بعد مشهدية 14 شباط لمن سيُصوّت جمهور “المستقبل”… جنبلاط أو “القوات” أم “التيّار”؟
أكّدت عودة الرئيس سعد الحريري الى لبنان لاحياء الذكرى الـ17 لاغتيال الرئيس رفيق الحريري أمراً واحداً، وهو الاستمرار بتعليق المشاركة في الحياة السياسيّة. فاكتفى بتحيّة المناصرين أمام ضريح والده، ولم يصدر أي موقف سياسي يُذكر. كذلك، شدد التعميم الصادر عن “المستقبل” للنواب الحاليين والمنتسبين الذين يريدون الترشّح للانتخابات، على أنّ التيار ملتزم بقرار رئيسه بالمقاطعة. ويبقى السؤال، هل سيقترع مناصرو التيّار “الازرق”، ولمن سيُصوتون؟ وخصوصاً وأنّ حلفاء الحريري وعدداً من نواب “المستقبل” الحاليين سيخوض المعركة الديمقراطيّة.
مما لا شكّ فيه، ان مهمّة نواب “المستقبل” الحاليين بخوض الاستحقاق الانتخابي ستكون صعبة في ظلّ عدم مشاركة “التيّار” في الانتخابات، وخصوصاً من ناحيّة إطلاق الماكينات الانتخابيّة، والحملات الاعلاميّة، واللوائح وغياب التمويل اللازم، ما سيُؤدّي حكماً إلى انخفاض نسبة المشاركة السنّية في عمليّة الاقتراع. ويرى مراقبون أنّ معركة دائرة بيروت الثانيّة، بالاضافة إلى طرابلس ليست سهلة، مع بروز عدّة قوى سياسيّة على الارض، من “حزب الله” وحلفائه السنّة، والشخصيّات السنّية المعارضة بشدّة لـ”الحزب”، وقيام المجتمع المدني بعد “ثورة 19 تشرين”.
في المقابل، فإنّ جمهور “المستقبل” يُدرك أنّ ترك الساحة لخصومه سيزيد الامور تعقيداً. ومن هنا، يُشدّد مراقبون على أنّ مشاركتهم ضروريّة جدّاً. ويُضيفون أنّه لم يصدر أيّ قرار من تيارهم يمنعهم من ممارسة حقّهم بالاقتراع. ورغم أنّ المهمّة صعبة بغياب الشخصيّات التقليديّة القياديّة لـ”المستقبل” في الانتخابات، إلا أنّ مساهمتهم لو بالحدّ الادنى ستكون كفيلة برسم معالم السياسة للسنوات الاربع المقبلة. فبعض نواب “المستقبل” الحاليين المقربين جدّاً من الرئيس الحريري، يدرسون ترشّحهم. وبانتظار تنسيقهم اللوائح والتحالفات، يبقى هؤلاء أهمّ الذين سيستقطبون الاصوات السنّية في المرتبة الاولى، كونهم ممثلي التيار “الازرق” بقبّعة المستقلين هذه المرّة. ويُشير مراقبون إلى أنّ هؤلاء المرشحين قادرون على قيادة الشارع السنّي في الانتخابات، لسبب أساسيّ، وهو أنّهم ليسوا بجدد على هذا الاستحقاق، ولديهم الخبرة الكافية، وخاضوا الانتخابات لسنوات طويلة مع “المستقبل”، وإلى جانب الحريري.
توازياً، يبقى رئيس الحزب “التقدّمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، الشخصيّة الاقرب التي واكبت الحريري منذ العام 2005، وحتّى قرار عزوفه. ورغم أنّ علاقة جنبلاط بالاخير مرّت بتقلبات خفيفة إنّ يجدر وصفها من جهة، إلا أنّها تختلف بكثير عن الخلاف السياسي بين الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانيّة” سمير جعجع، وبين الحريري ورئيس “التيّار الوطنيّ الحرّ” النائب جبران باسيل من جهة ثانيّة. ومن هنا، فإنّ مرشحي جنبلاط هم الاوفر حظاً لنيل الاصوات السنّية المواليّة للحريري، وخصوصاً في دائرة الشوف إنّ عزف النائب محمد الحجّار عن خوض الانتخابات. كذلك، فإنّ جنبلاط سيكون بحاجة ماسّة للاصوات السنّية في دائرة بيروت الثانيّة، والبقاع الغربي وعاليه، كي يتمكّن من المحافظة على عدد نوابه. ويصف مراقبون أنّ معركة جنبلاط صعبة جدّاً إنّ خاضها إلى جانب “القوات” فقط، فقد كانت نسبة مشاركة السنّة في الاقتراع تُربح لوائحه حواصل إنتخابيّة. والتحالف مع الحريري كان يُريحه لايصال عدد من النواب الدروز إلى مجلس النواب في مواقع النفوذ السنّي الذي أصبح مختلفاً بعد انتخابات العام 2018، وبعد 19 تشرين الاوّل 2019، في بيروت الثانيّة بشكلٍ خاص. وتجدر الاشارة أيضاً إلى أنّ هناك تخوّفا لدى الاحزاب التقليديّة من تعاظم نفوذ المجتمع المدني في الشوف وعاليه، والذي سينعكس في صناديق الاقتراع، ضدّ “التقدمي”.
في المقابل، ورغم أنّ جعجع وباسيل سارعا لاستعطاف الشارع السنّي بعد قرار الحريري، إلا أنّ علاقة الاخير بهما ستؤكّد على أنّ جمهور “المستقبل” لن يصوّت لمرشحيهما. أوّلا، بما خصّ “القوات”، بدأ التوتر مع الحريري منذ التسويّة الرئاسيّة عام 2016، وصولا إلى استقالة مجلس الوزراء بعد تظاهرات 19 تشرين الاوّل، وعدم تسميّة نواب تكتل “الجمهوريّة القوّية” للحريري لتأليف الحكومة. وبعد عزوف الحريري، سادت مواقع التواصل الاجتماعي حرباً إعلاميّة بين جمهور “المستقبل” وبعض القيّمين عليه، وبين مناصري “القوات”. الامر الذي دلّ على الفراق السياسيّ الكبير بينهما.
من ناحية أخرى، فإنّ خلاف الحريري مع “الوطني الحرّ” وباسيل، يتخطّى ذلك مع “القوات”، وهو شخصيّ، بدأ بمهاجمة سياسة “الحريريّة” النقديّة والاقتصاديّة، وصولا إلى محاولة تشكيل حكومة أحاديّة يُقصى “التيّار” فيها. وبحسب مراقبين، فمن سابع المستحيلات أنّ ينال هذه المرّة باسيل أصواتا سنّية. فالمرحلة تختلف كثيراً بين انتخابات الـ2018، والان. ويسأل المراقبون “ماذا سيكون على سبيل المثال موقف المقترعين السنّة من انتخابات البترون، وخصوصاً مع كلّ ما يُحكى عن محاولة “القوات” وحلف “الكتائب” ومجد حرب لكسر باسيل في هذه الدائرة؟ هل يتدخّلون ويقترعون لصالح القوى المسيحيّة المعارضة لباسيل؟ علماً أنّ صوتهم كان مهمّا وحاسماً في فوز رئيس “التيار الوطني الحرّ” بمقعده عام 2018.
حتّى الان، يبدو أنّ مناصري الحريري لن يشاركوا في الانتخابات، وسيتقيّدون بقرار رئيسهم. وإن فعلوا فإنّ النسب ستكون ضئيلة، وهنا التخوّف من أنّ يتكرر سيناريو المقاطعة المسيحيّة عام 1992. في المقابل، يُجدّد مراقبون قولهم إنّ الطائفة لا يُمثلها فريق سياسيّ واحد، وهي أكبر من ذلك، ومقاطعة “المستقبل” لا تعني أنّ الاخير يختزل السنّة في لبنان، بل هناك كتلة نيابيّة سنّية معارضة له، بالاضافة إلى نواب مستقلين، ممثلين في مجلس النواب، ولديهم جمهور واسع في الشارع السنّي. من هنا، يدعو مراقبون جمهور “المستقبل” إلى عدم المقاطعة وإعطاء فرصة لمرشحين جُدد من المجتمع المدني، بإمكانهم إحداث فرقٍ في الحياة السياسيّة والاقتصاديّة.
للمزيد من الأخبار الرجاء الضغط على الرابط التالي