معركة كييف تطيح باستقرار دولار بيروت..خبير يكشف: الآتي أصعب وهكذا ينجو لبنان

عاد سعر صرف الـ دولار ليحلّق من جديد في السوق الموازية، ويشهد تقلّبات كبيرة صعودًا وهبوطًا في ساعات قليلة. حصل ذلك بعد فترة استقرار نسبي للـ دولار عند حدود الـ 20 ألف ليرة،

وعلى مدى أكثر من شهرين، وذلك بعد أن وصل إلى 33 ألفًا. 

هذا الإستقرار تحقّق بفعل تدخّل مصرف لبنان في سوق القطع، بموجب التعميم 161، 

بحيث نجح المركزي في لجم جنون الدولار للمرّة الأولى منذ انفجار الأزمة،

وبذلك فرضت منصّة “صيرفة” إيقاعها على السوق، ونزعت القدرة على التلاعب بالبورصة 

من قبل المنصّات في السوق الموازية. لكن أتت الحرب في أوكرانيا لتهدّد الإستقرار النسبي للـ دولار في بيروت، 

بفعل انعكاساتها السلبيّة، المتمثّلة بارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية على مستوى العالم،

ومن أولى تبعاتها تفلّت الـ دولار من قبضة المركزي.

لبنان تأثّر أكثر من غيره من البلدان من ناحية الأمن الغذائي، ليس لأنّه يستورد الجزء الأكبر

من حاجته للقمح والزيت من أوكرانيا، بل لأنّه بلدٌ فاقد للمناعة الإقتصادية،

يستورد أكثر من 80% من حاجاته الإستهلاكيّة بالعملة الصعبة،

في وقت يعاني انهيارًا غير مسبوقًا في العملة الوطنية. ارتفاع أسعار النفط عالميًّا،

وإحجام عدد من الدول المصدّرة للقمح والزيت والسكر عن التصدير تحسّبًا للأسوأ،

رفع من أسعار البضائع المستوردة، بالتالي بات المستوردون في لبنان بحاجة

إلى المزيد من الدولارات لتمويل الإستيراد، فارتفع حجم الطلب،

وبدأنا نشهد ارتفاعًا في سعر الصرف، على رغم استمرار تطبيق التعميم 161. 

ماذا لو طال أمد الحرب، أي مسار سيسلكه الـ دولار؟ وأي تبعات على معيشة اللبنانيين؟

الدكتور محمد فحيلي خبير المخاطر المصرفيّة يلفت في حديث لـ “لبنان 24” 

إلى أنّ الظروف ساعدت مصرف لبنان ليكون بموقع المحرّك وضابط الإيقاع في تدخله في سوق القطع، ولكن اليوم المتغيرات لم تعد محليّة، بل باتت دوليّة تحدّ من قدرته على التدخّل، وهي متشعّبة وستظهر تباعًا، وتزيد من وطأة الأزمة، منها تراجع مرتقب في قيمة تحويلات المغتربين لذويهم في لبنان، فالمغترب اللبناني في فرنسا أو ألمانيا أو السعودية، الذي كان يحوّل 500 دولار شهريًّا، سيضطر لتقليص المبلغ إلى النصف بسبب غلاء الأسعار في البلد حيث يقيم. بالمقابل ارتفعت فاتورة الإستيراد في لبنان وكذلك فاتورة الإستهلاك. هذه العوامل سترفع من حجم الطلب على الدولار، بالتالي ستحدّ الضغوطات التضخّميّة من قدرة مصرف لبنان على التدخّل من خلال منصّة صيرفة،

مما سيؤدي إلى عودة الإضطرابات في سعر الصرف صعودًا وهبطوطًا، وهو ما شهدناه في الأيام الأخيرة، وسط توقّعات بأن تستفحل أكثر حالة اللا استقرار في الدولار إذا أصرّ مصرف لبنان على التدخل، بسبب محدوديّة قدرته.

في السياق لفت فحيلي إلى أنّ الصرّافين يتوقّعون تغييرًا في الظروف، وقد بدأ بعضهم بتقليص ساعات العمل، وعدد منهم أوقف شراء الشيكات.

اياكم وإيقاف التعامل بالبطاقات المصرفيّة
الإرتفاع في أسعار السلع قابله شحٌّ في النقدي، إذ أنّ المصارفرفعت 

من حجم القيود على السحوبات لتطال رواتب الموظفين، وبرّرت ذلك بأنّ الموظف قادر

على الإستفادة من المبلغ المتبقّي بالشراء عبر البطاقة المصرفيّة،

لكن المحال التجارية والسوبر ماركات توقّفت عن قبول الدفع بالبطاقة

وبأحسن الأحوال قبلت بنصف المبلغ، والباقي نقدي. من هنا يرى فحيلي أنّه

على مصرف لبنان أن ينصرف لتمكين المستهلك من إنفاق الأموال، و

ذلك عبر إعادة العمل ببطاقة الدفع، لأجل المحافظة على استمرار العجلة الإقتصادية،

لأن رفض التعامل بالبطاقات سينعكس تراجعًا في الإستهلاك “

وفي حال لم يتخذ المصرف المركزي خطوات فعليّة لتمويل فاتورة الإستهلاك، 

نحن ذاهبون باتجاه انكماش اقتصادي خانق، بدأت مؤشراته بالظهور

من خلال رفض السوبر ماركات البيع إلا بالنقدي، علمًا أنّ المستهلك غير قادر على تأمين المال نتيجة الضوابط المصرفيّة على السحوبات”.

لضخ النقدي وتمويل فاتورة الإستهلاك


التضخم بدأ يظهر في الإقتصاديات الكبرى، ففي الولايات المتحدة تجاوز الـ 7% للمرة الأولى 

منذ عشرات السنوات، هنا يلفت فحيلي إلى أنّ المصرف المركزي الفيدرالي قرر تحمّل التضخم

والسماح للإقتصاد أن يتنفس، لأنّ هناك غلاءَ أسعار في كلّ الإتجاهات “

وعلى مصرف لبنان أن يفعل الأمر عينه، أي أن يضخ النقدي في السوق ليموّل فاتورة الإستهلاك، 

ويتقبّل الضغوطات التضخميّة، من أجل عدم خنق الإقتصاد، خصوصًا أنّ التضخم الأخير

ليس بسبب كتلة نقدية ضخمة، بل نتيجة الشحّ في المواد والسلع عالميًا. 

والخطأ الذي يرتكبه المركزي حاليًا أنّه لم يغيّر قواعد الإشتباك بينه وبين المصارف، 

تماشيًا مع التطورات التي فرضتها الحرب في أوكرانيا”.

إطالة الحرب في أوكرانيا يهدد سعر صرف الـ دولار


الإقتصاد العالمي الذي لم يتخطّ بعد أكلاف مفاعيل وباء كورونا، مهدّد بتداعيات الصراع الروسي الأوكراني، والمؤشرات بدأت تظهر بتفاقم أزمة الطاقة، وتوسع أزمة الغذاء وتراجع عائدات السياحة، وانهيار سلاسل الإمداد، والدخول في موجة جديدة من التضخم. المشكلة التي ستواجهنا في لبنان ليست بارتفاع أسعار السلع، بل بتأمين وإيجاد هذه السلع، 

وفق ما يشير إليه فحيلي  “فالدول المصدّرة للسكر والقمح والزيت تتريث بالتصدير، وتفضّل الإحتفاظ بالمخزون لديها تحسبًا لإطالة أمد الأزمة، كما أنّ حصاد مواسم القمح، وزيت دوار الشمس يحصل في فصل الصيف، 

وفي حال بقيت المعارك إلى حينه، هناك احتمال بعدم إمكانية حصاد القمح في حقول أوكرانيا، والأمر نفسه ينسحب على تصدير الغاز والبترول، لذلك لا بدّ من العمل في لبنان على تأمين المواد الغذائية بظلّ الظروف الإستثنائية هذه،

وبأسعار استثنائية أيضًا. لذا سيدفع الواقع باتجاه زيادة الطلب على الدولار، مما سيؤدي إلى ارتفاع سعر الصرف في السوق المحلي، وسيتجه نحو الإرتفاع كلما طالت الأزمة.

العالم منصرف عن لبنان


“في العالم رمال متحركة اقتصادية ولبنان لن ينجو من مفاعيلها” وفق توصيف فحيلي “كل حركة غير محسوبة النتائج من شأنها أن تغرّقنا أكثر في هذه الرمال، وخشبة الخلاص بتأمين الظروف للمستهلك ليتمكّن بسهولة من تمويل فاتورة استهلاكه”.

يعتبر فحيلي أنّ العنصر الإيجابي بالنسبة للطبقة السياسية، أنّ الذنب ليس ذنبهم  “فالأزمة عالميّة، 

لكن لبنان سيعاني أكثر من غيره من تبعاتها، خصوصًا أنّ القوى السياسية ستنصرف للتحضير للإنتخابات النيابية. هذا لا يلغي أنّ لبنان بلد الفرص الضائعة، عندما كان العالم مندفع لإنقاذنا، لم نتلقف ذلك، أضعنا كلّ الفرص، وأدرنا ظهرنا، 

في نيسان وأيار من عام 2020 كانت الفرصة متاحة، وهناك تقارير من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والسوق الأوروبي تبدي الإستعداد لمساعدة لبنان للتخلّص من عبء الدين،

تكررت الفرص منذ ذاك الحين، لا سيّما بعد انفجار مرفأ بيروت، وكان هناك شغف لمساعدة لبنان،

اليوم العالم غير قادر على مساعدتنا بعد الحرب في أوكرانيا، الكل لديه مشاكله، ونحن وحدنا، والظروف ستكون أصعب على اللبنانيين كلما طال أمد الحرب”.

على رغم أنّ أوكرانيا ولبنان بلدان متباعدان في الجغرافيا والإقتصاد والتاريخ،

إلّا أنّ مصيبة واحدة تجمعهما، وهي أنّ كلًا منهما ساحة لتبادل الرسائل على مسرح الصراعات الدوليّة،

وها هي أوكرانيا ضحيّة الحرب بالوكالة بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية،

فيما يجلس كلّ من الرئيسين جو بايدن وفلاديمير بوتين في قصرهما الرئاسي،

ليستثمرا في مجرى المعارك المدمّرة والمهجِّرة لملايين الأوكران. 

علّ بعض اللبنانيين يتعلّمون من الدرس الأوكراني، ويقلعون عن التبعية لذاك المحور والإقليم وتلك الدولة، وينصرفون لتحصين مناعتهم الوطنية والإقتصادية لمواجهة الآتي الأعظم

المصدر: لبنان24

Exit mobile version