استشاط الرئيس نجيب ميقاتي غضباً أمس.
«خبط» يده على الطاولة منتقداً خطّة الكهرباء لأنها…
لم تأته بالكهرباء سريعاً. علماً أنه يدرك أنها، كأي خطّة
أخرى، تتضمن مراحل، وأن أمر تنفيذها سريعاً بيد الأميركيين
الذين ينتظر لبنان، حالياً، أن «يتحنّنوا» عليه لزيادة التغذية
بالتيار الكهربائي ست ساعات يومياً. ميقاتي انفجر غضباً
في وجه وزير الطاقة لأنه يدرك أنه عاجز، شأنه شأن
كل من يجلسون على مقاعد السلطة، على بعد أسابيع من الانتخابات
النيابية. ولأنه يعلم أن مداولات مجلس الوزراء تتسرّب
إلى الإعلام، قرّر القيام بتمثيلية، أو على الأقل المشاركة
في أحد أدوارها. لذا، صرخ بصوت متشنّج ومرتفع: «أنا
قادر، عبر شركة خاصة، على تأمين الكهرباء 24/24 ساعة
خلال 18 شهراً وتحقيق الأرباح». ورغم أن رئيس الحكومة
يحاول أن يقدّم لنا نموذجاً عن رجل الأعمال، الناجح
المغرور والجشع، إلا أنه لم ينتبه إلى أن كلامه هذا
ينطوي على العجز. فمن أين سيأتي ميقاتي بالتمويل
طالما أن لبنان مفلس، وطالما أن حاكم مصرف لبنان
الذي يعمل برعايته وتحت حمايته بدّد في السنتين
الماضيتين أكثر من 15 مليار دولار لحماية أطراف
السلطة من جوع الناس عبر دعم ذهب معظمه لجيوب
التجار؟ ومن أين سيأتي بالتمويل طالما أن الحاكم يقود
«خطّة للتعافي» تقترح ضخّ 695 ألف مليار ليرة على
مدى 15 سنة، أسقطها صندوق النقد الدولي لهذا السبب وحده؟
وهل يمكن أن يمون على الأميركيين لتأمين الضمانات
اللازمة لإمداد لبنان بالكهرباء 6 ساعات إضافية من دول
عربية، وإقناعهم بأن هذا الأمر ضروري لاستمرارية
السلطة ونجاح أركانها، بمن فيهم هو، في الانتخابات النيابية؟
استشاط ميقاتي غضباً لأنه أدرك أخيراً أنه عاجز. فقد
سقطت خطّة التعافي. وسقطت أيضاً خطّة الكهرباء.
ولم يعد في برنامج الحكومة التي يرأسها سوى إجراء
الانتخابات. وهذه أمرها ليس بيده مبدئياً، بل تخضع لرغبة
قوى خارجية على رأسها الولايات المتحدة، وتعجز القوى
السياسية عن تأجيلها رغم رغبتها الجارفة بذلك. قد تجرى
الانتخابات في موعدها وقد لا تجرى، لكن فكرة أن تحصل
بلا أي إنجاز تجعل رئيس الحكومة يستشيط غضباً. في خطابه
بعد همروجة الموازنة طلب أن «نتحمّل بعض»، لكنه هو نفسه «لا يتحمّل».
في الواقع، غضب ميقاتي ووزراء آخرين
هو للأسباب الخاطئة تماماً. فالنقاش في خطّة الكهرباء
لا يتعلق باستراتيجية التوجهات التي تقترحها،
سواء مع الأميركيين، أو في الضمانات المالية
التي يطلبها الروس والصينيون، أو في وجود عروض أخرى. للأسباب
الخاطئة، سيجري نقاش دراماتيكي مسرّب على الهواء
مباشرة من أجل الشعبوية الانتخابية. لكن لن يجري
أي نقاش حول ما يرد في الخطّة لجهة خصخصة
قطاع التوزيع، أو أي نقاش يتعلق بزيادة التعرفات
وآلية الفصل بين الأسر الفقيرة وتقديم
دعم وافٍ لها، وبين أسر ثرية يفترض أن تمثّل
تكافلاً لمنع اختلال النظام من خلال تعرفات أعلى…
النقاش الدائر اليوم هو عيّنة بسيطة من نقاشات مجلس
الوزراء على مدى عقود في قطاع الكهرباء. الكلّ يريد
حصّة من كعكة الكهرباء التي قال عنها يوماً البنك
الدولي: كل دولار يستثمر يدرّ 3 دولارات.
واضعو الخطة ومعارضوها لا يأبهون سوى لحصصهم.
للمزيد من الأخبار الرجاء الضغط على الرابط التالي