رياض سلامة يختطف “الميدل إيست”
ويطالب مسافريها بفدية
درج”: رامي الأمين – صحافي لبناني
هذا لا يحدث في أكثر البلدان ديكتاتورية.
انت مجبر على مشاهدة الإعلانات المدفوعة
التي تذهب أموالها إلى جيب محمد الحوت
ورياض سلامة. مجبر على إجراء فحص
PCR تضيع أمواله وتذهب إلى جيوب الفاسدين.
في حمّام طائرة “الشرق الأوسط” المتوجهة من
بغداد إلى بيروت عبارة مكتوبة بالأحمر على غطاء
الفتحة المخصصة لرمي أوراق “التواليت”: “لا
ترم السجائر هنا”. تبدو هذه العبارة غريبة في صياغتها،
إذ تنطوي على اعتراف ضمني بامكانية التدخين داخل
الحمّام، وتبدو الشركة حريصة على ألا ترمى السجائر،
بعد تدخينها، في هذه الفتحة، بل ربما يمكن أن ترمى
في مكان آخر، شرط ألا يعثر عليها أحد. شيء أشبه
بكنس الغبار أسفل السجادة.
هذا التناقض يكاد يلخص حال شركة طيران الشرق
الأوسط، التي تحرص من خلال إعلاناتها وسلوكياتها
العامة على إبراز صورة “ناصعة” عن لبنان كبلد
حضاري وسياحي متقدّم، فيما تغرق إدارتها في
فساد لا يصعب على من يدقّق أن يعثر عليه
بسهولة من خلال المراقبة والمقارنة وقراءة التناقضات.
فأعقاب السجائر التي دخّنتها إدارة الشركة، يمكن بسهولة
العثور عليها في أمكنة مختلفة على متن طائراتها.
ليس خافياً على أحد أن تذاكر السفر على متن طيران
الشرق الأوسط هي الأكثر كلفة بالمقارنة مع بقية
شركات الطيران. وتستوفي الشركة، التي يمتلك مصرف
لبنان الجزء الأكبر من أسهمها، ثمن بطاقات السفر
بالدولار الأميركي (فريش) فيما تحتجز المصارف أموال
اللبنانيين ومدّخراتهم بإشراف المصرف المركزي وحاكمه
رياض سلامة ومباركتهما. وقد اتخذ محمد الحوت، رئيس
مجلس إدارة الشركة قراراً ببيع التذاكر بالدولار الأميركي
في أيار/ مايو عام 2021، مستخفاً بالأزمة الاقتصادية،
قائلاً إن المواطن اللبناني الذي يعتزم السفر إلى الخارج
لديه إمكانية دفع كامل مصاريف رحلته بالدولار، و”سعر
التذكرة لا يُشكّل سوى جزء بسيط من الميزانية التي
يضعها المسافر عادةً”.
وبما ان المواطن اللبناني الذي يعتزم السفر، يشكّل
بالنسبة إلى الحوت سمكة في بحره يحق له ابتلاعها،
فإنه بتنسيق مع وزارة الصحة العامة، قرر استيفاء بدل
فحص PCR لكشف فايروس كورونا، ثلاثين دولاراً(طازجاً)
من كل مسافر، تدفع “أونلاين” عبر بطاقة ائتمانية. ولأن
الحوت يعرف ان صديقه رياض سلامة، مع باقي عصابة
المصارف، لم يتركوا للمواطن اللبناني بطاقة ائتمان
لاستخدامها بعد السطو على اموالهم ومدّخراتهم، فإنه
قرر ان يستوفي المبلغ بالدولار الأميركي نقداً من
المسافرين قبل الصعود إلى الطائرة. وطبعاً، إلى
هذا الفحص الذي تلزم الشركة مسافريها بإجرائه فور
وصولهم إلى مطار بيروت، فإنها لا تقبل بصعود أي
مسافر على متن الطائرة من دون فحص PCR سلبي صادر
في مدة لا تتجاوز 72 ساعة، ولا يشفع اللقاح لمتلقيه
(ولو بثلاث جرعات) من دفع هذه المصاريف. علماً أن
هذه الإجراءات غير معتمدة في معظم دول العالم،
ويكفي لدخول معظم مطارات العالم إبراز فحص PCR
سلبي مدته لا تتجاوز 72 ساعة. وليس خافياً على أحد
أن هذا الإجراء هدفه “لمّ” عملة خضراء طازجة.
حديثاً تم خفض كلفة فحص PCR المطار إلى ثلاثين
دولاراً بعدما كانت قيمته 50، وبعدما خرجت فضيحة ضياع
أموال الـPCR التي جمعت، ولا يزال القضاء اللبناني يجري
تحقيقاته لمعرفة مصيرها. وقد بدأت فكرة استيفاء هذه
البدلات الباهظة من فحوص الـ PCR في المطار لدعم
الجامعة اللبنانية، وطلابها هم الذين يجرون الفحوص
داخل المطار للوافدين، فيما لم يصل فلس واحد إلى
الجامعة بسبب الفساد وغياب الشفافية.
السؤال البدهي إزاء هذه المعطيات، يجب أن يوجّه
إلى طاقم الطائرة: هل تنال المضيفات، مثلاً، جزءاً
بسيطاً من ميزانية الشركة، أي رواتبهن، بالدولار الأميركي؟
وهذا السؤال لا يحتاج إلى أكثر من رفع اليد في مقصورة
الركاب. تحضر المضيفة، ونسألها، بعد طلب ماء الشرب،
عن راتبها. هل هو بالدولار الأميركي؟ تجيب المضيفة
همساً إنها لا تزال تتلقى، مع زملائها وزميلاتها، راتبها
بالليرة اللبنانية، وقد طاولته زيادة بسيطة، هي عبارة
عن نصف راتب بالليرة اللبنانية. بمعنى آخر، إذا كان
راتبها ثلاثة ملايين ليرة لبنانية (2000 دولار قبل الأزمة- أقلّ
من مئة دولار بعد الأزمة)، صار بعد الزيادة 4 ملايين
و500 الف ليرة (اقل من 200 دولار بحسب سعر صرف
السوق السوداء). لم تفصح المضيفة عن المبلغ
الذي تتقاضاه، لكنها قالت بوضوح إنه منخفض جداً
بالمقارنة مع قيمته بالدولار حينما كان سعر الصرف
ثابتاً عند 1500 ليرة لكل دولار أميركي.
لجأنا إلى مضيفة أخرى تحدثنا إليها خارج إطار عملها،
وأكدت المعطيات نفسها. لكنها أضافت أن الشركة
تعطي الموظفين “بونس” سنوي بالدولار الأميركي
(فريش) لا يزيد عن 600 دولار، وهي بمثابة رشوة
لإسكات الموظفين الذين خسروا قيمة رواتبهم، فيما
لا تزال الشركة تجني الأرباح المنظورة وغير المنظورة
بالدولار الطازج، ولا تعطي موظفيها حقوقهم، مع
غياب المنافسة والرقابة والمحاسبة.
فور إقلاع الطائرة من مطار العاصمة العراقية، تبدأ
الشركة ببث سلسلة من الإعلانات على الشاشات
المثبتة على مقاعد المسافرين وعلى الشاشات
الأكبر التي تفتح أوتوماتيكياً من سقف الطائرة.
لأكثر من ربع ساعة، يضطر الركّاب إلى مشاهدة
إعلانات متنوعة مدفوعة، أكثرها لجراحي تجميل
وخبراء تبرّج ومؤسسات صحية، ومن الواضح أنها
تسوّق للسياحة الطبية، فضلاً عن السياحة التجميلية،
فيما يعرف القاصي والداني حال المستشفيات اللبنانية
وافتقارها بسبب الأزمة وسياسات مصرف لبنان لأدنى
الإمكانات من مستلزمات طبية وأطباء وطبيبات
وممرضين وممرضات، إذ هاجر عدد كبير من الأطقم
الطبية إلى بلدان عربية وأوروبية طلباً لمعيشة أفضل.
لا يمكن للمسافر أن يتخطى الإعلانات. لا يوجد اي
طريقة لضغط skip. لا مجال للهرب. انت ملزم
بمشاهدة الإعلانات كافة، ولا
تستطيع حتى إطفاء الشاشة.
هذا لا يحدث في أكثر البلدان ديكتاتورية. انت مجبر
على مشاهدة الإعلانات المدفوعة التي تذهب
أموالها إلى جيب محمد الحوت ورياض سلامة.
مجبر على إجراء فحص PCR تضيع أمواله وتذهب
إلى جيوب الفاسدين. أنت مجبر على عدم تناول
الكحول على متن الطائرة لأن إدارة الشركة قررت
التوفير من النفقات بحجة “كورونا” والتوقف عن
تقديم الكحول مع الوجبات. كلها قرارات تتخذ على
مستوى واحد من السلطة، بلا محاسبة ولا تدقيق
ولا مساءلة. كلها تحدث كما لو أن راكباً يدخّن في
حمام الطائرة، لكنه يخفي أعقاب السجائر، ولا يرميها
طبعاً حيث كتب، للتمويه، بخط أحمر: “لا ترم
السجائر هنا”!
للمزيد من الاخبار الرجاء الضغط على الرابط التالي: