أرخت الحرب الروسية-الأوكرانية بظلالها على الوضع الاقتصادي العالمي الذي ترك بدوره تداعيات على الوضع اللبناني الداخلي المثقل أساساً بالهموم والأزمات الاقتصادية. أبرز التداعيات هذه وأخطرها جاء على الأمن الغذائي من ضمنه اللحوم الحمراء، حيث يتم التداول بمعطيات حول فقدان اللحوم من الأسواق اللبنانية خلال اسبوعين في حال لم يدفع مصرف لبنان مستحقات المستوردين، إلى جانب ارتفاع أسعارها إلى حدود الـخمسمئة ألف ليرة لبنانية للكيلو. فما دقّة هذه الأخبار؟
أمين سرّ نقابة اتّحاد القصابين وتجّار المواشي ماجد عيد يوضح أن “منذ سنة كانت اللحوم مدعومة ولم يسدد مصرف لبنان كامل الفواتير لفترة ثلاثة أشهر رغم أن قيمتها كانت ضخمة جدّاً، حينها اجتمع المستوردون مع وزير الاقتصاد السابق راوول نعمة وحاكم المركزي وتم الاتفاق على أن تسدد نسبة 40% من قيمة الفواتير بالليرة اللبنانية على سعر صرف منصة صيرفة كدفعة أولى، ما أدّى إلى خسارة 20% من قيمة المبالغ التي دفعها المستوردون، على أن تسدد الأموال المتبقية خلال سنة عبر دفع نسبة 5% كل شهر. بناءً عليه، سددت نسبة الـ 40% منذ حوالي ثلاثة اشهر أما نسبة الـ 5% فدفعت لمرتين تقريباً وتوقف بعدها الدفع، وتُبرّر الحاكمية ذلك بالتعميم 161 ومنعاً لخلق تضارب في السوق”.
ويتابع “الاستيراد تراجع 75% ومع توقف مصرف لبنان عن تسديد المبلغ سترتفع النسبة هذه، خصوصاً وأن لا سيولة لدى التجار، فالضربة الأولى كانت بأزمة المصارف والثانية عبر وقف دفع أموال الدعم”.
ويلفت عيد إلى أن “تفاقم التطورات العالمية سلباً، سيقود العالم إلى أزمة كبيرة وقد تتوقف أوروبا عن التصدير. لا أحد يعلم الاتّجاه الممكن أن تسلكه الأمور، وقد نقع في مشكلة شحّ اللحوم ما يخلق احتكارات وسوق سوداء، في حين أننا بغنى عن هذه المشكلة، لذا وكي تؤمّن اللحوم للبنان ندعو حاكم مصرف لبنان إلى تسديد مستحقات تجار المواشي، والبالغة حوالي الـ 40 مليون دولار، من دون تأجيل لأن وضعهم صعب جدّاً”.
أما بالنسبة إلى الأسعار، فيتوقّع عيد أن تشهد ارتفاعاً “فيصل سعر الكيلو إلى 11$ انطلاقاً من الأسبوع المقبل عندما تصل الشحنات إلى بيروت مع العلم أن كمياتها ليست كبيرة، وطبعاً الأسعار
مرشّحة للارتفاع تبعاً للتطورات العالمية”، مشيراً إلى أن “قبل الأزمة اللبنانية
حتّى تاريخه حافظ كيلو اللحمة على سعره إذ يباع داخلياً بـ 10$ مع أن الأسعار
ارتفعت عالمياً منذ سنة بنسبة 30% بسبب أزمة كورونا وارتفاع أسعار الاعلاف.
وبقي السعر محلّياً على حاله لأن لا قدرة شرائية لدى المواطن،
والتاجر يسعى فقط إلى الحفاظ على استمرارية مصلحته. لكن،
في الفترة المقبلة من غير الممكن أن يواصل المبيع بهذا السعر”.
ويفنّد أسباب ارتفاع الأسعار، شارحاً أنها مرتبطة بنقاط ثلاثة:
“أوّلاً، الحرب الأوكرانية-الروسية أثّرت على أسعار الأعلاف بشكل كبير، وارتفعت ضعفين وهذه كلها ضمن الكلفة التشغيلية للمستوردين.
ثانياً، انعكست الحرب أيضاً على أسعار اللحوم في البلدان المورّدة حيث
ترتفع أسبوعياً ما بين الـ 3 والـ 5%. لبنان يستورد اللحم الحي من أوروبا الشرقية
والغربية مثل إسبانيا وفرنسا ومن أميركا الجنوبية حيث ترتفع أسعار البقر أيضاً
لكن ليس بالنسب الأوروبية نفسها. وبعض البلدان بدأ يطبق نظام الاكتفاء الذاتي
ففنزويلا مثلاً أوقفت التصدير لأن أسعار اللحوم لديها ارتفعت، في البرازيل أيضاً تشهد
الأسعار ارتفاعاً لأن الصين تشتري منها كميات ضخمة وكولومبيا أسعارها غالية أصلاً.
ثالثاً، أسعار الشحن تضاعفت، إذ أن أسعار النفط أثّرت على النقل البري والجوي”.
ويختم عيد “من الضروري وضع خطة استباقية من دون انتظار وقوع الكارثة
للبحث عن حلّ، كما تجري العادة في لبنان. لذا، المستوردون بحاجة إلى الأموال
لتخزين المواشي في المزارع حفاظاً على الأمن الغذائي، في ظلّ وجود أكثر
من فرضية سلبية من بينها ارتفاع أسعار النفط أكثر أو إقفال أبواب التصدير الأوروبية،
خصوصاً وأننا نشعر أن المزارعين الموردين في الدول الأوروبية لا يريدون البيع.
واللحمة سلعة أساسية على مائدة رمضان وتدخل ضمن الأمن الغذائي،
ففي حال نفد مخزون المَزارع ماذا ستفعل الدولة؟”.