ليرة) قاربت 2.3 في المئة فيما بلغ العجز في النفقات بالمقارنة مع الواردات حدود 20.7 في المئة. هذه الأرقام غير واقعية فـ»الأرقام قد تكون احتسبت على قياس فترة زمنية قصيرة»،
برأي صقر. «لأنه على المدى البعيد سيرتفع العجز إلى حدود 25 في المئة.
خصوصاً إذا أخذنا في الإعتبار عدم تضمينها سلفة للكهرباء التي فاقت 5000 مليار ليرة،
والاستحقاقات الكبيرة القادمة وفي مقدمها التفاوض على
الديون الخارجية (43.7 مليار دولار). ومن غير الممكن تحقيق استقرار
بالعجز وإجراء حساباته بشكل دقيق قبل إنجاز اتفاق مع الدائنين، ومعرفة
المبالغ المتوجب تقسيطها والتوقيت الذي سنبدأ به، وما حجم المساعدات
التي ستصل إلى لبنان. فالحسابات التي وضعت على أساسها الموازنة «معماة»
من وجهة نظر صقر، بمعنى أنها لا تأخذ بالحسبان الاكلاف الكبيرة المترتبة على الانهيار النقدي والاقتصادي».
القدرة على تحصيل الايرادات ضعيفة
أمام ما تقدم يتوقع صقر أن «لا تتمكن الدولة من تحصيل إيرادات ضريبية
بقيمة 39 ألف مليار ليرة في العام 2022. فهذه الايرادات مربوطة أولا بنسبة نمو 3 في المئة، وثانياً بضرائب معينة،
مثل رفع الضريبة على بيع الاسهم للشركات العقارية، وعلى الاملاك المبنية والقيمة التأجيرية…
وغيرها. فهذه الضرائب مرهونة بتحقيق الاستقرارين النقدي والاقتصادي، وما لم يتحققا
فان المكلفين لا يسددوا هذه الضرائب كما تتوقع الموازنة». أما البديل برأي صقر فهو:
– إعفاء المتوجبات الضريبية القديمة منذ العام 2019 من رسوم المتأخرات
والعمل على تحصيلها. الأمر الذي يرفع إيرادات الدولة لهذا العام إلى مستوى مقبول يغطي تكاليفها.
– العودة إلى فتح الادارات العامة، وانتظام الدوام في الدوائر العامة.
– تأمين الكهرباء والمتطلبات الادارية اللازمة لتسهيل تسديد المكلفين لمتوجباتهم.
– إزالة الغرامات على المتأخرات. ولا سيما تلك العائدة إلى الأعوام 2019، 2020، و2021.
الجهد المبذول في إعداد مشروع موازنة 2022 لن يقابل بنتائج فعلية ما لم تتغير أو تحدث القوانين
الموجودة حالياً. فهذه القوانين لا تتماشى مع العمليات التي تحصل على أرض الواقع،
ولا يمكن تطبيقها على الموجود. ويكفي أن نشير إلى أن العائدات الكبيرة التي
تظهر في موازنات المكلفين في مؤسسات القطاع الخاص ليست ناتجة
عن تحقيق أرباح جدية، إنما عن التضخم الناتج عن فرق العملة.
الأمر الذي يحتم برأي صقر «خفض معدلات الفائدة وليس زيادتها لتشجيع بقاء
المؤسسات ومكافحة الانكماش وتعزيز مالية الدولة». وهذا ما نراه معكوسا في مشروع موازنة 2022.