عربي بوست
لم تدم فرحة المتجمهرين طويلاً بإخراج فرق الإنقاذ “ريان” من البئر بعد أن أعلن الديوان الملكي في المغرب وفاة الطفل الذي تابع العالم قصة معاناته ومحاولة إنقاذه على مدى أكثر من 100 ساعة.
كانت قصة “ريان” (5 سنوات) قد بدأت ظهر الثلاثاء 1 شباط في قرية “إغران” التابعة لمنطقة تمروت بإقليم شفشاون شمال المغرب. كان ريان يلعب وسقط في بئر يبلغ عمقها 32 متراً لتنطلق عملية إنقاذ تحولت إلى ملحمة تابعها العالم أجمع لمدة تجاوزت 100 ساعة، لكن نهايتها جاءت حزينة.
قرية “إغران” تقع في أقصى شمال المغرب، التي تجري فيها عمليات حفر منذ نحو 100 ساعة لإنقاذ حياة الطفل ريان (5 سنوات) العالق داخل بئر عمقها 32 متراً.
“إغران” تقع في أقصى شمال المغرب داخل منطقة تسمى تمروت، وتبعد 92 كيلومتراً إلى الشرق من مدينة شفشاون السياحية الشهيرة أقصى شمال المملكة، ضمن جهة طنجة تطوان الحسيمة.
وتتمتع القرية بطبيعة جبلية كونها تقع ضمن سلسلة جبال الريف الممتدة على أغلب طول شمال المغرب. وجبال الريف سلسلة كبيرة تقع بمحاذاة ساحل البحر الأبيض المتوسط على شكل قوس واسع من مضيق جبل طارق إلى مدينة وجدة أقصى شمال شرق البلاد.
ولا بد للوصول إلى القرية من سلوك طرق جبلية ومنعرجات عديدة ممتدة، نظراً للطبيعة الجبلية التي تغلب على مناطق الريف شمال البلاد. وتضم القرية بضع عشرات من البيوت المتفرقة المتباعدة والتي يغلب على كثير منها طابع البناء البسيط.
وتتربع القرية وسط مرتفعات جبلية متفاوتة الانحدار تكسوها أشجار متوسطة الكثافة، وترتفع السلاسل الجبلية لمنطقة إغران قرابة 1500 متر فوق سطح البحر، وتشتهر المنطقة بوفرة الأمطار والانزلاقات الترابية نظراً لطبيعتها الصخرية الهشة.
وتتكون جبال إغران من صخور الشيست النارية المتحولة، والتي تتشكل على شكل طبقات صخرية رقيقة وهشة. ويمتهن أغلب سكان قرية “إغران” الزراعة، وهذا ما يفسر انتشار الآبار في تلك المنطقة، والتي كان أحدها مكاناً لسقوط “ريان”.
ترجع صعوبة عملية إنقاذ الطفل ريان إلى طبيعة هذه الصخور التي عقدت من مهمة المنقذين، وزادت احتمالية حدوث انهيارات صخرية أثناء الحفر.
إذ فرضت طبيعة صخور المنطقة على طواقم الإنقاذ حفر منحدر بطول 150 متراً وبعمق 32 متراً، قبل شروعها عبر مختصين بحفر منفذ أفقي للبئر يدوياً تجنباً لأي انهيار صخري محتمل.
وفي البداية عندما سقط ريان حاول متطوعون من أهل القرية والقرى المجاورة إخراج الطفل من البئر وإنقاذه لكن تلك المحاولات الأولية باءت بالفشل نظراً لضيق البئر.
وليل الثلاثاء الأربعاء بدأت قصة ريان في الانتشار عبر منصات التواصل الاجتماعي داخل المغرب وتدخلت السلطات وأرسلت فرق متخصصة لإنقاذ الطفل، وبدأت قصة ريان تنتشر في وسائل الإعلام العربية والعالمية.
وشيئاً فشيئاً بدأت تتضح مدى صعوبة وتعقيد عملية إنقاذ ريان، بسبب ضيق قطر البئر (لا يتجاوز 45 سم)، وكذلك بسبب طبيعة التربة التي عقدت مهمة الإنقاذ.
ومع مرور اليوم الثاني (الأربعاء) بعد نجاح فرق الإنقاذ في تحديد مكان ريان داخل البئر واتضاح مدى صعوبة الوصول إليه، أعلنت الحكومة المغربية 3 سيناريوهات لإنقاذ الطفل: الأول يتمثل في توسيع البئر، والثاني إنزال رجال الإنقاذ، والثالث الحفر الموازي للبئر للوصول إلى الطفل.
وبعد أن فشل السيناريو الأول والسيناريو الثاني، انتقلت طواقم الإنقاذ إلى حفر منحدر مواز للبئر بطول 150 متراً، وعمق 32 متراً عبر 6 جرافات واصلت الليل بالنهار من أجل إتمام مهمتها.
وفي أكثر من مناسبة اضطرت الجرافات للتوقف عن العمل بسبب حدوث انزلاقات صخرية متعددة أثناء عملية الحفر.
وفي غضون ذلك، أظهرت صور ومقاطع فيديو بثها ناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي، قيام سيدات ريفيات من أهالي القرية، بإعداد الطعام لطواقم الإنقاذ والوافدين، وتوفير ما يمكن توفيره من احتياجات لهم.
وظهر عدد من عناصر قوات الأمن في مكان قريب من موقع الحفر، مفترشين الأرض بعد أن نال منهم التعب.
وعصر الجمعة 4 شباط أعلن التلفزيون المغربي أن عملية الحفر الأفقي بدأت لإنقاذ الطفل ريان: “عملية الحفر الأفقية ستشمل مسافة 8 أمتار للوصول إلى مكان ريان”. ودخل 3 خبراء إلى النفق الأفقي ليقوموا بالحفر اليدوي للوصول إلى بقعة موازية لمكان وجود ريان.
وأعلن مسؤول مغربي أن فرق الإنقاذ قد بدأت “أعقد مرحلة” في الحفر لإنقاذ ريان، موضحاً أن عملية إخراجه من البئر تتقدم بشكل حذر؛ لتفادي انهيار التربة.
عبد الهادي التمراني، المسؤول عن “لجنة اليقظة والتتبع” المكلفة بعملية إنقاذ الطفل ريان،
قال إن “عمليات إنجاز الحفرة الموازية للبئر تتقدم بشكل حذر؛ لتفادي انهيار التربة”،
وأوضح وقتها أنه “تم حالياً تجاوز أكثر من 30 متراً من أصل 32 متراً. لم يتبق إلا القليل، قبل الشروع في إحداث الثقب الأفقي”.
ويوم السبت، اليوم الخامس على وجود ريان في البئر، ومع وصول
عمليات الحفر إلى نهايتها، وصلت إلى الموقع سيارة إسعاف ومتخصصون
في الإنعاش، وأصبحت المسافة بين المنقذين وريان سنتيمترات قليلة.
وكان بطل هذه المرحلة علي الجاجاوي المختص بحفر الآبار
والذي أتم يدوياً حفر نفق نحو الطفل، قبل دخول طواقم الدفاع المدني رفقة أجهزة دقيقة من أجل انتشاله.
ونالت مشاركة الجاجاوي، الذي يتجاوز عمره الخمسين عاماً، في الجهود المبذولة لإنقاذ ريان
إشادة واسعة عبر منصات التواصل الاجتماعي. إذ أشاد رواد منصات التواصل الاجتماعي
في المغرب بشجاعة “العم علي” الملقب بـ”الصحراوي”، نسبة إلى أصوله التي تعود لصحراء
وسط شرقي البلاد، والذي قاد بأنامله عملية حفر المنفذ الأفقي لإنقاذ الطفل العالق.
وأفاد إعلام محلي لاحقاً بأن فرق الإنقاذ تمكنت بالفعل من الوصول إلى ريان،
وأن فريقاً طبياً مختصاً في الإنعاش دخل إلى النفق وسيعمل على نقله إلى خارج البئر، ثم إلى المستشفى.
وقال وزير التجهيز والماء المغربي نزار بركة في بيان، السبت، إن
سلطات بلاده “سخرت كل الإمكانيات” لإنقاذ ريان، معتبراً إياها من “أعقد عمليات الإنقاذ المماثلة بسبب هشاشة التربة”.
ومع مرور الدقائق بطيئة وثقيلة، لم تخلُ عيون بعض المشاركين في
عملية الإنقاذ من الدموع، وظهرت على طواقم الإنقاذ، التي واصلت الليل بالنهار
من أجل انتشال الطفل، علامات الإرهاق الشديد بعد ساعات متواصلة من العمل.
وكانت اللحظة الحرجة، مساء السبت، عندما تمكنت فرق الإنقاذ
وعلى رأسها طبيب متخصص في الإنعاش من إخراج ريان من البئر،
وسط تكبيرات المتجمهرين وفرحتهم بخروج ريان من البئر أخيراً وانتهاء معاناته التي استمرت 100 ساعة.
ووسط مشهد مهيب وتجمهر كبير لم يقتصر على المغاربة في المكان،
بل حبست أنفاس العالم الذي تابع الحدث عبر شاشات التلفاز،
انتشلت طواقم الدفاع المدني ريان، وسط فرح ممتزج بالدموع لإخراجه.
وخرج عناصر من الدفاع المدني من نفق تم حفره لإنقاذ الطفل ومعهم ريان،
محمولاً على نقالة خاصة، ومع خروج ريان محمولاً من قبل طواقم الدفاع
المدني إلى سيارة إسعاف مجهزة بشكل خاص، وفي مشهد مؤثر،
تعالت بالهتاف والتكبير والتهليل أصوات مئات الحاضرين من المواطنين الذين أتوا من عدة مدن مغربية.
لكن لم تدم فرحة إخراج فرق الإنقاذ “ريان” من البئر طويلاً، بعد أن
أعلن الديوان الملكي في المغرب وفاة الطفل، بعد وقت قصير
على انتشاله ليسدل الستار على قصته بنهاية حزينة.
إذ أعلن الديوان الملكي في بيان نشرته وكالة الأنباء المغربية،
مساء السبت، وفاة الطفل ريان: “على إثر الحادث المفجع الذي أودى بحياة الطفل ريان أورام، أجرى الملك محمد السادس،
اتصالاً هاتفياً مع خالد أورام، ووسيمة خرشيش والدي الفقيد الذي وافته المنية بعد سقوطه في بئر”.
وقدم العاهل المغربي، بحسب البيان، “تعازيه لكافة أفراد أسرة
الفقيد في هذا المصاب الأليم”. وأعرب الملك محمد السادس عن
“تقديره للجهود الدؤوبة التي بذلتها مختلف السلطات والقوات العمومية،
والفعاليات الجمعوية، وللتضامن القوي والتعاطف الواسع الذي حظيت
به أسرة الفقيد من مختلف الفئات والأسر المغربية في هذا الظرف الأليم”.
وامتدت الصدمة والحزن على وفاة ريان إلى ربوع المغرب وتخطت
حدوده أيضاً، بعد أن تابع العرب والعالم أجمع تفاصيل
عملية الإنقاذ الماراثونية لحظة بلحظة وسط دعوات الجميع لريان بالسلامة.
وعبر عزيز أخنوش، رئيس الحكومة المغربية، عن حزنه، إذ كتب عبر
حسابه على فيسبوك: “تلقيت بحزن وأسى كبيرين خبر وفاة الطفل ريان بعد أيام من المعاناة، والأمل في الوصول إليه حياً”.
فيما كتب سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق، عبر حسابه على فيسبوك:
“إنا لله وإنا إليه راجعون، لله ما أخذ وله ما أعطى، رحمة الله على الطفل ريان ورزق والديه الصبر والسلوان”.
وكتب نجم كرة القدم المصري محمد أبو تريكة على فيسبوك: “
اللهم اجعله طيراً من طيور الجنة شفيعاً مجاباً لوالديه،
اللهم أعظم به أجورهما وثقل به موازينهما.. اللهم ارحم ريان وأنزل على أهله الصبر والسلوان يا رب العالمين”.
ونشرت الصحفية الجزائرية بقناة الجزيرة خديجة بن قنة، عبر فيسبوك:
“لا حول ولا قوة إلا بالله.. إنا لله وإنا إليه راجعون”، مرفقاً بوسم (هاشتاغ) ريان في ذمة الله.
وأعادت مأساة ريان إلى الأذهان حادثاً مشابهاً لطفل هندي كان
قد سقط أيضاً في بئر بلغ عمقها 180 متراً عام 2019 وشغلت
جهود إنقاذه، التي استمرت أربع أيام، الهند والعالم، لكن الطفل
سوجيت ويلسون (أقل من 3 سنوات) توفي قبل وصول فرق الإنقاذ إليه، وهو ما حدث مع ريان أيضاً.