منذ بداية الأزمة اي منذ 3 سنوات، انشغل اللبنانيون بصورة متواصلة بأخبار الدولار وأسواقه الرسمية والموازية ما دفعهم لملاحقة أحوال المنصات ومتابعة حركة الهبوط والارتفاع التي أثرت وما زالت تؤثر بشكل كبير على يومياتهم وأسلوب حياتهم. فالتفلت الحاصل في سعر الدولار أدخل مختلف القطاعات الحيوية من النفط الى المستشفيات و الأدوية و الخبز و”السوبرماركات” وغيرها في أزمات متتالية ومستمرة ما خلق بطريقة متقطعة ومتتالية مفهوم “الطوابير”
التي تحوّلت لفترة طويلة من الزمن الى تقليد شبه طبيعي اعتاده المواطن في مختلف المناطق اللبنانية
اذا، يبدو “الدولار” المؤشر الأبرز حول حدة الأزمة وحول مسارها
فمنذ انطلاقها وحتى أواخر العام 2021 وبداية العام 2022 كان المسار التصاعدي
هو المسيطر على سوق الصرف دون اي امكانية جدية للجمه او توقيفه.
وما حصل مؤخرا عبر اصدار مصرف لبنان “التعميم 161” وتجديده لاكثر من مرة
شكّل المحاولة الجدية الفريدة التي تمكنت بطريقة او بأخرى من خلق مسار جديد يمكن تلخيصه بمرحلتين متتاليتين،
الأولى هي عبارة عن مسار تراجعي تم خلاله خفض سعر الدولار من 33 الف ليرة الى 20 الف ليرة،
أما المرحلة الثانية فهي عبارة عن مسار تثبيتي تم خلاله أقله حتى اليوم تثبيت سعر الصرف وفقا لمنصة “صيرفة” عند الـ 20 الف ليرة.
وفي هذا الاطار
لا يمكن غفل الأصوات التي تقول ان التثبيت الحاصل هو وهميّ وغير حقيقي وسينتهي فور عدم تمكن “المركزي”
من تأمين المبالغ المالية بالدولار الأميركي التي توازي الكتلة النقدية الضخمة جدا التي يتم جبايتها شهريا بالليرة اللبنانية.
كما لا يمكن أبدا غض النظر عن تفلّت التجار وعدم القدرة على لجمهم ولجم طمعهم المتزايد
والمصّر على اعتماد سعر صرف يفوق 33 الف ليرة لبنانية دون وجه حق.
فغالبية السلع على انواعها وتعددها تباع بأسعار خيالية لا تمت بصلة الى المسار التنازلي الذي فرضه مصرف لبنان بالتعاون مع الحكومة،
وهذه نقطة ضعف لا بد من معالجتها حتى يتمكن المواطن من ان يستفيد فعليا من “التعميم 161”.لكن وفي مقابل ذلك،
تظهر بعض العلامات الايجابية التي تتوزع ما بين السياسية والاقتصاد
والتي قد تؤشر الى امكانية وضع البلاد على سكة التعافي والخروج من أتون الجهنم الاقتصادي.
فعلى الصعيد الاقتصادي، يستمر تعميم مصرف لبنان بالتوازي مع اقرار الحكومة لمشروع الموازنة العامة للعام 2022،
التي وعلى الرغم من عدم مثاليتها انما يعوّل عليها لاعادة الانتظام الى الحياة المالية في الدولة اللبنانية
وهذه بحدّ ذاتها خطوة مهمة نحو اعادة خلق التوازن المفقود منذ سنوات
ونحو التخلصً من الصرف وفقا للقاعدة “الاثني عشرية” التي نتج عنها مزاريب عديدة للهدر والفساد.
وفي خط مواز آخر، يستمر تسليط الضوء وبصورة مكثفة على خطة التعافي الشاملة التي تطرحها الحكومة
فتقدم من خلالها الخطوط العريضة لامكانية النهوض في مختلف القطاعات،
لاسيما في قطاع الكهرباء الذي قد تكون هذه المرة الأولى التي يتم تشريحه بتفصيل ودقة على طاولة مجلس الوزراء،
ما يؤشر الى الرغبة الشديدة والارادة الاكيدة التي تهدف الى وضع حدّ لتدهوره ولأوراق الفساد التي عرفها على مدار سنوات طوال.
كل هذا دون ان ننسى طبعا المفاوضات المستمرة مع صندوق النقد الدولي
والتي، انطلاقا منها، سيتم ترسيم معالم المرحلة المقبلة.
وبالحديث عن الترسيم، لا بد من الاشارة الى ان
هذا المسار الاقتصادي ما كان سيشهده لبنان لولا بعض الحلحلة الدولية والاقليمية التي ظهرت في “فيينا“،
حيث من المتوقع ان يتم الاعلان عن اتفاق بين الولايات المتحدة الأميركية وايران.
وسيترتب عن هذا الاعلان اعادة رسم للخطط الاميركية والايرانية في آن معا،
وبطبيعة الاحوال يشكل لبنان مفصلا أساسيا من مفاصل هذه الخطط،
من هنا تطرح علامات الاستفهام حول قدرة أصحاب القرار واللاعبين اللبنانيين في الاستفادة من التموضع العالمي الجديد للخروج من الأزمة الاقتصادية الحالية
دون دفع أثمان باهظة تبدأ من ارقام ترسيم الحدود ولا تنتهي عند شكل النظام اللبناني السياسي والاقتصادي.