لم تسجّل الحكومة الحالية أي تقدم على مثيلاتها السابقات، لجهة التعامل مع عجز الموازنة وتحقيق إيرادات. فلطالما سلكت الحكومات السابقة الطريق الأسهل لتحقيق ايرادات عن طريق فرض رسوم وضرائب غير مباشرة، رامية العبء على كاهل اللبنانيين من دون أن تقابل أعبائهم الضريبية بأي تقديمات. هذا بالتحديد ما تنتهجه الحكومة الحالية. تفرض الرسوم والضرائب غير المباشرة، تُلهب الاسواق وتعترف بعجزها عن ضبطها في الوقت عينه.
وليست حال الإنكار التي يعيشها وزير المال، يوسف الخليل، سوى جزء من سياسة حكومية قائمة على “خداع” المواطنين، في سبيل إرضاء المجتمع الدولي بمشروع موازنة غير عادل ولا علمي بالعديد من مواده. ينكر وزير المال احتمال تأثر المستهلك بالزيادة في الرسوم، ويفرض في مشروع موازنة 2022 في الوقت نفسه سلة ضرائب غير مباشرة ورسوم قد لا يقوى اللبنانيون على تحمّلها.
تشمل موازنة 2022 رسماً مقطوعاً بقيمة 3 في المئة على كافة السلع المستوردة الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة، باستثناء البنزين والمعدات الصناعية والمواد الأولية للصناعات الزراعية، ورسم جمركي على السلع والبضائع التي يتم استيرادها ويصنع لها مثيل في لبنان 10 في المئة. ليس هذا وحسب، فالرسوم المستجدة سيتم استيفائها بدولار جمركي يفوق المعتمد حالياً بأضعاف، ما يعني أن الضغوط التضخمية المرتقبة ستكون مزدوجة، وتعود للرسوم المستجدة وسعر الدولار الجمركي المرتفع. ووقتذاك كم سيزيد مستوى أسعار السلع الغذائية؟ وكم سيرتفع عدد الفقراء العاجزين عن تأمين قوتهم؟ وكم سينتفع التجار والسماسرة من السياسات الاقتصادية العشوائية التي تعتمدها الحكومة والمترجمة بموازنة العام 2022؟
الرسوم والدولار الجمركي
تتّجه الحكومة إلى رفع الدولار الجمركي على المستوردات، على غرار ما أقدمت عليه حكومة العام 1992 التي حدّدت بموجب المرسوم 2515/1992 سعر الدولار الأميركي لاحتساب قيمة البضائع الواجب التصريح بها للجمارك بـ800 ليرة، في حين أن سعر الصرف الذي كان سائداً حينها كان يتراوح بين 880 ليرة و2880 ليرة للدولار، وبذلك يكون الدولار الجمركي أدنى من الدولار المتداول. أما الحكومة الحالية فإنها تعمل على نسخ المرسوم المذكور، وفق مصادر “المدن”، مع تغيير سعر الدولار الجمركي واعتماد عدة أسعار تختلف وفق شرائح معينة للسلع، أما سعر الدولار الأساسي لاستيفاء الرسوم وفقه، فمرجّح أن يكون سعر صرف منصة صيرفة (في محيط 22 ألف ليرة).
مع رفع الدولار الجمركي من السعر الرسمي المعمول به حالياً 1500 الى أكثر من 20 ألف ليرة، فإن أسعار السلع الاستهلاكية، ومنها الغذائية، سترتفع باكثر من 13 ضعفاً ما يعني زيادة الأسعار بنحو 1300 في المئة بالحد الأدنى. هذا ولم يتم احتساب زيادة الرسوم بعد أي رسم الـ3 في المئة والـ10 في المئة. من هنا فإن القدرة الشرائية ستتراجع بشكل كبير جداً بعد إقرار الموازنة، والبدء بتطبيق الرسوم الجديدة والدولار الجمركي. ما سيزيد من حدة الإنكماش بنسبة كبيرة، وتالياً سيخفض مستوى الاستهلاك وحجم الإيرادات.
تلاعب التجار
أما اعتماد عدة أسعار لصرف الدولار لاستيفاء الرسوم الجمركية، فإنه سيفتح الباب أمام التجار للتلاعب ومراكمة الرساميل على حساب المستهلك، الذي بدوره سيتحمّل الأعباء النهائية للرسوم على المستوردات. وهذا الأمر ليس سرّاً. فالدولة لم تُحسن يوماً ممارسة الرقابة على الحدود الجمركية. وحسب رئيس نقابة خبراء المحاسبة المجازين والخبير الضرائبي، سركيس صقر، لا قدرة للدولة اللبنانية لحماية ضرائبها، فهي عاجزة عن تطبيق الضرائب على شريحة واسعة من المستوردين المهرّبين عبر المرافئ الشرعية والمعابر غير الشرعية، والمتلاعبين بكميات البضائع ونوعياتها. ويرى صقر في حديث إلى “المدن” أنه يبقى من الأجدى ان تكون الرسوم الجمركية حرة بمعنى أن يتم إعفاء كافة المستوردات من الرسوم إلا بنسب ضئيلة جداً، وتوجيه الضرائب إلى الداخل، أي على المبيعات والاستهلاك وغيره. ففرض الرسوم الجمركية على الاستيراد ستطال المستوردين غير المحظيين، وأولئك الذين لا يتمتعون بتغطية للتهرب والتهريب، وطبعاً ستطال بشكل أساسي المستهلكين. ويجزم صقر أن الرسوم على الاستيراد لن تعطي أي نتيجة، وهي غير عادلة على الإطلاق.
ويتشدد صقر بالتحذير من رسم الـ3 في المئة باعتباره “بالغ الخطورة”، في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار. وحسب صقر، في حال تحديد دولار هذا الرسم وفق سعر صرف المنصة، فإنه سيطال الفقراء قبل أي فئة أخرى، خصوصاً أن الرسوم ستتضاعف من احتسابها على 1500 إلى 20 ألف ليرة دفعة واحدة. ويقول صقر أنه في حال ارتأت الحكومة التخفيف من أثرها السلبي، عليها أن تثبت سعر صرف الدولار للرسم الجمركي عند 5000 أو 6 آلاف ليرة لا أكثر. أما في حال إقرار سعر الدولار الجمركي عند 20 ألف ليرة للدولار أو أكثر، فعليهم حينها تخفيض الرسم المقترح إلى 0.5 في المئة أو 1 في المئة بالحد الأقصى، وإلا فإنها ستكون مدمرة وفيها “خربان بيوت”.
انهيار القدرة الشرائية
الرسوم التي سيتم استحداثها ستزيد التضخم بما لا يفيد الصناعيين، بقدر ما سيُلحق ضرراً بالمستهلكين. أضف إلى أن أسعار السلع الاستهلاكية ذات الاستمرارية كالأدوات الكهربائية والتكنولوجية، فإن الحصول عليها سيصبح شبه مستحيل. أما السلع الغذائية كالألبان والأجبان ومختلف السلع اليومية، فإن أسعارها ستُلزم المستهلكين على التخفيف من استهلاكها. وربما ستعجز شرائح اجتماعية بأكملها عن الحصول عليها.
ويجزم صقر أن مستوى الأسعار والتضخم المرتقب سيجعل المستهلك عاجزاً عن تأمين احتياجاته. فالمستهلك لا يمكن أن يحتمل سعر دولار أعلى من 10 آلاف ليرة بالحد الأقصى. ويرى رئيس جمعية حماية المستهلك زهير برو أن السلطات السياسية والحكومات المتعاقبة اعتادت تحميل المستهلكين الأعباء الضريبية، ولم تتمكن يوماً من ضبط الأسعار وعمليات الاستيراد وشفافية التسعير، منتقداً في حديثه إلى “المدن” مبالغة الحكومة بزيادة الرسوم والضرائب غير المباشرة في الموازنة، ومنها رسم الـ3 في المئة والـ10 في المئة على الاستيراد، في مقابل تعزيز الإعفاءات على شركات الأوف شور وخفض الضرائب الواقعة على الثروات والأملاك العامة والأرباح وغيرها.
ويحذر برو من ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، لا سيما في ظل الفلتان وترك الأمور تحت سلطة التجار، على نحو لا يعود ممكناً التنبؤ بحجم ارتفاع الأسعار، الذي يمكن أن يسببه فرض الرسوم ورفع الدولار الجمركي.
عزة الحاج حسن-المدن