الانباء الكويتية
هل تأثر سوق العقارات في لبنان بالأزمة الاقتصادية المالية غير المسبوقة التي تضرب البلاد منذ 2019؟ وهل من ركود أصاب هذا القطاع، بعد هجمة كبرى على الشراء إثر توقف القروض المصرفية وأزمة السيولة التي شلت البلاد، وتحديد المصارف سقوفا للسحوبات وعدم منح الزبائن ودائعهم بالعملات الأجنبية وخصوصا الدولار الأميركي؟
للوهلة الأولى قد تأتي الأجوبة عن هذه الأسئلة ايجابية، وتعزز هذه الفرضية جولة ميدانية في عدد من المناطق الساحلية، تكشف غياب الأبنية الجديدة وورش ناطحات السحاب في مناطق معينة من بيروت كتلة الأشرفية ومنطقتي زقاق البلاط والرملة البيضاء والواجهة البحرية للعاصمة.
لكن الواقع اكثر تعقيدا من الاجابة على السؤال بنعم او لا، والحقيقة ان نوعا من الغربلة في العرض والطلب لجهة تجار البناء والزبائن، بدأت تظهر على طريقة «البقاء للأقوى».
في هذا الاطار، تحدث الى «الأنباء» نبيل طربيه الشريك في مجموعة جهاد طربيه للبناء، الناشطة في تشييد الوحدات السكنية في قضاء جبيل ساحلا ووسطا وجبلا، وكذلك الخبير والمستشار العقاري أنيس كفوري صاحب شركة «ناين ياردز» التي يتركز عملها في مناطق مصنفة راقية في المتن وبعبدا وبيروت.
يتحدث طربيه عن نجاح رؤية والده استاذ الرياضات لأكثر من ثلاثين سنة، في التريث بالبيع واعتماد سياسة بيع تدريجية تقوم على تقديم حسومات للزبائن بنسب تدريجية من 30% الى 20% ثم 10%، ويقتصر معها المبيع على ثلث المشاريع التي شيدت في 2018 و2019. وبعدها تعود الأسعار الى سابق عهدها. ويعطي طربيه مثالا «بيع شقة في مجمع جديد في بلدة عمشيت مساحتها 195 مترا ب 200 الف دولار نقدا في اواخر 2021، وبعدها بأشهر قليلة بعنا شقة أخرى مساحتها 200 متر بـ260 الف دولار نقدا». ويتحدث عن نوعية زبائنه ليقول ان غالبيتهم من المقيمين خارج البلاد، او من الذين يحصلون مداخيل من شركات أجنبية وبالعملة الصعبة.
ويتناول فترة تعود الى القروض المصرفية ورفع الأجور «التي مكنت كثيرين من الحصول على فرص لنيل قروض كبيرة بعد تحسن قيمة مداخيلهم بالعملة الوطنية، فتمكنوا من شراء وحدات سكنية من فئة متقدمة تصنيفا».
ويؤكد طربيه انخفاض حركة البيع الى نسبة تتراوح بين 20 و30% عما كانت عليه قبل الأزمة. لكنه يلفت الى «ذروة في المبيع أثناء فترة سعي الزبائن الى تحرير ودائعهم عبر الشيكات
المصرفية مرتضين اقتطاع نسبة من قيمة أموالهم».
ويربط بين تلازم هذه الحقبة وتفشي فيروس كورونا،
«وقد أدت تلك المرحلة الى خفض المبيع بنسبة 70%، لكنها فترة انتقالية».
يتفاءل طربيه بالمرحلة المقبلة، واصفا إياها بعودة الحركة
الطبيعية الى قطاع بيع الوحدات السكنية. لكنه يتحدث عن أسعار
جديدة ستكون مرتفعة من دون شك، تلازما مع ارتفاع الأسعار
الخاصة بمواد البناء عالميا من خشب والومينيوم وحديد وأدوات تشطيب داخلية تستورد في غالبيتها من
الخارج كالبلاط والأدوات الصحية ووسائل التدفئة والتبريد…
ويكشف عن تحضير التراخيص لخمسة مشاريع جديدة «مؤجلة
كلها الى ما بعد الانتخابات النيابية (في 15 مايو المقبل)،
وكذلك بالأمر بالنسبة الى المصارف المتريثة لتبيان المرحلة المقبلة».
ويختم بالإشارة الى «انخفاض العرض في الوحدات السكنية الجديدة،
ونلحظ هجمة من مكاتب البيع والمطورين العقاريين للتفتيش عن وحدات سكنية».
ويؤكد أنيس كفوري ايضا «تأثر سوق العقارات بالأزمة،
ذلك ان كل شيء في لبنان بات ملازما للدولار النقدي بنسبة 95%.
وفي الوقت عينه، لم تعد هناك عروضات كثيرة في السوق، نتيجة
حركة بيع كثيفة منذ سنتين عبر الشيكات، سعيا من المودعين لتحرير
أموالهم من المصارف». ويشرح كفوري لماذا
يعاني السوق العقاري حاليا من البطء: «اليوم توزعت ملكية الف
وحدة سكنية على نحو 800 مالك، بعدما كانت ملكيتها تعود سابقا الى 300.
ارتاح السوق بذلك مما انعكس هدوءا في حركة البيع والشراء، في غضون
سنتين اشترى من اشترى وباع من باع لتسديد ديونه الى المصارف».
ويعرض كفوري لواقع شركته، لافتا الى عدم تبدل نوعية زبائنها،
«من الميسورين محليا والمقيمين في الخارج أصحاب المداخيل الكبرى».
ويقر بوقف حركة العمار «لارتباطها بتحديد التجار جداول أسعار جديدة،
نظرا الى غلاء كافة المواد المتعلقة بهذا القطاع. ونحن قادمون على عودة الحركة بأسعار جديدة مرتفعة».
الخلاصة واضحة هنا: معايير جديدة خاصة بالبيع ستظهر قريبا.
وحدها نوعية الزبائن وتجار البناء لن تتبدل، بعد حذف ما كان يعرف بـ«الطبقة الوسطى»، ومن بقيت رواتبهم بالعملة الوطنية.