كتب جو متني:
يتساءل المواطنون لماذا يُجفّف التجار السوق اللبنانية من العملة الوطنية، ويسحبها المستوردون وتجّار الجملة الكبار والصناعيّون وأصحاب السوبرماركت ونقاط البيع من المصارف وحسابات المودعين ومنازلهم وجيوبهم. في هذه الحالة، لا يصحّ المثل القائل “من العِبّ للجيبة”.
ويعتقد اللبنانيّون أن القصد هو ايجاد حالة هستيريّة وبلبلة مقصودة في الأسواق لخلط حابل الليرة بنابل الدولار. ماذا يعني ذلك؟
استاء المستهلك جداً من تقييده ولاحقاً خنقه بقرار مجحف وظالم وغير مبرّر من أصحاب السوبرماركت يلزمه دفع نصف ثمن أغراضه نقداً والنصف الثاني ببطاقة ائتمانية إما فرغت من
محتواها أو على طريق الفراغ. ولم يكتفوا بتصعيدهم الى هذا الحد،
بل ذهبوا أبعد بالتهديد برفض البطاقات كلياً خلال مهلة أسبوعين
إذا لم تحلّ قضيّتهم مع المصارف.
لم يعد اللبناني أصلاً يملك ما فيه الكفاية من المال نقداً أو في البطاقة
أو في حساباته الجارية أو المجمّدة. وتوجد دلائل كثيرة على ذلك بدءاً
من نقل الكثير من العائلات أبناءها من المدارس الخاصة الى المدارس الرسمية،
ومن الجامعات الخاصة الى الجامعة اللبنانية، وبيعهم ما توفّر من ذهب.
كما تغيّر نمط العيش في لبنان. والسبب ليس كورونا والحجر
الصحي فقط، وانما ارتفاع غلاء المعيشة بشكل جنوني، وعدم قدرة غالبية اللبنانيين على مواصلة تأمين مستوى معيشي لائق.
باستثناء اللبنانيين الموجودين في الخارج الذين يهتمّون بعائلاتهم الخاصة،
ويرسلون اليها الـ “فريش دولار”، أو يرعون أقارب لهم بما تيسّر،
اضافة الى وجود طبقة داخل لبنان مدخولها مرتفع جداً، ويمثّلها تجّار وأصحاب مهن حرّة و…
لم تعد الطبقة المتوسطة موجودة. اضمحلّت. ومن المفترض
أن تكون هي الأساس في بنيان اقتصادي سليم ومعافى.
وحلّت مكانها طبقة غنيّة زاد غناها، وتحوّل قسم كبير منها الى حدود الفقر.
أصبح صرف الأموال في لبنان آلياً وسريعاً جداً، يتسابق مع أي مدخول مهما
كان حجمه بالليرة اللبنانية، ويسبقه بأشواط.
بالعودة الى قرار أصحاب السوبرماركت، إذا كانوا غير قادرين على مواجهة المصارف،
فلماذا يمارسون ضغوطاتهم على الناس العاديين؟ وإذا كانوا هم أصحاب الامتيازات
والمليارات والزبائن المميّزون في المصارف غير قادرين على الحصول على أموالهم
كما يدّعون، فهل الزبون العادي قادر؟
اضافة الى ذلك، ومع استرجاع بدايات الأزمة التي تعود الى أكثر من ثلاث سنوات،
والحديث بالتواتر وقتها عن الخشية من تدهور الليرة وامكان فقدان ماية بالماية
من قيمتها، أي يصبح الدولار الواحد ثلاثة الاف ليرة أو أكثر بقليل، كما أن الشائعات
انتشرت وقتها وتناولت ضرورة سحب كميات من الليرة والدولار من المصارف
وابقائها في المنازل للاحتياط خوفاً من تجارب قبرص واليونان واسبانيا
وايطاليا التي فرضت قيوداً ووضعت سقوفاً للسحب من الـ ATM.
حينها، انتشرت هذه الشائعات مثل النار في الهشيم. وسرعان ما تخطّت
حدود الأخبار الكاذبة، وأقدم المودعون بغالبيتهم الساحقة على سحب
جزء من مدّخراتهم، على قاعدة الحاضر يُعلم الغائب.
فإذا فعل المودع العادي ذلك،
فماذا فعل المودع
الذي توزن أمواله بالـ TONNAGE ومن بينهم التجار وأصحاب السوبرماركت؟ ألم يسحبوا ويحوّلوا الليرة الى الدولار، ويخبّئوا تحت البلاط وفوقه، ويهرّبوا الى الخارج؟
والآن سرعان ما علا صريخهم ودقّوا ناقوس الخطر، ولم يبق معهم
ما يسدّدوا به فاتورة؟ ولم تعد لديهم القدرة على الاحتمال،
ولاح الضوء الأحمر. أم أنهم بجمعهم الليرات من اللبنانيين،
وبترقّبهم ارتفاع الدولار لا محالة الى مستويات عالية، يحوّلونها
الى عملات صعبة ليحققوا أرباحاً مضمونة، ويشترون بها السلع
من الخارج بالدولار ويضمنون عدم لحاقهم ولو خسارة صغيرة.
حسابات تجارية في محلّها، أو جشع لا مثيل له في الأزمات، واستغلال الفقير بتسعير لقمة عيشه بلا ضمير؟