الجريدة الكويتية
في لبنان هناك غرابة تسلكها المسارات السياسية. يشهد اللبنانيون في هذه المرحلة العودة إلى طرح صيغة تسوية صفقة لم تنجح سابقاً، تتعلق بإنجاز تشكيلات قضائية وتعيينات جديدة بالإضافة إلى تعيينات عسكرية.
المفارقة الغريبة هو أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي رفض الصفقة قبل أشهر هو الذي يطرحها هذه المرة. والحديث هنا عن صفقة تتعلق بإقالة مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، ورئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد، مقابل كف يد القاضية غادة عون عن الاستمرار في قراراتها القضائية المتعلقة بالمصارف.
وكان ميقاتي رفض هذه المقايضة سابقاً وعبّر عن غضبه بشأنها رافضاً التدخل بشؤون القضاء، لكنه قبل أيام ولدى سؤاله عن الرد على عدم استجابة القضاء لما تريده الحكومة فقال:» سنقيل من لا يلتزم».
في مقابل التغير بموقف ميقاتي، لا يزال رئيس الجمهورية
ميشال عون على موقفه الذي لا يحيد عنه، فهو منذ اليوم الأول لتكليف ميقاتي تشكيل الحكومة،
وضع عليه جملة شروط أبرزها إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس مجلس القضاء
الأعلى سهيل عبود وقضاة آخرين، مع إجراء تشكيلات أمنية وعسكرية جديدة. لا يزال عون يصرّ
على شروطه وأبرزها تنحية سلامة من منصبه وتعيين حاكم جديد للمركزي.
عون أنه قادر على تحقيق هذا الانجاز خصوصاً بعد ترتيب علاقته مع الأميركيين
انطلاقاً من ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل. وتقول المصادر في لبنان،
إنه لدى مراجعة السفيرة الأميركية في بيروت حول الموقف من سلامة
فقالت إن بلادها غير مهتمة ولا تريد التدخل في هذه المسألة.
وكان واضحاً أنه بعد اشتداد الضغوط أخيراً على سلامة
لم تقم السفيرة الأميركية بأي حركة دفاعاً عنه كما كانت تفعل سابقاً.
كذلك، فإن البطريرك الماروني بشارة الراعي لم يصدر موقفاً مدافعاً عن سلامة كما كان
يفعل في السابق. هذا الأمر دفع المراقبين إلى طرح تساؤلات كثيرة إذا ما كان هناك رفع للغطاء
الداخلي والدولي عن سلامة. حتى الآن لا يزال ميقاتي يرفض إقالة سلامة في ظل عدم الاتفاق
على بديل، والأمر نفسه بالنسبة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لا يريد منح عون هذا الإنجاز،
قبل بضعة أشهر من انتهاء العهد، وهو يفضل أن يؤجل ملف التعيينات إلى ما بعد انتخاب
رئيس جديد للجمهورية أو الاتفاق على الملف ضمن تسوية كبرى واضحة المعالم.
أمام هذا المشهد، من الواضح أن هناك نوعاً من التكاتف القضائي
في ظل اعتبار القضاة أنهم مستهدفون جميعاً من الطبقة السياسية
التي تساوم عليهم، وهذا الأمر قد يقود إلى خروج القضاء من عباءة السياسيين ولو مؤقتاً.
وبحال استمرت هذه المعارك، فإن لبنان سيكون مقبلاً على المزيد من الفوضى في الأسواق المالية والقطاعات الاقتصادية.