تحت عنوان “مصارف تبيع أصولها بالخارج وتحتكر الدولارات: لا مال للمودعين “، نشر موقع المدن:
قد لا يكون أمراً جديداً أن يعلن بنك كابيتال الأردني، عن عمليات استحواذ للحصول على مصارف لبنانية عاملة في الأردن، ومنها ما أعلنته وكالة رويترز من استحواذ المصرف الأردني على أصول لبنك سوسيته جنرال SGBL قبل أيام. لكن ما قد يثير الدهشة أن عمليات الاستحواذ هذه وغيرها التي بدأت منذ العام 2020، لم تنعكس على آلية عمل المصارف، أو حتى على استرجاع جزء من أموال المودعين المحجوزة، أو لناحية توقف المصارف اللبنانية عن الاستغناء عن موظفيها وتقليص فروعها.
وهذا يعني ببساطة أن “المصارف اللبنانية تبيع أصولها في الخارج، لزيادة حجم أرباحها”، بلا اكتراثها بحاجة المودعين لأموالهم في ظل الظروف الاقتصادية والمالية اللبنانية الصعبة، ولا بطردها موظفيها بلا سابق انذار.
عمليات بيع نشطة
في كانون الثاني 2021، وافق بنك عودة على التوقيع على الاتفاقية النهائية لبيع مصرفه في مصر لبنك أبو ظبي الأول، بقيمة 660 مليون دولار.
ووقعت مجموعة كابيتال بنك ومجموعة بنك عوده في كانون الثاني 2021، على الاتفاقيات النهائية لاستحواذ كابيتال بنك على أعمال فروع بنك عوده في الأردن، واستحواذ البنك الأهلي العراقي، التابع لمجموعة كابيتال بنك، على أعمال فروع بنك عوده في العراق. ولم يفصح المصرفان عن قيمة عمليتي الاستحواذ بشكل رسمي. ولكن مصادر عدة لفتت إلى أن قيمة الاستحواذ تراوحت ما بين 60 و65 مليون دولار. وفي الفترة نفسها من العام 2021، باع بنك لبنان والمهجر (BLOM BANK SAL) حصّته في بنك بلوم مصر(BLOM BANK Egypt SAE) للمؤسّسة المصرفية العربية (Bank ABC BSC) بنحو 427 مليون دولار أميركي، حسبما جاء في بيان لبنك لبنان والمهجر. وتقدر قيمة الصفقة التي أعلن عنها مؤخراً (17 شباط الجاري) بنك كابيتال الأردني، للاستحواذ على أصول بنك سوسيته جنرال الأردن (SGBJ) بنحو 185 مليون دولار، حسبما ذكر بيان صادر عن بنك كابيتال. ومن خلال احتساب قيمة الصفقات المالية، يمكن القول إنها مابين مليار و300 مليون دولار ومليار و500 مليون دولار.
يعلق كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس، نسيب غبريل، على قيمة الصفقات التي تمت منذ مطالبة مصرف لبنان بزيادة رأسمال المصارف العاملة في لبنان، بأنها مقبولة إسمياً، إن أردنا قراءتها من زاوية حجم المصارف العاملة في الخارج. بمعنى أن قيمة الصفقات التي يتم توقيعها قد تكون متوازنة ومناسبة جداً مع قيمة أصول المصارف في الخارج. ولكن إن أردنا قراءتها من زاوية ضخ سيولة مالية القطاع المصرفي اللبناني، وإعادة تشغيل القطاع كالسابق، قد يكون الرقم بسيطاً، وحتى ليس كافياً. يقول غبريل لـ”المدن”: “صحيح أن مصرف لبنان طالب بزيادة رأسمال المصارف بنحو 3 في المئة العام الماضي، لكن هذه النسبة تبقى متدنية جداً، مقارنة بقيمة الخسائر المسجلة في ميزانية المصارف، بسبب توظيفاتها بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان، وفي سندات الخزينة بالعملة الأجنبية”.
هل يمكن للمودع المطالبة بأمواله؟
أما في ما يتعلق بإمكان أن تشكل قيمة هذه الصفقات عاملاً في استرجاع المودعين جزء من أموالهم، فيرى غبريل أن الأمر ليس بسيطاً. فقد تساعد أموال عمليات الاستحواذ على ضخ سيولة في المصارف اللبنانية، لكنها لن تمكن المودعين من استرجاع ودائعهم الدولارية، إلا ضمن التعاميم التي يصدرها المصرف المركزي، أو من خلال سحبها وفق سعر الصرف المعتمد عند 8000 ليرة.
لا يتفق الخبير الاقتصادي لويس حبيقة مع غبريل، بشأن إمكانية تصرف المودعين بأموالهم وفق تعاميم مصرف لبنان، التي يراها غير منصفة. ويقول حبيقة لـ”المدن”: “من حق المودع قانوناً، أن يستلم أمواله كما سلمها وبالعملة نفسها، سواء أكانت بالدولار أو بالليرة لبنانية. وتعاميم مصرف لبنان الخاصة بأسعار الصرف، لا تستند إلى أي مبرر قانوني أو اقتصادي”. ومن هذا المنطلق يرى حبيقة أن عمليات بيع الأصول في الخارج، قد تشكل مدخلاً لحصول المودعين على جزء من أموالهم، على اعتبار أن بيع الأصول تعود ملكيتها للمصارف اللبنانية. وبالتالي يمكن للمودع في لبنان، بعد رفعه دعوى قضائية، المطالبة بالحصول على جزء من أمواله.
على الرغم من قانونية هذا المسار، لا يبدو حبيقة متفائلاً من إمكانية حصول المودع على أمواله. ويرى أن هناك مئات الطرق التي تسلكها المصارف لعرقلة حصول المودعين على أموالهم، محملاً بذلك المسؤولية الكاملة لمصرف لبنان، الذي لم يتدخل حتى الأن، في تنظيم عمليات السيولة المالية التي حصلت عليها المصارف التي باعت جزء من أصولها في الخارج. وهذا يطرح علامات استفهام عن دور المركزي في تنظيم عمل المصارف.
تداعيات على عمل المصارف
هل يمكن أن تنجم عن بيع المصارف أصولها في الخارج تداعيات على واقع القطاع المصرفي في لبنان؟ الإجابة ببساطة كلا. فالأصول في الخارج لن تغير من واقع المصارف اللبنانية، التي تسعى إلى التكيف مع الأوضاع الاقتصادية، بدلاً من أن تكون جزءًا من الحل للخروج من الأزمة. فهذه العائدات المالية لن تثني المصارف عن قرارات إغلاق فروع لها في لبنان، وصرف موظفيها. وهذه ظاهرة بدأت تزداد مؤخراً، حسبما يؤكده مصدر في نقابة موظفي المصارف، ويقول “إن المصارف اللبنانية، ومنذ عام تقريباً، تلجأ إلى تقليص حجمها، للتكيف مع الأوضاع الاقتصادية المستجدة، ما ينعكس سلباً على الموظفين، رغم أن مصارف كثيرة باعت أصولها، لكنها فضلت الاحتفاظ بالأموال بدلاً من ضخها في القطاع المصرفي”.
وحسب أرقام جميعة المصارف، انخفض عدد الفروع المصرفية من 1081 نهاية عام 2018، إلى 919 فرعاً نهاية تشرين الثاني 2021. أي بنسبة 15 في المئة. كما تقلص عدد الموظفين في الفترة ذاتها من 25.908 ألف موظف إلى نحو 20 ألفاً، أي بنسبة 23 في المئة.