إنّه فعلاً لمشهد سوريالي: قبل نحو عشرة أيام من انتهاء مهلة تسجيل اللوائح الانتخابية في وزارة الداخلية، وفق مندرجات القانون المعمول به، لم يتعدَّ عدد اللوائح، التي تقدّمت بطلب تسجيل أعضائها، عدد أصابع اليد الواحدة، فيما سجّل عدد المرشّحين رقماً قياسياً، في مشهد لا يقلّ استغراباً عن المشهد الراهن.
وحدها حالة الشكوك حيال مصير الاستحقاق النيابي هي التي تفسّر هذه البرودة في التعامل مع المواعيد التي يفرضها قانون الانتخابات. فعلى الرغم من اندفاع القوى السياسية تجاه حسم ترشيحاتها الحزبية والعمل على ترتيب وضع الحلفاء والأصدقاء الذين سينضمّون إلى اللوائح الأساسية، إلّا أنّ أيّاً من هذه القوى لا يمكنه الجزم أنّ الانتخابات جارية في موعدها، وأنّ احترام المواعيد خطّ أحمر لا يجوز تجاوزه. فالتطوّرات الحاصلة خلف الحدود اللبنانية والمرتبطة بالملفّات الإقليمية، فضلاً عن الفوضى الماليّة والاقتصادية والاجتماعية والسياسية في لبنان، تجعل من مسألة حسم موعد الانتخابات صعبة جدّاً… ومتروكة للّحظات الأخيرة.
بالأساس، لم تكن معظم القوى السياسية متحمّسة للوقوف على حلبات المصارعة الانتخابية. حتى تلك التي تصنّف نفسها معارضة لم تعد متفائلة بالنتائج، إضافة إلى أنّ الخلافات التي وقعت بين هذه المجموعات ستحول دون تمكّنها من عبور معمودية الانتخابات بنجاح، وباتت التقديرات ترجّح أن تستعيد قوى الثامن من آذار الأغلبيّة النيابية.
يكفي رصد حركة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الانتخابية للتأكّد من أنّ ثمّة شيئاً غير سليم. فقد أعلن ميقاتي عزوفه عن الترشّح ضارباً بذلك أكثر من عصفور بحجر واحد:
– أوّلاً يساير رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في قرار الاعتكاف.
– وثانياً يُحرج رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة الذي سعى إلى توظيف حالة الفراغ التي أحدثها قرار الحريري.
– وثالثاً يغازل الدول الراعية لحركته “الحكومية” من خلال النأي بنفسه عن المستنقع النيابي.
لكنّ الأرجح أنّه ما أقدم على العزوف إلّا لأنّه شبه متيقّن من أنّ الانتخابات
لن تحصل في موعدها، ومؤجّلة إلى مرحلة لاحقة. لا بل ثمّة مَن يقول إنّ ميقاتي يسرّ
في مجالسه الخاصة أنّ الفريق العوني لا يهضم إجراء الانتخابات في موعدها،
ويفضّل تأجيلها. ولكن كيف؟ لا جواب حتى الآن.
لائحة ميقاتي
مع ذلك، يضع الفريق الميقاتيّ اللمسات الأخيرة على لائحته الطرابلسية،
التي لن تفتح الباب “للخارجين” من “تيار المستقبل”، وفق المعنيّين
بهذا الملف، بسبب حالة التحريض التي يمارسها تيار المستقبل ضدّ هؤلاء،
وضدّ القوات بشكل خاص، من باب قطع الطريق أمام هذين الفريقين لمنعهما
من الاستفادة من خروج الحريري من الواجهة الانتخابية والسياسية.
وفق المعلومات، فإنّ هذه اللائحة تضمّ إلى الآن كلّاً من:
كريم كبارة (آل كبارة أقرب إلى ميقاتي منهم إلى الحريري)، كاظم الخير،
علي درويش، إليسار حداد، سليمان عبيد، وهيب ططر، جلال بقار،
علي عبد العزيز، ويُفترض استكمالها خلال الساعات المقبلة قبل الإعلان عنها على نحو رسمي.
كما يعمل الفريق الميقاتيّ على تأليف لائحة عكّارية، غير مرتبطة بالأحزاب
أو بالخارجين من تيار المستقبل، وتضمّ وفق المعنيين: علي طليس،
هيثم عزالدين، عمار الرشيد عن السُنّة، أحمد الهضام عن المقعد العلوي
، إيلي ديب وإيلي سعد عن الروم الأرثوذوكس، فيما يبقى الاسم الماروني قيد الحسم في الساعات المقبلة.
يقول المعنيّون إنّ اللائحة العكّارية هي فقط من باب
إثبات وجود فريق “العزم” في دائرة عكار، وليس من باب تحقيق نتائج جديّة، خصوصاً أنّ حظوظها ضعيفة جدّاً.
وعلى الرغم من هذا التطوّر، فإنّ ماكينة ميقاتي لم تتحرّك بعد، و
هي لا تزال في حال “سبات” ولو أنّ أسابيع معدودة باتت تفصل
عن موعد فتح صناديق الاقتراع. وهو ما يزيد من الأدلّة
والبراهين التي تشي بأنّ الانتخابات لا تزال في مهبّ الريح.
ويُتوقّع أن يشهد الأسبوع المقبل تطوّرات قد تفصل الخيط الأبيض عن الخيط الأسود.
كريستال خوري – اساس ميديا