صفقة كاملة متكاملة على الأبواب

بقلم جوني منير – الجمهورية

قيل كثيراً خلال العام المنصرم إنّ سياسة «ادارة الظهر» التي انتهجتها إدارة جو بايدن تجاه الشرق الاوسط لا يمكن ان تدوم كثيراً. فالشرق الاوسط الذي يختزن ازمات هائلة ومشكلات معقدة سيلاحق الادارة الاميركية ويلزمها بالالتفات اليه. وهذا ما يصح وينطبق على المرحلة الراهنة ولو من باب الحرب المندلعة في اوكرانيا. فالهدنة المتأرجحة التي تعيشها جبهات اوكرانيا ستتحوّل في القريب العاجل الى جحيم حقيقي. ذلك انّ تقديرات الاستخبارات الاميركية تتحدث عن جولة عنف جديدة اكثر واشدّ عنفاً مما حصل خلال الأسبوعين الماضيين.

مدير الـ CIA وليم بيرنز وهو في المناسبة كان قد شغل سابقاً منصب سفير بلاده في موسكو، قال امام الكونغرس الاميركي انّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بات يعاني عزلة متزايدة وهو محبط وغاضب والأرجح انه سيحاول سحق الجيش الاوكراني من دون الاكتراث للخسائر التي ستقع في صفوف المدنيين. ولا شك في أن الاستنتاج المنطقي لمسار الاحداث يقود الى الخلاصة عينها، فعدا التصميم على استعادة الهيبة العسكرية التي لطالما ارتكزت عليها القيادة الروسية، فإنّ رهان بعض الدول الخارجية على تصاعد الاصوات المعترضة داخل روسيا بسبب الخسائر الاقتصادية جراء العقوبات، لا يمكن تجاوزه في المرحلة الراهنة الا من خلال الاندفاع في الحركة الهجومية. فهذا السلوك وحده قادر على منع بروز التشققات الداخلية. وهو ما يعني ان الكرملين مضطر الى سلوك نهج اكثر جرأة.

اضف الى ذلك، ان القيادة الروسية تدرك جيداً بأنه ما يزال لديها كثيرا من اوراق القوة التي يمكن ان تلعبها، فهنالك الترسانة العسكرية النووية والتي تشكل حاجزاً يمنع القوى الدولية من الانزلاق في اتجاه حرب مباشرة معها، وهو ما جعل واشنطن تحديداً تلجأ الى مساعدات عسكرية مدروسة بعناية. ولهذا السبب مثلاً رفضت مقترحاً بولندياً بإرسال مقاتلات من طراز ميغ 29 الى اوكرانيا من خلال قاعدة عسكرية لحلف «الناتو» تقع في المانيا. هي تعمل بحذر وتدرك ان موسكو في نهاية المطاف ستمسك بالساحة الاوكرانية وتعمل على اعادة الرئيس الاسبق فيكتور يانوكوفيتش المقيم في روسيا منذ الانقلاب عليه عام 2014.


لكن المشكلة هي في الكلفة التي سيتكبدها بوتين للوصول الى هدفه. كذلك يدرك الرئيس الروسي ان الولايات المتحدة والعالم يرزحان تحت عبء الاسعار الباهظة للنفط. وهو ما سيرتد سلباً على الانظمة السياسية القائمة وهنا بيت القصيد. فالعاصمة الاميركية مشهورة بما يُعرف بالواقعية السياسية، وهو ما يعني ان الخطط والسياسات تتغير وتتبدل مع تبدل المعطيات على ارض الواقع. وهذا التبدل جعلها تستدير في اتجاه خصومها الذين يملكون النفط، ولذلك طرقت باب فنزويلا التي حاربت نظامها خلال السنوات الماضية ساعية لإسقاط حاكمها، وطرحت عليها تخفيف العقوبات على كراكاس في مقابل ضَخ النفط في الاسواق العالمية التي تعاني من الشح والهلع

فالخوف على المستويين الاميركي والدولي هو من الذهاب الى ركود اقتصادي وانكماش للاسواق بسبب ارتفاع اسعار النفط الى مستويات خيالية. هذا ما يقوله التاريخ، فعلى سبيل المثال ومع اعلان «اوبك» الحظر النفطي في العام 1973 على البلدان المؤيدة لإسرائيل في حربها مع سوريا ومصر، ارتفعت اسعار النفط وادى ذلك الى انهيار سوق الاوراق المالية وهو ما اعتبر الحدث الاكبر من نوعه منذ ازمة الكساد الكبير عام 1929. وبما ان التوقعات تؤشر الى أزمة طويلة في اوكرانيا، فلا بد من الاستدارة مجددا في اتجاه منابع النفط في الخليج العربي. ولكن السعودية رفضت زيادة إنتاجها، وجارَتها في ذلك الامارات.


والرئيس الاميركي الذي كان يرفض لقاء ولي العهد السعودي ويحاصره بملفات قضائية، حاول الاتصال بالامير محمد بن سلمان لكن الاخير رفض الاجابة، وكذلك ولي عهد الامارات


السيناتور الاميركي الجمهوري ماركو روبيو علّق على موقف بن سلمان قائلاً انّ الرسالة السعودية واضحة، فإذا كنت ستطالبهم بضبط النفس عندما يتعرضون للهجوم في عقر دارهم، فسيمارسون هم ايضاً ضبط النفس عندما تهاجم روسيا دولة اوروبية.


في الواقع لدى السعودية ملفات خلافية كثيرة مع ادارة بايدن جعلت العلاقة بين الدولتين فاترة، فالرياض تريد رفع مستوى الدعم لها في اليمن، اضافة الى ملف المواجهة مع ايران، وايضا إقفال ملف مقتل جمال خاشقجي وما تفرّع منه قضائياً.


الاوساط الديبلوماسية المعنية بالعلاقات الاميركية ـ السعودية

لا تؤيد الكلام القائل ان هذه العلاقة ذاهبة في اتجاه القطيعة،

لا بل على العكس فهي ترى ان الوقت قد حان لفتح كل الملفات

وانجاز صفقة كاملة متكاملة. ومن البديهي الاعتقاد أن واشنطن تريد ايضا البحث في العمق في العلاقات المتنامية

ما بين السعودية والصين وكذلك ما بين الامارات والصين، في ظل ما

بات يشبه بداية «التنويع» في الخيارات الدولية. صحيح انّ العلاقة

مع الصين ما تزال في بدايتها، لكن المعروف عن الخليج تاريخياً انتماؤه كلياً الى المظلة الاميركية.

ولا بد ان تعني الصفقة الكاملة المتكاملة العلاقة السعودية في

العمق مع الادارة الاميركية الديموقراطية، اي التفاهم حول حصر العلاقة بالدولة وليس بقوى سياسية


وفي هذا الكلام تلميح للعلاقة المستمرة مع الرئيس السابق دونالد

ترامب وخصوصاً صهره جاري كوشنر الذي قيل انه شجّع الرياض

على عدم زيادة الانتاج النفطي. الا ان وجهة الادارة الاميركية

لن تكون فقط في اتجاه الخليج، فالشرق الاوسط الغني بالمخزون النفطي

متنوّع المصادر، فما بين البترول والغاز هنالك اضافة الى السعودية والامارات

وقطر وايران. وفيما اشارت قطر خلال زيارة اميرها لواشنطن الى استعدادها

لتحويل شحنات من الغاز في اتجاه اوروبا، فإن الاتفاق النووي مع ايران كفيل بالمساعدة في هذا الاتجاه.


ومع اندلاع الحرب الاوكرانية ظهرت مخاوف من تأثيرات سلبية على الملف

النووي وتعزّزت هذه المخاوف بعد تحذير وزير الخارجية الروسية سيرغي

لافروف الذي طالبَ بوجوب وضع استثناءات خطية للتجارة بين روسيا وايران.


وأيّدت واشنطن قلقها من استخدام موسكو للملف النووي بهدف الضغط في اوكرانيا،

لكن المبعوث الروسي الى فيينا نفى اي صلة بين الملف النووي والحرب في اوكرانيا.

وايران بدورها انتقدت الطلب الروسي فهي ترى بدورها انّ الوقت مناسب جداً لتحرير

الارصدة المالية الضخمة المجمدة ولبيع النفط في الاسواق العالمية والتحكم بالاسواق

وفق الاسعار المرتفعة الموجودة الآن هي بمثابة الفرصة الثمينة التي لا بد من التقاطها.

وعدا عن انّ ادارة بايدن في حاجة الى «انتصار» خارجي يغطي على

الانتقادات الداخلية التي ما تزال تلاحقه حول الانسحاب الاميركي المذلّ

من افغانستان، فإنها في الوقت نفسه تريد حماية نفسها من ظهور ركود

اقتصادي سيدمّر وضع الحزب الديموقراطي الحاكم في الانتخابات النصفية المقبلة.


وزير الخارجية الاميركية صرّح أن ليس للعقوبات الاميركية على

روسيا علاقة بالاتفاق النووي ولا ترابط بين المسألتين. ووافقه الجانب الروسي،

وتعمّد ممثل روسيا في فيينا نشر صور له مع نظيره الاميركي

روب مالي للاشارة الى التقارب المستمر بين موسكو وواشنطن في فيينا.

وهو ما يدفع الى الاستنتاج بأن الاتفاق بات وشيكاً قبل ان تستدير واشنطن

في اتجاه الخليج وملفات الشرق الاوسط المعقدة،

وهو ما يعني ان هذه الاستدارة الاميركية في اتجاه الشرق الاوسط لديها

برنامج مختلف عن الحرب التي ستطول في اوكرانيا. واستطراداً،

فإنّ ترجمة ذلك على المستوى اللبناني بأن الانتخابات ثابتة في مواعيدها

وان «تذاكي» البعض لإيجاد ظروف تهدف لإلغائها ستكون عواقبه وخيمة عليه،

فلا تمديد للمجلس النيابي ولا تمديد رئاسياً، والاهم انّ البرنامج الموضوع

لترسيم الحدود البحرية سيحصل وبمباركة البعض وغَض نظر البعض الآخر طالما

ان خيوط هذا الترسيم تمتد الى خارج الحدود اللبنانية حتى ولو كان لكل فريق أسلوبه على ابواب الانتخابات.

والأهم انّ الاصلاحات التي طلبها صندوق النقد الدولي يجب

ان تحصل قبل موعد الانتخابات النيابية، وهذا اساسي وإلّا فلكل مقام مقال.

Exit mobile version