انتشر قبل أيام على تطبيق “واتساب” تسجيل صوتي لأحد المودعين يوبّخ عامل الهاتف في أحد المصارف ويتوعده باقتحام فرع المصرف وتكسيره فوق رؤوس الموظفين. المودع أكّد خلال الاتصال أكثر من مرة، بأنّه يملك ما يزيد عن مليون دولار، وأنّ المصرف من واجبه الإجابة عن تساؤلاته بصفته من كبار المودعين، خصوصاً في ما يتعلق بقرار نقابة السوبرماركت إلزام العملاء بدفع نصف الفواتير كاش حين استعمال البطاقات البلاستيكية.
هذا التسجيل انتشر بين مجموعات واتساب بقوّة. فبدا وكأنّ ثمة جهة تملك النية في إعادة نكأ الجراح مجدداً، وإحياء صراع خفت ناره بين المودعين والمصارف، خصوصاً أنّ هذا التسجيل تزامن مع قرار الحجز على موجودات “فرنسبنك”، ثم إلقاء الحجز التنفيذي على كافة فروع “بنك لبنان والمهجر” في طرابلس، وقبلها أيضاً توقيف رجا سلامة شقيق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على يد القاضية غادة عون، التي استبقت هذه الخطوات كلّها بتجميد أصول 5 مصارف كبرى وأعضاء مجالس إدارتها، وهي: “بنك بيروت” و”بنك عوده”، “سوسيتيه جنرال”، “بنك لبنان والمهجر”، و”بنك البحر المتوسط”.
بدا منذ البداية أنّ الهدف الرئيسي خلف هذا كلّه هو رأس القطاع المصرفي، تحديداً رأس الحاكم رياض سلامة مصرف لبنان، لأنّ التزامن غير بريء ويوحي بأنّ ثمة طرفاً أو جهة وضعت التوقيت، وربّما أمرت ببدء التنفيذ. إذ يُستبعد أن تخطو السلطة القضائية خطوة مشابهة من تلقاء نفسها، في توقيت حساس كهذا، وعلى أبواب استحقاق انتخابي كبير.
هل الهدف تطيير الانتخابات؟ أم ابتزاز المصارف لتمويل الحملات الانتخابية مثلما كُتب في “لبنان الكبير” وجُنّ جنون القصر واستدعى الزميل محمد نمر إلى المباحث الجنائية؟ وهل هي مناورات إنتخابية ومقايضات بين أهل السلطة؟
الأسئلة كثيرة، لكنّ تعقيدات المشهد تجعل كل الاحتمالات واردة.
باسيل المريب: خُذُوني
لكن في خضم هذا كله بدت لافتة، أمس، تغريدة النائب جبران باسيل، الذي حاول من خلالها أن يستثمر الأحداث ويضع نفسه في موضع المستفيد وربّما المحرّك… فكاد المريب أن يقول خذوني.
باسيل إتهّم “المنظومة السياسية” بـ”حماية المنظومة المالية”، بواسطة الحكومة، متحدثاً عن تقصير السلطة في “إقرار خطة التعافي”، خصوصاً قوانين “منع تهريب الاموال إلى الخارج ودفع أموال الناس”، ولولا ذلك لكانت المصارف أعفت نفسها من الأحكام القضائية..
تقللّ مصادر عليمة بتفاصيل هذه الأمر، من أهمية الكلام الذي يتهم باسيل بالوقوف خلف هذه الحملة أو محاولته نسف الانتخابات، وتعتبر كلامه وتحركاته “مجرّد ابتزاز وتحصيل ما يمكن من النقاط”. المصادر تعتبر أن استفادة الرئيس ميشال عون أو الوزير جبران باسيل من هذا الجوّ، لا يعني أنّهما الجهة التي تقف خلف هذا كله، واضعة حركة باسيل وأقواله في خانة “ممارسة المزيد من الضغط على الحلفاء وحلفاء الحلفاء (نبيه برّي) من أجل تحصيل المكاسب الانتخابية وتخيير هؤلاء بين التعاون في الانتخابات أو كشف المزيد من الأوراق”.
المصادر تعتبر أنّ ما يحصل اليوم لا يحيد عما نعرفه في لبنان من حرتقات ولزوم مجاراة الموجة العامة، وأنّ الموضوع الأكبر في هذه القضية كلها هو “رأس رياض سلامة”… وعلى أن تكون المباراة النهائية بين الرئيسين: “ميشال عون – نبيه برّي”.
بحسب المصادر، فإنّ الضغوطات الخارجية من أجل إزاحة سلامة باتت قوية جداً، وأكبر بكثير من أن تستوعبها مبادرات رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بواسطة “تدوير الزوايا”، ولا حتى بتأجيلها بواسطة الأرانب التي يبرع الرئيس نبيه برّي بإخراجها من الكم في التوقيت المناسب.
بديل سلامة؟
كما أنّ الحديث غربياً قد وصل إلى حدود “البحث عن بديل لسلامة”.
هذا البديل “بات جاهزاً وموضوعاً اسمه في الظلّ من أجل حمايته”،
فيما داخلياً يجري التحضير للإخراج المناسب وصولاً إلى الخواتيم،
خصوصاً أنّ رحيل الحاكم سيكشف أوراقاً كثيرة قادرة على “توريط ك
ثيرين ممن هم في الحكم اليوم”، وما يحصل اليوم هو “مجرّد عمليات تحضير لطمّ هذه الأوراق بأقل خسائر ممكنة”.
وتعتبر المصارد أنّ “نكران رياض سلامة ونكران المصارف لما
اقترفاه من أفعال، هما أكثر ما أضر بلبنان”، وأنّ بعض المصرفيين
“نزعوا الطبخة” منذ بداية الحديث عن الإصلاح الجدّي، وعليهم اليوم
أن “يتحمّلوا التبعات”. وتكشف المصادر في الوقت نفسه أنّ “السلاح
النووي الذي يحتفظ به المجتمع الدولي في وجه السلطة هو سلاح العقوبات”،
لأنّ جميع من هم في السلطة اليوم “مكشوفون وما حدا فوق راسه ريشة”،
لكنّ الغرب يتريّث في فتح “صندوق باندورا” طالما أنّ الجميع
ينفذ المطلوب منه، ولو بتلكؤ وخجل. لأنّ فتح هذا الصندوق
قد يقلب الأوضاع في لبنان رأساً على عقب ويؤدي إلى التفجير… وهو أمر غير مطلوب”.
معلومات من باريس
هذه المعلومات تتقاطع مع أخرى مصدرها باريس،
وقد كشفت لـ”أساس” أنّ تحييد سلامة من منصبه سيجري بموجب المادة 20 من قانون النقد والتسليف التي تنصّ
على أنّ الحاكم ونائبي الحاكم مطالبون بأن
“يتفرغوا بكليتهم للمصرف. ولا يمكنهم أن يجمعوا بين وظائفهم وأيّ عضوية نيابية أو وظيفة
عامة أو أيّ نشاط في أيّ مؤسسة مهما كان نوعها أو أيّ عمل مهني سواء كان هذا النشاط أو هذا العمل مأجوراً أو غير مأجور.
كما يحظر عليهم خلال مدة ولايتهم أن يحتفظوا أو أن يأخذوا أو يتلقوا أية منفعة في مؤسسة خاصة…”.
وتضيف المادة 20: “تعتبر منفعة، بمعنى الفقرة السابقة، كل
مساهمة أو اشتراك بأيّ شكل أو أيّ وسيلة كان، حتّى بطريق
الإقراض البسيط. ولا يعتبر منفعة امتلاك محفظة سندات مالية مصدرة من شركات مغفلة”.
وفق هذه المادة، فإنّ إعفاء سلامة من منصبه سيكون مبنياً على معطيات شركة “فورييه” التي يملكها أخوه الموقوف، والتي تظهر التحقيقات في مستنداتها وبياناتها، أنّ رجا سلامة حصل على عمولات
لقاء بيع وشراء سندات صادرة عن المصرف المركزي، وقد كان “أساس” السباق
في الكشف عن المعضلة التي تعتري التحقيق في حينه، لناحية جدلية اعتبار هذه العمولات مالاً عاماً أم لا.
في حينه كشفت مصادر قضائية لـ”أساس” أنّ التحقيق وصلت إلى نقطة
البحث عن رابط مصرفي بين رجا ورياض سلامة (حوالة من حسابات شركة “فورييه”
إلى حسابات الحاكم) من أجل إثبات المنفعة بالدليل القاطع، لكنّ تدخلاً غير لبناني،
ظهر في اللحظات الحاسمة وقضى بتجميد التحقيق. تقول المصادر إنّ هذا التدخل
لم يكمن من أجل “حماية شخص سلامة بذاته، وإنّما من باب الاستمهال لإيجاد بديل”.
عليه، فإنّ محور النقاش اليوم، يدور حول خيارين: إما إقصاء سلامة قبل
الانتخابات أو إقصاؤه بعدها. ومن هذا المنطلق ترجّح المصادر، لكن بحذر، أنّ تستطيع الاتصالات التي تجريها أركان السلطة،
وخصوصاً الحكومة، تأجيل تجرّع الكأس المرّ إلى ما بعد الاستحقاق الانتخابي،
الذي يبدو أنّنا سنمرّ على كثير من الخضات النقدية والمالية إلى حين بلوغه في 15 أيار المقبل.
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي ينتشر فيها هذا القرار. صعوبته
الشديدة “رغم وقائع خاضعة للنقاش”، أنّه لن يحدث في المدى المنظور…