المركزية
لن تعبر العملية الاستطلاعية التي نفذتها الطائرة المسيرة التي حملت اسم “حسان” فوق الجليل المحتل من دون ترددات على مستوى المنطقة لا على الساحة اللبنانية فحسب. ومرد ذلك الى حجم الاستسلام الذي عبرت عنه المنظومة الحاكمة في لبنان أمام مختلف أشكال الصراع الاسرائيلي – الإيراني الذي يترجمه “حزب الله” على الساحة الجنوبية بمسلسل المفاجآت غير المحسوبة. وكل ذلك يجري بالرغم من حجم المخاطر التي يمكن ان تؤدي إليها، ليس بسبب رفع منسوب التوتر على الحدود الجنوبية بل بسبب خرقها لمقتضيات القرار 1701 وملحقاته الخاصة بتحديد قواعد السلوك التي تعتمدها قوات الأمم المتحدة “اليونيفيل” في لبنان منذ توسيع مهامها بموجب ذلك القرار.
انطلاقا من هذه المعطيات، كشفت مصادر ديبلوماسية غربية لـ “المركزية” أن الإتصالات التي قادتها مجموعة من الدول المشاركة في قوات الأمم المتحدة عبرت ما فيه الكفاية مما هو متوقع من تداعيات الخطوة و تبرير الخروقات الإسرائيلية المتمادية والتي يمكن ان تستجر عمليات عسكرية في عمق الاراضي اللبنانية في وقت ينشغل العالم بما سمي بالصيغ شبه النهائية التي يجري العمل على توليفها في كواليس مفاوضات فيينا بين ايران ومجموعة الدول (5 +1) بشأن ملفها النووي.
ومهما توسعت التوصيفات التي أغدقها المسؤولون الإيرانيون لماهية الصيغ والبرتوكولات المطروحة في مفاوضات فيينا في الايام القليلة الماضية والإيحاء بوجود تقدم ملموس وبالغ الدقة يمكن البناء عليه في وقت قريب. فقد دخلت المفاوضات في سلسلة من التفاصيل حول كيفية احياء كل أشكال المراقبة الدقيقة لما بلغه التقدم الايراني في عملية تخصيب اليورانيوم والنسب التي تمكنت من الوصول إليها والتي يمكن ان تتحول الى صناعة اسلحة نووية محظورة في اي وقت في فترة غياب المراقبة المشددة على بعض المفاعلات النووية بعد تجميد الإتفاق معها من قبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قبل اربع سنوات.
ومهما كانت التوقعات الايرانية وتلاقيها مع مواقف لوفود تشارك في المفاوضات متفائلة بامكان التوصل الى اتفاق نهائي في وقت قريب، فإن تقارير ديبلوماسية أخرى تعكس تراجعا في هذه الأجواء. فهي تتحدث عن جانب آخر من المفاوضات لم يكتمل بعد وهو سيكون من ملحقات اي تفاهم يتصل بالقوة النووية الايرانية حصرا. وهو يطال ما هو مطلوب من إيران مقابل اي تسهيلات يمكن ان تحصل عليها، لجهة تجميد
بعض العقوبات المفروضة عليها والتخفيف من القيود على عدد من الحسابات
المصرفية المجمدة في اكثر من عاصمة التزمت بالعقوبات الاميركية عليها.
وهي مكتسبات لا يمكن الحصول عليها قبل ان تثبت إيران بخطوات عدة
حسن نواياها بتبريد الكثير من الأزمات الدولية التي تشارك فيها بشكل
من الأشكال لتترجم بالضمانات الكافية او لجم نشاطات اذرعها الخارجية في اكثر من بقعة ملتهبة في العالم.
وعليه، فإن ما جرى في الايام القليلة الماضية شكل رسالة ايرانية واضحة
الى المجتمع الدولي الذي يحاصرها بالعقوبات بأنها وحتى هذه اللحظة ما زالت ترفض تقديم اي وثيقة بهذه الضمانات
مصرة على الفصل التام بين ما هو مطلوب منها وما يجري في بعض
هذه الدول من اليمن الى لبنان وجوارها وانه لم يحن الوقت بعد لتستسلم
ايران امام اي انجاز يمكن ان تحققه في ملفها النووي.
انطلاقا من هذه المؤشرات، فإن المراجع الديبلوماسية التي تتابع ما جرى
على الساحة الجنوبية، رأت في ما حصل مؤشرا ينبئ بالكثير من المخاطر
بإمكان ان تنضم الجبهة الجنوبية في لبنان الى باقي جبهات التوتر .
والى ذلك، فإن الحديث عن نظرية “الردع المتبادل” بين الحزب وإسرائيل لا وجود لها في
المنطق الديبلوماسي وليس هناك من مجال للمقارنة بين قدرات الطرفين وأن اي مواجهة
من هذا النوع ستزيد من آلام اللبنانيين جميعا وهو ما لا ترضى به اي دولة في العالم تسعى الى اخراج لبنان من مسلسل المآزق التي يعيشها.
وختاما، تنتهي المراجع الديبلوماسية في قراءتها لما جرى بعد ساعات قليلة
على مواقف الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله لتستشرف من
خلاله مؤشرا خطيرا الى امكان ان يكون ماحدث اولى “الطلقات التجريبية”
التي يمكن ان تقود الى مواجهة جديدة في لبنان في اي لحظة.وخصوصا ان
خرجت اسرائيل من نطاق الضوابط الاميركية التي حالت دون اي عمل
عسكري تقوم به في ايران لتكون اصداءه المباشرة على الساحة اللبنانية
معتبرة ان مرحلة “جس النبض” قد انتهت منذ زمن ولم يعد هناك من محاولات تجريبية.